IMLebanon

“الحرب الواسعة” قاب قوسين إذا!

كتب طوني جبران في “المركزية”:

تتقاسم القراءات السياسية والديبلوماسية أكثر من سيناريو لمستقبل التطورات الجارية في قطاع غزة وجنوب لبنان والساحات التي انعكست عليها مجريات الحرب. وهي نظرية يمكن من خلالها رؤية وتفسير  الاحداث، سواء تلك التي اندلعت  بهدف “الإلهاء” و”المساندة” كالتي تجري في جنوب لبنان او “الأنتقام” التي استخدمت فيها ساحات اليمن البرية والبحرية المقابلة لها والعراق، خصوصا انها من المساحات التي تحولت مسرحا استخدمت فيها مختلف انواع الاسلحة التي حظيت برعاية ديبلوماسية اقتربت من  ان تكون علنية بعد أن تبناها “محور الممانعة” ومنحها شرعية اعترفت بها المراجع الدولية والإقليمية الساعية لحل الأزمات التي تشابكت  وتناسلت من قطاع غزة وامتدت الى باقي المحاور الهشة التي استعادت لهيبها على خلفية الصراع مع الدولة العبرية والولايات المتحدة الاميركية على خلفيات سياسية وعقائدية.

وان توقف المراقبون أمام ما يجري من محاولات ديبلوماسية للجم ما يحصل واحتواء النتائج الكارثية في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان فانها لم تصل الى خواتيمها بعد. لا بل هناك من يرى ان ما بلغته المفاوضات على خلفية ما رافقها من شروط وشروط مضادة توحي بأن المحاور كافة باتت على مسافة قريبة من انفجار أمني أوسع ان لم تثبت الديبلوماسية الاميركية ومعها مجموعة الأطراف المنخرطة في ترتيب مشروع اتفاق تلو آخر قدرتها على  ترجمة ما اريد لها ومنها، بعدما تعددت السيناريوهات الفاشلة التي انهارت واحدة بعد أخرى.

وانطلاقا من هذه الملاحظات والمؤشرات السلبية كشفت مراجع ديبلوماسية لـ “المركزية” ان ما تسرب من عقد حالت دون تنفيذ أكثر من مشروع حل نسجت خيوطه ما بين الدوحة والقاهرة وباريس ونيويورك حيث جرت مناقشة أكثر من مشروع قرار لوقف النار  في مجلس الأمن الدولي. كما لم تأت الجهود التي بذلها أعضاء  اللجنة الوزارية العربية المنبثقة من القمة العربية – الإسلامية الاستثنائية التي جالت معظم عواصم الدول الكبرى منذ ان تشكلت في نهاية أعمالها في الحادي عشر من تشرين الثاني العام الماضي في الرياض أيا مما نادت به من خطوات. وهو ما يؤكد بما لا يرقى اليه الشك استمرار الخيارات العسكرية على السياسية والديبلوماسية وما ترجمه البيان الختامي للاجتماع الذي عقد على مستوى وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي بمشاركة نظرائهم من الأردن ومصر والمغرب بطريقة واضحة لا تتحمل اي جدل.

وفي التفاصيل، قالت المصادر ان ما حمله وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن من اقتراحات الى مدير المخابرات الاميركية في زيارته الاخيرة الى لقاءات  القاهرة لمناقشة التطورات، اعفت اسرائيل نفسها من المشاركة فيها نتيجة عدم وجود ما يتوافق مع بعض الاقتراحات الاميركية التي رفضتها حماس ايضا فنالت نصيبها من الفشل من طرفي الصراع ولم يتمكن شركاءها العرب من تذليلها فعبرت  القاهرة عن اسفها لما انتهت اليه جهودها وصبت جام غضبها على الطروحات الاسرائيلية التي حالت دون التجاوب مع ما يشاطره العرب مع قيادة حماس من مطالب، فغادر وفد الحركة  القاهرة متوعدا بالتعبير عن قدرة مقاتليها على الصمود والمقاومة في كل نواحي القطاع وان ادعت إسرائيل أنها سيطرت عليها وانهت وجودها سواء في المنطقة الوسطى أو شماله.

