بقلم: الدكتور جورج شبلي
لم تُصِبني المفاجأة عندما بلغَني أنّ اليافطات المزدانةَ بالعلم اللبناني، على طريق المطار، قد دُنِّسَت بالنّار، بل بسفاهةِ مَنْ أَشعلَها، ودناءتِهم، وهمجيّتِهم، وعمالتِهم، ونسألُ : متى يبدأُ هؤلاء بإعادةِ إعمارِ شَرَفِهم، والولاءِ للبنان ؟؟؟
وبعد،
في كلِّ مرّةٍ كنتُ أسألُ نفسي، وأنا أعبرُ طريقَ المطار، هل أنا في وطني، أم بعيدًا في أرضٍ لا تُشبهُني ؟؟؟ فعناصرُ الطّريقِ تُغَوِّصُ في لَحمي طَعمَ الشَّوك، والأسلاك، والأغلال، والوحل، ليضيعَ مِنّي جوازُ المرورِ الى السّلامِ، والحريّة، ومشروعِ قيام الدّولة…
في كلِّ مرّةٍ، كنتُ أسألُ نفسي، وأنا أعبرُ طريقَ المطار، هل أنا ابنُ الحضارةِ والفرح في لبنانَ الجميل، أم مُرغَمٌ على معايشةِ عصرِ ظُلماتِ التخلّف، ما قبل التّنوير ؟ من المؤكَّد، بعدَ هذا كلِّهِ، أنّ ما أَدخلَ الفرحَ الى قلبي، وأنا أعبرُ طريقَ المطار ( عُذرًا على التّكرار )، هو نَزعُ صُوَرِ الطُّغاةِ وأعوانِهم البلديّين الذين نشلوا الوطن، وأدخلوا الدولةَ في تشابكيّةِ السِّياق الإقليميّ بكلِّ تداعياتِه الكارثيّةِ على الكيان، والهوية، والمصير، وفرضوا استعمارًا ممجوجًا بِفَرطٍ من الاستقواءِ والقهر.
إنّ ما شاهدتُه على طريق المطار، ينبغي، بل يجبُ إلزامًا، أن ينسحبَ على كاملِ الخارطة الوطنيّة، من دون أيِّ استثناء، فلا يعودُ لبنانُ مَسكنًا مريحًا للشيطان، مغروزًا في جسمِهِ تعذيبٌ، وخَوفٌ، ومقصلةُ انتداب، ورَسمُ ” صَدرٍ أَعظَم ” جديد فَقَشَ إرهابُه حصرمةً في عينِ بَني عُثمان برمَّتِهم، وليس، فقط، في عينِ ” بابِهم العالي “.
إنّ ما شاهدتُه على طريق المطار، يشكّلُ نقلةً نوعيّةً الى تفتيقِ أقبيةِ القمعِ، والتّطويع، والى ترميمِ تَوقِ العطشِ الى الكرامةِ برَفعِ صرخةٍ مدوّيةٍ في وَجهِ المستَقوين، تقول : أيّها المستخِفّون بالنّاس، يا بطانةَ السّوء، لقد جعلتُمُ الوطنَ قبرًا مفتوحًا، وجَثَمتم على رؤوسِ أهلِه، وأشبعتموه دمارًا، وفَقرًا، وتهجيرًا، وتنكيلًا، وضحايا، كفاكم أخطبوطيّة ميليشياويّة مُفلِسة، لم تُنتِج إلّا خرابًا، وفسادًا، وقَتلًا… وهذا يؤكّدُ، حتمًا، على أنّ الوطنَ، اليوم، لا يفتقدُ الى قادةٍ ” تاريخيّين “، وفي مقدّمهم رئيسُ الجمهورية، يحقّقون، بجرأتهم، إنجازاتٍ غيرَ اعتياديّة، في مكافحةِ الوباءِ الوطني، وصولًا الى وطنٍ نظيف، مُعافًى، وليُثبِتوا أنّ الحقَّ لم يَنفقْ بعد.
إنّ ما شاهدتُه على طريق المطار، هو وِقفةٌ عاليةُ النّبرة، وخضّةٌ مفصليّةٌ تُعيدُ الى البلادِ صحَّتَها، وتُزيلُ كوابيسَها، وهو شرارةٌ فَذَّةٌ توقِدُ قدرةَ الدولة على امتلاكِ سيادتِها المُستباحة، حتى لا تبقى الهويّةُ مجرّدَ ذكرى. قبلَ ” عهد جديد للبنان “، كانت مكوّناتُ الميليشيا تتمخترُ على طريق المطار، مدخل لبنان، وفي أرجاءَ أخرى منه، تفرضُ التباسًا خطيرًا على الوافِدين إليه من أقاصي الأرض، بأنّ انفصامًا بَشِعًا يعانيه البلد، بين الأمان والهمجيّة، بين التّرحيبِ والتّرهيب، بين مشيئةِ الحياة والسّقطة التراجيدية المفروضة، بين الوطنِ الحَي وجيفةِ وطن…
ما شاهدتُه على طريق المطار، هو انقلابٌ خلّاب، أثبتَ لي أنّ الوطنَ لم يعدْ مؤجَّلًا، وأنّ قضيةَ الالتزامِ بقيامتِه باتَت تتنزّلُ في يومِه، وفي غَدِه، يترجمُها المسؤولون، وعلى رأسهم رئيس البلاد، بنشاطٍ دَؤوب، وجرأةٍ وثّابة، لا سابقَ لهما، ليضمحلَّ ما كان سائدًا، قبلًا، من مفعولِ الخضوعِ المتحالِفِ مع الجبانة، والذي جعلَ لبنانَ نسخةً ممسوخةً مرهونةً لكهوفِ التعفّنِ العقيم، فلا إمكانيّةَ، البَتَّة، لإعادةِ إنتاجٍ لها.
إنّ ما شاهدتُه على طريق المطار، قبلَ فِعلِ الدَّنَس، ليس سوى عودة لبنان الى لبنان… شُكرًا.