IMLebanon

البطاركة لتحييد الرئاسة.. و«الحزب» يتريث في موقفه من التمديد ومبادرة عون

أربع أولويات أو عناوين تتصدّر المشهد السياسي في لبنان: الانتخابات الرئاسية، التمديد النيابي، المخطوفون من الجيش اللبناني وقوى الأمن، والمسيحيّون المشرقيّون وتحديداً العراقيّون. وفي هذا السياق نجحَ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في إبقاء ملف رئاسة الجمهورية حيّاً، وظهر أنّه لا يلين ولا يتراجع ولا ييأس من مواصلة ضغطه حتى انتخاب رئيس جديد. وقد أراد عشيّة سفره إلى الفاتيكان إطلاقَ رسالة مزدوجة بمشاركة بطاركة الشرق وحضور سفراء الدول الخمس وممثل الأمين العام للأمم المتحدة ديريك بلامبلي، بأنّ الانتخابات الرئاسية تتقدّم على كلّ الملفات الأخرى، وأنّ المطلوب تحييدها عن النزاعات الإقليمية والدولية، وأنّ الوجود المسيحي المشرقي هو مسؤولية مسيحية-إسلامية، داعياً الدولَ العربية والإسلامية إلى التحرّك في هذا الاتجاه. وعلمت «الجمهورية» أنّ الراعي وجّه كلاماً حادّاً للسفراء من قبيل أنّ دعواتهم لانتخاب رئيس جديد لا تُترجَم على أرض الواقع. ويترافق الضغط المتواصل للبطريرك مع محطة ومبادرة. وإذا كانت المحطة هي موعد الانتخابات الرئاسية في 2 أيلول، فإنّ المبادرة يُتوقّع أن تبصر النور قريباً عن قوى 14 آذار التي تضع اللمسات الأخيرة عليها، وهي تقوم على ركيزتين: تشكيل وفود للتواصل مع 8 آذار والوسطيّين من أجل الاتفاق على مرشّح تسوية، وفي حال الإصرار على التعطيل العودةُ إلى المربّع الأوّل.

فيما الاستنفار في الخارج والداخل على أشدّه بفعل تنامي المخاوف من الحركات التكفيرية، حافظَ لبنان على شغوره الرئاسي، والمحاولات تجري عبثاً لإخراجه من نفق التعطيل بفعل إصرار كلّ طرف على موقفه. وفيما تبقى الملفات السياسية مجمّدة حتى إشعار آخر، يتقدّم العنوان الأمني مجدّداً مع بقاء بلدة عرسال تحت المجهر، بالتوازي مع متابعة قضية تسليح الجيش وقضية الأسرى العسكريين لدى الإرهابيين.

برّي وقهوجي

وفي هذا الإطار، تابعَ رئيس مجلس النواب نبيه بري مع قائد الجيش العماد جان قهوجي موضوع دعم الجيش وتسليحه في حضور وزير المال علي حسن خليل.

ونَقل النوّاب عن بري تأكيدَه أنّه يركّز في هذا الوقت بالدرجة الاولى على العمل لتوفير كلّ الدعم للجيش في معركته ضدّ الارهاب، وأنّه تلقّى وعوداً من سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالتجاوب مع هذا الطلب.

سلام

في غضون ذلك، أكّد رئيس الحكومة تمام سلام من عين التينة أنّ الحكومة تتحمّل مسؤولياتها كاملةً في ملف الأسرى العسكريين وأنّ الموضوع «لا يُحَلّ بهذه السهولة بل يتطلب عناية كبيرة». وانتقدَ التعاطي الإعلامي مع هذا الموضوع، منبّهاً من أنّ التنافس والمبارزة الإعلامية فيه تُعرّض الأسرى لمزيد من الخطر، خصوصاً الكلام عن تبادل أو عدم تبادل».

