IMLebanon

تناغُم أدوار بين ترتيبات هوكشتاين ومساعي الخماسية

جاء في “الراي الكويتية”:

لا رئيس يُغْضِب «الثنائي الشيعي» حزب الله والرئيس نبيه بري. لا رئيس لا يَرضى عنه المسيحيون. لا رئيس من دون غطاء «مجموعة الخمس» حول لبنان. «مثلثٌ» من لاءاتٍ مستحكمة يَجْري العمل على تفكيكها وصولاً للإفراج عن الانتخابات الرئاسية الواقعة منذ نحو 17 شهراً في شِباك تعقيداتٍ داخليةٍ تتشابك مع عناصر إقليمية لطالما كانت مؤثّرةً في الواقع اللبناني ومجرياته.

وليس عابراً، بعد «دس السم» في ما أريد أن يكون مَخْرجاً للأزمة الرئاسية عملتْ عليه «كتلة الاعتدال الوطني» عبر مبادرةٍ بدا أن «الحبل قُطع بها في منتصف الطريق»، أن تتصدّر «الخماسية» (الولايات المتحدة، السعودية، فرنسا، مصر وقطر) ممثَّلةً بسفرائها في بيروت واجهةَ محاولاتِ توفير أرضيةٍ لـ «هبوط ناعم» للاستحقاق «المعلَّق» من خلال ديبلوماسيةٍ مكوكية تحوّلتْ معها المجموعةُ الدولية – العربية أشبه بـ «صندوقة بريد» تَجْمع أولاً الرسائل والمواقف من مختلف الأطراف المحليين حيال «القفل والمفتاح» لهذه الانتخابات، ثم غرْبلتها والسعي لاستخلاص النقاط المشتركة التي تتيح التقاء الجميع حول فرصةٍ للنفاذ برئيسٍ وفق خريطة طريق تعمل على بنائها «خطوة خطوة» مع حضٍّ على التقاط أي هدنةٍ في غزة لإبعاد لبنان عن منطقة… «الخطر الأعلى».

وفيما استكملتْ الخماسيةُ أمس جولتها على المسؤولين والقادة السياسيين بزيارة كل من الرئيس السابق ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والزعيم الدرزي وليد جنبلاط، على أن تأخذ «استراحة» حتى بداية الشهر المقبل، فإن مصادر واسعة الاطلاع أكدت أنه رغم «الأسلاك الشائكة» التي تزنّر مهمة دول المجموعة فإنه ينبغي عدم التقليل من أبعاد تحرُّكها بهذا الزخم، الذي يعكس أولاً استشعاراً بالمخاطر التي تترتّب على ترْك لبنان «مقطوع الرأس» بملاقاة ما ينتظر المنطقة – بما فيها جبهة الجنوب سواء انفراجاً أو انفجاراً – ويؤكد ثانياً أن الخارج لم يتخلّ عن «بلاد الأرز» وإن على قاعدةٍ قديمة – جديدة «ساعِدونا كي نساعدكم»، ويكرّس ثالثاً هذه المجموعة كـ«ناخِبٍ دولي» في استحقاقٍ تجلس إيران على طرفه المقابل محاوِلةً إدارته عبر حليفها بما يعبّر عن موازين القوى «على الأرض» (في لبنان) وربما ما ستُفْضي إليه حرب غزة وأخواتها.

ورأت المصادر أن توقيتَ معاودة الخماسية تحركها كـ «رجُل واحد»، وإن كان كل أطرافها ليسوا على «كلمة واحدة» في ما خص بعض تفاصيل الملف الرئاسي، لا يمكن فصْله عما تسعى إليه واشنطن عبر موفدها آموس هوكشتاين لإنجاز اتفاق إطارٍ يكون قابلاً للترجمة عند بدء أيّ وقفٍ للنار في غزة بما يمنع انزلاق جبهة الجنوب الى المواجهة العسكرية المفتوحة، بمعنى أن حِراك المجموعة هو امتدادٌ سياسي لمَهمة هوكشتاين، الأمنية – العسكرية (الممهّدة لحلّ مستدام جنوباً) على قاعدة السعي لإعداد «المسرح» لتلقُّف هدنةٍ مازال يُعمل عليها للقطاع لسدّ «باب خطرٍ» يُشكّله الفراغ الرئاسي وقطع الطريق على أن يصبح محكوماً بالموازين التي ستفرزها الحرب وتفاهماتها وربما… مقايضاتها.

