كتبت ميليسا ج. افرام:
لطالما لعبت فرنسا دورا محوريا في دول الشرق الأوسط عموما ولبنان خصوصا، فتميّز لبنان بين العرب بقربه من الدولة الفرنسية التي يطلق عليها لقب الام الحنون، فتأثر بقوانينها ودستورها وسياساتها وثقافتها. الا انه مع كل التبدلات التي يشهدها لبنان والمنطقة ومع كل الازمات التي مرّ بها لبنان، بدا التدخل الفرنسي خجولا نسبة للدور الذي تلعبه واشنطن بالمنطقة.
بالطبع تميّز الرئيس الفرنسي بزياراته للبنان بعد انفجار 4 آب 2020 وتضامنه مع اللبنانيين في شوارع بيروت، كما زيارته للبنان فور انتخاب العهد الجديد في كانون الثاني 2025، الا ان إيجاد حلول للملف المعقّد والأكبر في لبنان وهو ملف سلاح حزب الله وحروبه لم يكن في حسابات فرنسا التي ظلت تفاوض وتناور مع الحزب لسنوات دون جدوى.
ومع سقوط نظام الأسد، برز موقف لافت للنائبة الفرنسية عن حزب اتحاد اليمين من أجل الجمهورية كريستيل دي انتورني التي طالبت الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بسحب وسام التقدير من مصور بشار الأسد الخاص عمار عبد ربه.
وأوضحت النائبة الفرنسية في حديث لموقع IMLebanon أن معارضتها لمنح وسام الشرف لعمار عبد ربو في عام 2017 تتجاوز إطار انتقاد الرئيس ماكرون، لافتة الى ان معارضتها هي “قبل كل شيء رسالة بوجه كل تهاون مع نظام ارتكب جرائم حرب ولا يزال ينتهك الحقوق الأساسية للشعب السوري.”
وقالت: “في السياسة الخارجية، المنطق ضروري. تكريم مصور مقرب من نظام بشار الأسد في خضم الحرب الأهلية السورية كان خطأً فادحًا. أذكر بأن الدبلوماسية الفرنسية لا يمكن أن تتأرجح بين السذاجة والتواطؤ، فذلك يمس بمصداقيتنا على الساحة الدولية.”
وعن دعوة الرئيس ماكرون الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع لزيارة فرنسا، علّقت دي انتورني: “إن دعوة الشرع تعد مثالًا آخر على الرؤية المرتبكة والمتخبطة لدبلوماسيتنا. يجب أن يكون هناك موقف واضح: دعم الشعب السوري وعدم اعطاء الشرعية، ولو بشكل غير مباشر، لنظام قمعي.”
كما أبدت مخالفتها للموقف الغير واضح للرئيس ماكرون تجاه حزب الله والنفوذ الإيراني في لبنان، قائلة: “حزب الله هو منظمة سياسية-عسكرية تزعزع استقرار البلاد وتعمل كأداة للسياسة التوسعية الإيرانية في المنطقة. لا يمكن لفرنسا أن تدّعي دعمها لسيادة لبنان بينما تهادن قوة تقوّضها من الداخل. يجب علينا تبني موقفا واضحا وحازما: المطالبة بنزع سلاح الميليشيات بشكل كامل ودعم استقلال سياسي حقيقي للبنان، بعيدًا عن التدخلات الخارجية.”
واللافت ان النائبة كريستيل دي انتورني هي عضو في لجنة الصداقة الفرنسية اللبنانية وبالتالي هي مطلعة على الشؤون اللبنانية. ولفتت الى ان “لبنان بلد عزيز على فرنسا وروابطنا التاريخية والثقافية والسياسية لا يمكن إنكارها”، معتبرة أن من واجب فرنسا مرافقة ودعم لبنان في مواجهة الأزمات المتعددة التي يمر بها.
ورأت ان انضمامها إلى مجموعة الصداقة الفرنسية اللبنانية يعني المساهمة في تعزيز هذه العلاقات والدفاع عن مصالح اللبنانيين الفرنكوفونيين ومحبي الثقافة الفرنسية، الذين يطمحون إلى مستقبل مستقر ومزدهر. وأضافت: “يجسد لبنان حصنًا للثقافة الفرنسية وديمقراطية هشة يجب حمايتها.”
وعن الأزمات التي تعصف بلبنان منذ 2019 حتى اليوم، لفتت النائبة الفرنسية الى أن الرئيس ماكرون كثّف زياراته وتصريحاته الداعمة للبنان، لكن من الواضح أن تحركاته بقيت غير كافية وغير فعالة.