وقال سلام: «القضية لن تنتهي لا اليوم ولا غداً، فهناك معركة طويلة مع ناسٍ لا دين لهم ولا قضية ولا معالم إنسانية»، وقال: «من المعيب أن نخاطر بالعسكريين من أجل معلومة «بالزايد» ومعلومة «بالناقص».

وشدّد سلام أيضاً على ضرورة أن «يسود الحسّ الوطني في خطابات السياسيّين»، وقال: «مع الأسف نسمع مواقف لقوى سياسية لا تليق بالوطن والمواطنين، مليئة بالتشنّجات والمزايدات والتوترات، ولا تساعدنا في مواجهة الخطر الأمني الكبير والداهم الذي يواجه المنطقة كلّها».

مصادر سلام

وليلَ أمس، قالت مصادر سلام لـ«الجمهورية» إنّ ما تحدّث عنه في عين التينة كان واضحاً وصريحاً ولا يحتمل أيّ تفسير، فهو سمّى الأشياء بأسمائها بصراحة، ولفتَ الى مخاطر استغلال ما يجري في عرسال ومناطق أخرى، داعياً إلى وقف استثمار قضية بحجم قضية المخطوفين العسكريين من جيش وقوى أمن داخلي، فاستثمارُ ما حصل في السياسة جريمة لا تغتفر.

كذلك دعا إلى حماية المؤسسة العسكرية من ما قد يسيء الى معنوياتها وصورتها الجامعة لدى اللبنانيين، ودان الحديثَ عن مخطوف سنّي أو شيعي أو مسيحي. وأكّدت المصادر مسعى سلام لمعالجة وضع المخطوفين واستعادتهم، وشدّدت على أنّه لن يكشف عمّا آلت اليه اتصالاته غير المنظورة حتى اليوم.

مقاربة وطنية

وكانت مراجع معنية بالملف قد أشارت إلى أنّ سلام تلقّى أمس وقبله رسائلَ سلبية حول ما يمكن أن يؤدّي إليه استمرار التعاطي مع قضية العسكريين باستخفاف، ولذلك فهو رفعَ الصوت تزامُناً مع مواصلته مساعيَه لتطويق ما يسيء منها إلى سلامتهم، وهو ما دفعَه أمس إلى دعوة جميع الأطراف لإجراء مقاربة وطنية للملف.

وأوضحت المراجع أنّ جميع هذه القضايا طُرحت في لقاء عين التينة، مع التشديد على التكتّم حول بعض المخارج المطروحة، وصولاً إلى النتائج المرجوّة في كلّ القضايا، خصوصاً موضوع المخطوفين العسكريين لدى المجموعات المسلحة.

مهمّة ابراهيم

وعلمَت «الجمهورية» أنّ المهمة التي أوكِلت مجدّداً إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لم تنطلق بعد، وأنّه لا بدّ من بعض الاتصالات التمهيدية لانطلاقها في ظلّ الظروف والتعقيدات المحيطة بها وحجم ما يجري في سوريا، في اعتبار أنّ فتحَ بابِ المفاوضات حول الملفّ سيطاول القيادة السورية أيضاً بعدما نُمي إلى بعض المرجعيات أنّ مطالب الخاطفين ستطاول قضايا تتّصل بالنظام السوري.

وفي هذه الأجواء، قالت مصادر الأمن العام لـ«الجمهورية» إنّ اللواء ابراهيم لن يقوم بعمل سرّي، وهو سيعلن للرأي العام ما يجب أن يعلَن من اتصالاته وزياراته، ولا حاجة للاسترسال في سيناريوهات مشوّهة مثلما جرى من قبل، عندما نُظّمت له زيارات ومهمّات إلى هذه الدولة أو تلك وبُنِيت عليها آمال وهمّية وهو كان في مكتبه يواصل عمله كالمعتاد. وأكّدت المصادر أنّ المهمة صعبة ودقيقة، وهناك ترتيبات لا بدّ منها، والحديث عنها قبل أوانها لا يفيد في شيء بقدر ما يضرّ.