واستوقف المصادر نفسها، ما يشبه التهدئة غير المعلنة على جبهة الجنوب التي تَشهد تراجعاً في وتيرة التصعيد، وسط صعوبة استشراف خفاياه وحظوظ استمراره، مُلاحِظَةً أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وفي معرض تحديده أول من أمس «معايير الانتصار» في الحرب، كرّر في ما خص جبهة الجنوب شرط «العودة الآمنة» لسكان مستوطنات الشمال وهو «ما يتطلب تراجُع حزب الله (عن الحدود)، وهذا مطلب لن نتراجع عنه»، ولكن من دون أن يرفق هذا الكلام بالتهديد – اللازمة الذي تعوّد إطلاقَه «بالقوة أو الديبلوماسية».

وتساءلت الأوساط هل ثمة قطبة مخفية وراء انخفاض التصعيد على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية بالتوازي مع تكثيف تل أبيب ضرب أهداف لحزب الله في سورية، لافتةً إلى أن ما يجري وبحال استمرّ لا بد أن يكون نتاج مساعٍ غير معلنة والخطوط غير المباشرة بين واشنطن وطهران، والتي كان من تعبيراتها تبلُّغ قائد فيلق القدس الجنرال اسماعيل قآاني من قيادة «حزب الله» أنها لا ترغب في أن تنجرّ إيران الى المواجهة مع اسرائيل أو الولايات المتحدة بحال شُنت حرب واسعة على الحزب، وهو ما يعكس بطبيعة الحال إدراك الأخير بأن طهران لا ترغب بمثل هذا الأمر.

ووفق المصادر فإن «الوجه الآخر» لِما كُشف عن لقاء قآاني وقيادة «حزب الله» أن الأخير بدوره سيحاذر القيام بأي خطوة تستجرّ الحربَ الشاملة التي تجعله «يخوضها منفرداً»، وهو ما لا ترغب فيه طهران أيضاً باعتبار أن الحزب «احتياط استراتيجي لها»، ما يشي في الإطار نفسه بأن الخطوط المفتوحة بين واشنطن وطهران قد تكون أفضت إلى فسحةٍ لالتقاط الأنفاس على جبهة جنوب لبنان من طرفيْها، وسط أسئلةٍ حول هل يكون تأخير أو تعليق توسيع المواجهة مع «حزب الله» في إطار «مقايضةٍ» يريدها نتنياهو مع إدارة الرئيس جو بايدن لقاء إشاحة النظر عن اجتياح رفح ولو بعد «تنظيم» هذه العملية ووضْع ضوابط لها بالتوازي مع «تنظيمْ للمشاغلة» في جنوب لبنان وعبره.

وفي مقابل هذه المعطيات، كان بارزاً أمس ما نقلته قناة «العربية» عن مصادر من أن «أميركا أبلغت لبنان أنها لا تستطيع منع الحرب إذا قرر حزب الله التصعيد»، وأنها كرّرت تحذيراتها الشديدة «من أن الأوضاع بين لبنان وإسرائيل مرشحة للانفجار، وأن لدى اللبنانيين وقت ضيّق للتعامل مع التهديدات الاسرائيلية».

وبحسب القناة فإن الرسالة الأميركية لبيروت شملت الشروط الإسرائيلية، وأبرزها تَمَسُّك حكومة نتنياهو بعودة سكان الجليل الى منازلهم قريباً، فضلاً عن التأكد من أن حزب الله لن يتمكّن من تهديد الحدود الشمالية لإسرائيل كما يفعل الآن، أو كما فعلت حماس في 7 أكتوبر، وأن من أول أسباب قلق واشنطن «خشيتها الآن أكثر من أي وقت ألا تتجاوب حكومة نتانياهو مع المطالب الأميركية، وأن الموفد هوكشتاين سعى أكثر من مرة للوصول إلى حل لكنه لم يحصل من اللبنانيين على التزام من حزب الله بتنفيذ أي من المطالب».