وتابعت: “منذ عام 2019، يواجه اللبنانيون أزمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة، ولم تتمكن المساعدات الفرنسية، رغم رمزيتها، من تقديم حل حقيقي. ومن خلال ترك المبادرة لقوى أخرى، ولا سيما الولايات المتحدة الاميركية، فقدت فرنسا جزءًا من نفوذها.”
وأشارت الى انه من الضروري إعادة فرنسا إلى موقعها كلاعب رئيسي في لبنان، وذلك من خلال العمل مع المجتمع المدني اللبناني ودعم الإصلاحات الهيكلية اللازمة لإخراج لبنان من هذه الأزمة.
وحول اهتمام فرنسا بلبنان على الصعيد الثقافي بعد تراجع النفوذ الفرانكفوني في لبنان أمام صعود اللغة الإنجليزية، أكدت دي انتورني أنه “إذا كنا نريد أن يحافظ لبنان على هويته التعددية وارتباطه بالثقافة الفرنسية، فعلينا الاستثمار في المؤسسات التعليمية، ودعم المدارس الفرانكفونية، وتعزيز التبادل الجامعي”، مشيرة الى أن “تراجع الفرانكفونية في لبنان ليس قدرًا محتوماً، لكن معالجته تتطلب إرادة سياسية قوية.”
عُرفت النائبة دي انتورني بعملها الميداني كونها قريبة من الفرنسيين في حياتهم اليومية لا في السياسة فحسب. وعند سؤالها عن اختلاطها بالمواطنين وعن امكانية زيارة لبنان للتعرف على احتياجاته عن قرب قالت لـIMLebanon: “أنا نائبة منتخبة من الشعب، وأفضّل دائمًا التواصل المباشر مع المواطنين والمسؤولين المحليين. تتم دراسة زيارة لبنان بجدية، لأنني أريد أن أعاين بنفسي الوضع هناك وأتبادل الحديث مع اللبنانيين لفهم تطلعاتهم واحتياجاتهم بشكل أفضل. ستتيح لي هذه المهمة نقل مخاوفهم واهتماماتهم إلى الجمعية الوطنية بدقة والتزام أكبر.”
أما عن الداخل الفرنسي، رأت دي انتورني أن التدفق الكبير للمهاجرين أدى إلى وضع المؤسسات تحت ضغط شديد، خاصة في مجالات الأمن والعدالة والخدمات العامة. ولفتت الى ان “الوضع الحالي يثبت أن نظامنا أصبح عاجزًا، وأنه من الضروري إجراء إصلاح شامل.”
وشاركتنا النائبة باقتراحاتها للحد من ارتفاع الجرائم في فرنسا، أبرزها إصلاح النظام السجني لضمان تنفيذ العقوبات بشكل فعلي وتجنب الاكتظاظ في السجون، مكافحة الثغرات في قانون حق اللجوء من خلال استهداف من يستغلون هذا النظام بشكل غير مشروع، بالإضافة الى تعزيز مكافحة الاتجار بالمخدرات الذي يدمّر شوارع فرنسا ويغذي الجريمة.
وشددت على انه لا يمكن الاستمرار في استقبال أعداد كبيرة من المهاجرين من دون رقابة ومن دون توفير الوسائل الملائمة لدمجهم. وختمت: “لقد حان الوقت لاستعادة السيطرة على سياستنا المتعلقة بالهجرة، من أجل ضمان الأمن والتماسك الوطني.”
يعاني لبنان منذ نحو 15 سنة، أي منذ اندلاع الحرب السورية من نزوح ملايين السوريين اليه، البعض منهم غير مسجلين وغير شرعيين لجأ الى لبنان عبر معابر غير شرعية، ما أدى الى ارتفاع نسبة الجرائم وارتفاع الفوضى في لبنان أكان على صعيد المؤسسات الرسمية أو حتى الخاصة.
اقتراحات وحلول مختلفة طرحتها دي انتورني في حديثها لـIMLebanon قد تساعد لبنان للحد هو أيضا من مشكلة النزوح، علما أن أساس حل كل مشاكل لبنان هو سياسي بحت، آملين ان يتمكن العهد الجديد بسياسته الجديدة وبالدعم الدولي الذي يحظى به من حل مشاكل لبنان، من نزوح الى حصرية السلاح بيد الجيش اللبناني.