بطاركة الشرق

في هذه الأثناء، جمعَت بكركي بطاركة الشرق في قمّة ترأّسَها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وانضمّ إليها سفراء الدول الخمس وممثّل الأمين العام للأمم المتحدة ديريك بلامبلي، حيث بحثَت وضع مسيحيّي العراق والمنطقة، وأزمة انتخاب رئيس الجمهورية.

وأكّد الراعي أمام المشاركين أن «ليس لديّ أيّ مرشّح معيّن لرئاسة الجمهورية، وأنا لا أذكّي أحداً ولا أقصي أحداً، وهذا من منطلق احترامي للديموقراطية وللمجلس النيابي والنوّاب»، موضحاً أن «كلّ ما يقال من كلام عن أسماء تطرحها بكركي وما يُشاع في هذا الموضوع هو غير صحيح». ودعا النواب «للدخول الى المجلس النيابي وانتخاب الرئيس انطلاقاً ممّن يعتبرونه الأقوى».

وأضاف الراعي: «ثمّة من يقول إنّ على المسيحيين أو الموارنة أن يتّفقوا على مرشح. هذا القول غير مقبول، لأنّ رئيس الجمهورية ليس رئيساً للموارنة أو المسيحيين، بل لكلّ اللبنانيين، وبالتالي لا يحقّ لأيّ فريق مذهبي أن يتّفق وحدَه على مرشّح، بل هذا أمر يخصّ كلّ اللبنانيين.

وبما أنّه لا يوجد في لبنان ترشيح لرئاسة الجمهورية، لا يحقّ لأحد قبول أو إقصاء أيّ مرشّح من أجل التوافق، فالمطلوب الاقتراع في المجلس النيابي مرّة وثانية وثالثة، وإذا لم يتمّ انتخاب أحد من الذين نالوا أصواتاً، عندئذ يُصار إلى التوافق على مرشّح واحد أو اثنين من قِبل الكُتل السياسية

والنواب».

البيان الختامي

ودعا البيان الختامي للبطاركة إلى وقف «الاعتداء على المسيحيين، ووضع حدٍّ للتنظيمات الأصولية التكفيرية، ودعم الحضور المسيحي من أجل حماية تعايش الأديان والثقافات والحضارات وتطوّرها السلمي».

ورأوا أنّه «لا يمكن أن تستمرّ الدوَل، خصوصاً العربية والإسلامية، صامتةً بلا حراك في وجه «داعش» ومثيلاتها من التنظيمات الإرهابية التكفيرية التي تتسبَّب بإساءة كبيرة لصورة الإسلام في العالم»، داعين أيضاً الى «إصدار فتوى دينية جامعة تُحرِّم تكفيرَ الآخر إلى أيّ دين أو مذهب أو معتقد انتمى، وإلى تجريم الاعتداء على المسيحيين وممتلكاتهم وكنائسهم في تشريعاتها الوطنية».

وطالبوا، الأسرتين العربية والدولية، بـ»الضغط بقوّة على مموِّلي هذه التنظيمات بالمال والسلاح ومدرّبيها، من دول ومنظمات، لقطع مصادر العنف والإرهاب الفكري».

وطالبَ بطاركة الشرق بإلحاح، الكتلَ السياسية ونوّابَ الأمّة بفصلِ انتخاب رئيس الجمهورية عن مسار الأوضاع والنزاعات الإقليمية والدولية التي لم ترتسم أفقها بعد، والإسراع إلى التشاور الجدّي والتفاهم لانتخاب الرئيس في أسرع ما يمكن». وشدّدوا على أنّ «انتخاب الرئيس واجب قبل اتّخاذ أيّ قرار بشأن استحقاق المجلس النيابي».