ووفق المصادر نفسها التي تحدثت لـ «العربية» أن «الأميركيين يريدون وقفاً لإطلاق النار وضمانات من حزب الله واجراءات على الأرض تؤكد ان مسلحيه لن يكرروا أو يكونوا قادرين على شنّ هجمات في المستقبل»، كاشفة عن محاولات عبر أطراف عدة بينهم الرئيس بري ونائبه الياس بوصعب وهوكشتاين لبلوغ تفاهم لم ينجح بعد «إلا أن هناك تحركات أخرى يقوم بها أطراف آخرون مثل سفراء الخماسية وأعضاء الخماسية منفردين، والجميع يتمنون الوصول الى صيغة»، و«ان الأطراف بدأوا العمل على وضع صيغ ميدانية للمرحلة المقبلة وهي كلها تقوم على دور واسع للجيش اللبناني في جنوب لبنان».

ولفتت إلى أنه «قبل أسبوعين تقريباً جرى اتصال بين رئيس هيئة الاركان المشتركة الجنرال براون وقائد الجيش اللبناني جوزف عون» و«أن الأميركيين يريدون رعاية البنية العسكرية الشاملة في جنوب لبنان ولسنوات طويلة».

وأضافت «العربية»: «لكن هذه الترتيبات العسكرية في الجنوب تتطلب أعداداً كبيرة من الجيش اللبناني، وسيطرة على الأرض، وقد بدأ العسكريون من الطرفين، اللبناني والأميركي، في وضع تفاصيل ما يحتاجه الجيش ليقوم بهذه المهمة. وتبدأ حاجاته من استعادة العناصر الذين خسرهم منذ بداية الأزمة المالية، وتمرّ بمتابعة تمويل الجيش اللبناني، وتصل الى نشر قوات من الجيش تكون قادرة على منع احتكاك جديد بين عناصر حزب الله وإسرائيل».

وختمت: «لعل المثير ايضاً في هذا المسار أن الأميركيين والأوروبيين جميعاً أبدوا رغبتهم بالمساعدة المالية للجيش اللبناني وهم ينتظرون أن تظهر الخطة الشاملة بالاتفاق بين الاميركيين والجيش اللبناني بالاضافة الى التوصل الى صيغة بين طرفي النزاع».

الخُماسية تتحرك بين… استحالتيْن

وفي موازاة ذلك، مضى سفراءُ «الخُماسية» في حركتهم باتجاه القادة اللبنانيين وفق «خطة عمل» كشف معالمها ومرتكزاتها السفير المصري علاء موسى بإعلانه أن المجموعة ستسعى للتقدم وفق خريطة طريق«محدَّدة وأن العنوان الرئيسي هو الالتزام والارادة والرغبة والنيات الصادقة»، وسط اقتناعٍ بأن مهمتها تأخذ في الاعتبار ما اصطدمت به المبادرة الاستكشافية لـ «الاعتدال الوطني» من استحالتين:

– الأولى قبول بري، ومن خلفه حزب الله، بأي شكل من تشاور «رفع العتب» لا يُراعي أن يدعو إليه رئيس البرلمان ويترأسه، كما استحالة اعتماد أي مسار للانتخاب يقوم على جلسة مفتوحة بدورات متتالية حتى تصاعُد الدخان الأبيض، وسط إصرارٍ على صيغة جلساتٍ مفتوحة بدورات متلاحقة بحيث يُقفل المحضر بعد كل جلسة، ما يعني عملياً رفْض التزام عدم تطيير النصاب بالمطلق، والعودة إلى الصفر في كلٍّ منها إذ يتعيّن المرور بغالبية الثلثين لانتخاب رئيسٍ في الدورة الأولى في حين أن الدورات التي تلي تتطلب أكثرية النصف زائد واحد.

– والثانية تسليم قوى المعارضة بمبدأ طاولة الحوار أو التشاور في قالبٍ منظّم و نظامي، برئيس ومرؤوس، ما يعني إيجاد أعراف لانتخاب الرئيس بآلياتٍ لا تراعي ما ينص عليه الدستور لجهة أن رأس الدولة يُنتخب في جلسة اقتراعٍ وليس عبر ممر إجباري لتفاهُم مسبق على الرئيس اسمه الحوار أو التشاور، وهو الموقف الذي يؤيده البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وأبلغه الى سفراء «الخماسية» خلال زيارتهم له يوم الاثنين.

