بقلم الدكتور جورج شبلي:
بعدَ أن حقَّقَ ” الشّباب ” انتصارًا مدوِّيًا برَمي إسرائيل في البحر، واستعادة القدس الى الحضنِ العربي، وتكبيد الشّيطان الأكبر هزيمة نكراء، ورفع العلم الأصفر فوق التّراب الغَزّاوي في فلسطين المحتلَّة، مالوا الى الدّاخل بظهوراتٍ متكرِّرة في المهرجانات، ومن على الشّاشات، يشنّفون آذانَنا بخُطَبٍ عصماء، وتنظيراتٍ أتحفونا بها، مشكورين، أين منها منابرُ الأئمّة المُصطَفين، وتُركِّزُ على مشروعِ الدولة، وحصرية السّلاح بيدِ قواها الشّرعية، وامتلاكها قرار الحرب والسِّلم، وسوى ذلك من فَيضِ الوطنيّة، ما يوهمُ، طوعًا أو قَسرًا، بأنّ المُنَظِّرَ رزينٌ، نقيٌّ، مُسالِم، يهدفُ الى ما فيه صلاحُ البلاد، وخَيرُ الناس.
إنّ هذا الكمَّ من التّنظيرِ ” الإيجابي ” يدفعُ الى التَحَيّرِ، والبحثِ عن مصداقيّةِ أصحابه، وتقميشِ الغايات والمقاصد التي يرمون إليها. من هنا، يُطرحُ السؤال : هل تستبطنُ هذه التنظيرات أمورًا يجبُ الكشفُ عنها ؟؟؟
إذا عُدنا الى الخُطبِ الرنّانة لمسؤولي ” الشّباب “، لن نجدَ تمويهًا لما يقصدون، فمهما لهثوا خلفَ تصويرِ حيثيّتِهم الجديدة ” الوطنيّة “، وتقيُّدِهم بمضامينِها، ودفاعهم عن الدولة، وعن ثوابت النّظام، ومشاركتِهم في الحكم، وحفاظهِم على السِّلم الأهلي، وعدم قَطعِ شعرةِ معاوية مع الشّريك في الوطن… يبقى الباطنُ جليًّا، بالرَّغمِ من إلباسِ الأسلوب لَبوسَ الزّخرفة، وتزيينِ الكلامِ بألفِ لونٍ ولون. فالهدفُ الاستراتيجيّ الأساسيّ دائمٌ أبدًا، من دون أيِّ تعديلٍ أو تبديل، ولا نيّةَ للتنازلِ عن حرفٍ من بنودِه. فاحتفاظُ الحزبِ بالسّلاح تكليفٌ من فوق، مُتَّصِلٌ باللّوحِ المكتوب، والمُحتَفِظُ به معصومٌ ينأى عنه الشَّطَط !!!
إنّ سلوكَ ” الشّباب “، قبلَ مغامرتِهم العبثيّةِ التي أودت بالبلاد الى جهنّم، وبعدَ تلك المغامرة المدمِّرة، هو هو، لم يتغيّرْ قيدَ أنملة. من هنا، نَرانا، بعدَ قراءةٍ موثَّقة للخُطب، وبعدَ مقارنةِ ما فيها من تنظيرٍ مُفاجِئ، مع سلوكِهم المُغايرِ له، نذهبُ الى القَولِ : إسمَعْ تَفرَحْ، عايِنْ تَحزنْ.
وبالعودةِ الى مطالعاتِ القيِّمين على ” الشّباب “، نستعرضُ بعضَ الصِّيَغِ التي لا تنمُّ، بتاتًا، عن التزامِهم بمنطوقِ المواثيقِ الداخلية، والدوليّة، لا سيّما دستور الطّائف، والقرارات الأمميّة وفي مقدّمها 1701 ومندرجاته، والمواد الواردة في اتّفاق وقفِ إطلاق النّار والذي وقّعَه أولياءُ شأن ” الشّباب “. فهم مستمرّون في استجلابِ المال، والأسلحةِ المُتاحة، وإعادةِ تنظيمِ هيكليّتِهم العسكريّة، ورصّ صفوفِ مقاتليهم، وتَثويرِ هؤلاء بأدلجةٍ روبوتيكيّة، وابتكار الذّرائع لاستمرار ما يُسَمّى ” المقاومة “… وانطلاقًا، يمكنُ الجزمُ بأنّ فجوةً سحيقةً تفصلُ بين ما يُعلِنُ عنه القياديّون، تنظيرًا، وبين ما يقومون به في عالَمِ الواقع. فالتّنظيرُ، إذًا، حَكي فاضي…
إنّ المطلوبَ، بعد انتخاب رئيسٍ للبلاد، وبعد تشكيلِ حكومةِ الإصلاح، هو أن تتمتَّعَ السّلطةُ بالجرأةِ الشّرعية، وتباشرَ بتطبيقِ القرار 1701، وامتلاكِ حصريّة السّلاح على كامل مساحة الوطن، ثمّ التفرّغ الى العمل الدبلوماسي النّاشط، والمدعوم عربيًّا ودوليًّا، لإخراجِ إسرائيل من الأمكنةِ التي لا زال جيشُها يتواجدُ فيها في الجنوب. وبالتالي، حلّ التنظيمات المسلّحة، والأحزاب العقائديّة التي تُناقِضُ دستورَ لبنان، والتصدّي لأيّ تَدَخّلٍ مشبوهٍ من محورِ الموت…
عسى أن تطبِّقَ السّلطةُ إصلاحاتِها، وأن يستفيقَ الحسُّ الوطنيّ في المستَقوين، ويستطيعوا أن يكونوا تغييريّين ويُلغوا عسكريَّتَهم الى الأبد، ليحيا لبنان.