خليل

إلى ذلك، أوضحَ وزير المال علي حسن خليل أن ليس هناك مبادرة بالمعنى الدقيق لبرّي والنائب وليد جنبلاط في الملف الرئاسي». وأكّد أنّ حركة بري باتّجاه إنجاز الإستحقاق الدستوري لانتخاب رئيس جمهورية لا تعني على الإطلاق تجاوزَ أيّ مكوّن من مكوّنات البلد، بل هي نابعةٌ من حِرص أكيد على إنجاز هذا الاستحقاق المهم لكلّ اللبنانيين، وللمسيحيين بالدرجة الأولى.

«الحزب» ومشروع عون

إلى ذلك، وفيما لا يزال تكتّل «التغيير والإصلاح» ينتظر أجوبة موضوعية وعلمية على اقتراح رئيسه النائب ميشال عون حول انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع الشعبي المباشر، لوحظ أنّ أيّ ردّة فعل لم تصدر بعد عن حليفه «حزب الله» حيالَ هذا الاقتراح.

وعلمت «الجمهورية» أن «الحزب»، وفي الوقت الذي يؤكّد موقفَه المبدئي الداعم ترشيحَ عون الذي لم يناقشه مسبقاً في اقتراحه الذي يتطلّب تعديلاً دستورياً، يعتبر أنّ مضمون هذا الاقتراح ودلالاته وتداعياته ونتائجه، إضافةً إلى توقيته، يجب أن يكون موضعَ درس لديه، وأنّ صمتَه عن هذا الموضوع حتى الآن لا يمكن تفسيره رفضاً لهذا الاقتراح.

وفي المعلومات أن لا موقف نهائياً وحاسماً بعد للحزب من مسألة تمديد ولاية مجلس النواب الممدّدة، ولكنّ لديه ميلاً مبدئياً إلى ضرورة احترام الاستحقاقات الدستورية وإنجازها في مواعيدها.

في هذا الوقت شدّدت الأمانة العامة لقوى 14 آذار على «أنّ معالجة الأوضاع الداخلية كافّة، ولا سيّما منها السياسية، لا تستقيم إلّا بانتخاب رئيس جمهورية جديد وفقاً للدستور». واعتبرت «أنّ أيّ خروج على إجماع اللبنانيين هو خطوة بهلوانية نحو المجهول».

شائعات وغارات في عرسال

أمنياً، وفي الوقت الذي تواصلت فيه الروايات والشائعات حول تحرّك مجموعات مسلحة بين جرود عرسال وبعض المناطق ليلاً، نفَت مصادر أمنية لـ«الجمهورية» حصولَ عمليات تسلل، وقالت إنّ وحدات الجيش التي أعادت انتشارها في البلدة وتلالِها كثّفَت عمليات المراقبة ونشرَت مواقعَ متقدّمة على بعض التلال باتّجاه جرود المنطقة لرصد أيّ تحرّكات مشبوهة.

لكن ما توقّف عنده المراقبون هو ما تحدّثت عنه المعلومات الواردة من البلدة حول إخلاء عائلات لمنازلها، خصوصاً في التلال المواجهة للمنطقة الجردية التي يتمركز فيها المسلحون، بعدما رضخوا للشائعات التي تحدّثت عن عمليات تسلل، وخوفاً من أن تتجدّد العمليات العسكرية في المنطقة في أيّ وقت.

وأمس جدّدت الطائرات الحربية السورية غاراتها الجوّية على تلال المنطقة ووديانها التي تربط بين جرود عرسال ومناطق القلمون السورية المواجهة لها، بعدما أخلى الجيش السوري عدداً من تلال المنطقة التي باتت تحت سيطرة المسلحين.

وقالت مصادر أمنية إنّها لم تتبلغ عن نتائج عمليات القصف وحصيلتها وما آلت إليه، كما لم يكشف الجانب السوري رسمياً عن هذه الغارات.

تزامُناً جدّدت المضادات السورية اعتداءاتها على القرى اللبنانية المواجهة لمواقع الجيش السوري في منطقة تل كلخ على الحدود اللبنانية – السورية الشمالية.