وقد بَلْوَرَ السفير المصري الخطوط العريضة لمهمة المجموعة معلناً باسم «اللجنة الخماسية»: «الخطوات التي سنبدأ في اتخاذها مبنية على عدة مراحل، الأولى الحديث مع كافة الكتل السياسية من دون استثناء للحصول منهم على التزام بأنهم يرغبون جميعاً في انتخاب رئيس في أسرع وقت وفق خريطة طريق ستقدّمها الخماسية، وهي بداية عناوين رئيسية ثم نذهب بعد ذلك الى التفاصيل».

وقال: «سنعرض على الكتل العناوين الرئيسية وخريطة طريق تحركّنا في المستقبل، وبالطبع خلال أحاديثنا مع ستكون هذه الخريطة قابلة للتعديل والإضافة والتحسين وفق رؤية كل طرف ووفق الرؤية الجامعة التي نبحث عنها من أجل تسهيل الأمور».

وأكد ان «حراك اللجنة سيستفيد من حراك كتلة«الاعتدال»وأي حراك آخر تقوم به قوى سياسية أخرى، لأنه في الحقيقة لدينا قناعة بأن عملية انتخاب الرئيس تعود ملكيتها الى لبنان واللبنانيين والبرلمان اللبناني والكتل السياسية (…) وعليه نحن نبني على التحرك الداخلي علنا كخماسية نسهّل إيجاد الأرضية المشتركة لانجاز الاستحقاق الرئاسي في أقرب وقت».

وكشف «أننا سنلتقي بكل القوى السياسية بشكل متكرر من أجل الوصول الى تصوُّر كامل يلتزم به الجميع ويمكن البناء عليه، من خلال خطوات أخرى».

وردا على سؤال أكد «أن الخماسية تسعى للحصول على التزام من مختلف الأطراف، وأقول لو أن الالتزام موجود والإرادة متوافرة فالتفاصيل يمكن التغلب عليها والتعامل معها بشكل أسهل كثيراً، وفي تقديرنا ان المرحلة الأولى ستأخذ بعض الوقت والجهد، ولكن فور الإنتهاء منها ستكون الخطوات التالية سهلة وقابلة للتطبيق».

ورداً على سؤال آخَر قال: «تحدّثنا مع الرئيس بري الذي أعرب عن التزامه، فور التوصل الى توافق على هذا الالتزام من مختلف الكتل والقوى السياسية، بدعوة المجلس النيابي الى عقد جلسة لانتخاب الرئيس، ولكن أقول لكم إن هذه المرحلة الأخيرة تسبقها أشياء كثيرة، ويجب أن تمهد الأرضية من أجل الوصول الى جلسة ليست بطويلة، على أن تسبقها حوارات ونقاشات تُفْضي إلى توافق ما بين الكتل السياسية المختلفة».

جعجع: المشكلة عند الممانعة

يُذكر أن جعجع، قال بعد لقاء سفراء الخماسية: «أعضاء المجموعة هم دول صديقة تحاول تيسير أمور لبنان بما فيها انتخاب رئيس، وحاولتُ ان أكون واضحاً معهم وقلتُ لهم إن المشكلة لدى فريق الممانعة الذي لا يريد انتخابات رئاسية، أو ان تكون على قياسهم، وإذا اردنا معالجة المشكلة فلنذهب الى الجوهر».

وإذ وصف بري بأنه baby sitter لمحور الممانعة و«قام بنخْر مبادرة الاعتدال الوطني التي تتمحور حول تداعي النواب إلى لقاء تشاوري لمرة واحدة ثم الذهاب الى جلسة مفتوحة بدورات متتالية»، قال «لم نطرح أسماء خلال اللقاء مع سفراء الخماسية، وانا متأكد أنه في حال تمت الدعوة لعقد جلسة فسيتم انتخاب رئيس بحلول الدورة الثانية أو الثالثة».