IMLebanon

الإنتخابات النيابيّة ليست مزحة

الإزدواجيّة تحكم وتتحكّم، لا يتفق المسيحيّون على إنتخاب رئيس، إنما يتفقون على مقاطعة الجلسة التشريعيّة. لا يستمع اللبنانيّون الى الأمم المتحدة، بمقدار ما يستمعون الى الوحي الذي يأتيهم من خلف أبواب السفارات.

سفراء الدول المهيمنة، خطابهم مزدوج، المعلن شيء، والمضمر شيء آخر، وطالما أنّ الأمن ممسوك، والإستقرار خطّ أحمر، فلمَ العجلة؟ الإستحقاق الرئاسي ليس مدرَجاً أولية في أجنداتهم، هناك ملفات تتقدم، وعامل الوقت كفيل بحلحلة كثير من العقد.

هجائيّة الامين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في حق المتطاولين على المقاومة، أهم بالنسبة اليهم، من بكائيّة الرئيس ميشال سليمان على «إعلان بعبدا». الأخير أصبح في بيته، فيما الأول لا يزال حيث هو، يوزّع الإملاءات والنصائح. يهمّ السفراء معرفة ما يقوله السيّد في التنظيمات الإرهابيّة، ومعلومات الحزب حاجة وضرورة لحكومات دولهم للتعرّف الى العناصر التي قد ترتد اليها حاملة النار والبارود والأحزمة الناسفة.

إزدواجيّة لا ترحم، في الأمس كان مطالَباً بالإنسحاب من سوريا، اليوم أصبح مطالَباً بتعزيز الدور والحضور. في الأمس كان مدرَجا على لائحة الإرهاب، اليوم تنتظر البعثات الأوروبيّة والغربيّة دورها على أبواب حارة حريك للحصول على موعد، او التأكد من معلومة. ليس الإستحقاق في بال كثيرين الآن، همدت نافورة المياه في قصر بعبدا، ولم تخرب الدنيا.

إزدواجيّة متقنة تمليها لعبة المصالح، في الأمس كانت الإنتخابات الرئاسيّة في سوريا مهزلة عند دول الأصدقاء. اليوم تغيّر الخطاب أمام ظاهرة الجحافل المتسابقة الى سفارات سوريا في كلّ من لبنان والأردن وتركيا والعراق لتجديد البيعة للرئيس بشّار الأسد! قبل 25 أيار كانت باريس مربط خيل كثيرين، إجتماعات مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل مع الرئيس سعد الحريري، ومع مسؤولين فرنسيّين، بعد 25 أيار أصبحت العيون شاخصة نحو طهران ودمشق، متى يلتقي وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف بنظيره السعودي؟ وماذا بعد أن يضمن الأسد بقاءه لولاية ثالثة؟ كيف سيكون المزاج الأميركي ـ الأوروبي؟ هل يقرّ بدورٍ وازن لهذا المحور في الإستحقاق الرئاسي؟ أم أنّ الأمور ستندفع نحو المزيد من المواجهات؟

إزدواجيّة لا تعرف قواعد الشرف، ولا ترتبط بأخلاقيات، بقدر ما ترتبط بمصالح، ولبنان مسرح لها، لا يملك أيّ مسؤول تصوّراً واضحاً حول الإستحقاق. لا يملك أيّ خبر، او جملة مفيدة حول الحاضر والمستقبل. الكلّ ينتظر الوحي لتغيير الأحوال والمواقف والإتجاهات. الجميع يحلّل، والجميع ينظّر، او يستنسب، ولكنّ أحداً لا يملك القرار، ولا زمام المبادرة، هناك شبكة عنكبوتيّة تتحكم بمصائر الأمور، شبكة تفرض الإختلاف حتى لا يتفق الموارنة على رئيسٍ يُصار الى إنتخابه، كما تفرض الإتفاق حتى ولو كان سلبيّاً فيمتنعون عن الحضور الى الجلسة التشريعيّة إنقاذاً للميثاقيّة، والميثاقيّة منهم براء.

يؤكد السفير البابوي المونسنيور غابريال كاتشيا أمام وفد من الرابطة المارونيّة، حرصَ الفاتيكان على إنتخاب رئيس جديد للبنان قريباً جداً. معظم الدول يبدي مثل هذا الحرص، لكنّ الإشكالية تدور حول المهلة، و»قريباً جدّاً» قد تعني يومين، او أسبوعين، أو شهرين، أو فصلين، وربما أكثر، والكلام عن إنتخابات نيابيّة تسبق الرئاسيّة لم يعد مزحة، في كواليس ديبلوماسيّة شيء من هذا، إنتخابات نيابيّة في أيلول، وفق قانون 1960، ولبنان دائرة واحدة، وتجرى في يوم واحد، وبعدها يُصار الى إنتخاب رئيس الجمهوريّة. لا أحد في الداخل يملك التأكيد أو النفي، الجميع في دائرة المراوحة إنتظاراً للوحي.

إزدواجية المصالح قد تفرض تبديلاً في سلّم الأولويات. وإذا كان الإستقرار في عهدة الدول النافذة، فالإستحقاق الرئاسيّ أيضاً، والمستقبل والمصير. ويختصر المشهد سفير دولة كبرى بقوله: «سمعتُ من خلال لقاءاتي، أنّ الجميع حريصون على إتفاق الطائف، لكن ألا يشكل الفراغ إذا طال أمده، معوَلاً لهدمه وتقويض أساساته؟»