إزاء هذه المعطيات التي لا توحي بإمكان تحقيق ما يؤدي الى “هدنة رمضان” ، قالت المصادر الديبلوماسية ان الرهان بات وقفا على مبادرة اميركية اوحت بها بعثتها في الامم المتحدة التي تستعد لطرح مشروع قرار  جديد ينادي بوقف “مؤقت”  لاطلاق النار  في القطاع مصحوبا بآلية لتبادل الرهائن والمعتقلين بدلا من وقف “دائم” سعت اليه مجموعة اقتراحات جزائرية واماراتية وبرازيلية سقطت جميعها واحدة بعد أخرى لمجرد استخدام واشنطن لحق النقض.

وعلى الرغم من تمهل واشنطن في تقديم المشروع على منصة التصويت، الذي يمكن ان يمر بالصيغة النهائية المطلوب تعديلها  في مجلس الأمن الدولي بدون اي فيتو صيني او روسي، كشفت تقارير اطلعت “المركزية” على بعض ما جاء فيها، عن مسعى مشترك بريطاني وفرنسي يبذل لدى البعثة الاميركية في مجلس الأمن الدولي لتوفير هذه الصيغة التي لم يعد هناك اي مصدر يوحي بالتهدئة من دونها، وخصوصا ان البديل من اي خطوة مماثلة يعني ان الوضع الميداني سيكون بلا ضوابط قياسا على حجم التحضيرات الجارية في أكثر من منطقة تهدد بمواجهات محتملة على المعابر البحرية من بحر العرب وباب المندب وربما توسعت باتجاه “مضيق هرمز” في الخليج العربي إن تجدد التوتر بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران بعد الموقف الأخير المتشدد لوزراء خارجية المجلس نفيا لحصة إيران التي تطالب بها في “حقل الدرة” السعودي – الكويتي المشترك وبسبب استمرار “الاحتلال الإيراني” لجزر الإمارات الثلاثة.

وما يزيد من نسبة القلق امكان ان تتمدد هذه المواجهات لتصل الى حوض البحر المتوسط ان نفذت إيران تهديداتها بجعلها حدودا لامنها القومي الممتد الى أكثر من خمسة آلاف كيلومتر من أراضيها الجغرافية. وهي مسافة تشير الى امكان استخدام مواقع لها مطلة على شرق المتوسط من لبنان ومن مواقع يبدو أنها استحدثت على الساحل السوري الى جانب القواعد الروسية وتحديدا ما بين بانياس وطرطوس. قواعد لم تعد سرية بعدما استهدفت إحداها الطائرات الاسرائيلية الاسبوع الماضي في بانياس وادت الى مصرع احد المستشارين الايرانيين ما شكل مفاجأة حقيقية بالمعايير الجيو – استراتيجية والعسكرية التي تميز المنطقة والتي كانت تتسم بلونها الروسي دون مشاركة اي قوة أخرى متواجدة على الأراضي السورية.

وختاما لا بد من الاشارة، أن ليس ثابتا ان واشنطن وان ارادت ان تلجم اي تدهور امني لأنه ليس لها اي مصلحة بانفلات الوضع بطريقة تفقده السيطرة، فلا يعني انها ستكون قادرة على ذلك، فالمخاوف تقود الى امكان ان تتجاوز اسرائيل الخطوط الحمر الاميركية وصولا الى توريطها في المزيد من العمليات العسكرية لمجرد ان تجبرها على امداد جيشها بالمزيد من الاسلحة النوعية والإستراتيجية ايا كانت النتائج المترتبة عليها. وما يحول دون هذه النتيجة السلبية يبقى رهن معرفة النتيجة التي قاد إليها لقاء يوم الجمعة الماضي بين رئيس الموساد الاسرائيلي  دافيد برنياع ومدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية “السي آي إيه” بيل بيرنز في الدوحة، كما كشفت احدى وسائل الاعلام الاسرائيلية بعد فشل محادثات القاهرة لمناقشة العوائق التي حالت دون “اتفاق حول الإفراج عن الرهائن” بالصيغة المقبولة من جميع الأطراف.