IMLebanon

التمديد يتفاعل تحت سقف التوافق الحكومي والإستقرار والهبة نحو التسييل

الأنظار في الداخل مشدودة إلى عنوانين: سياسي وأمني. الأوّل يتصل بالتمديد لمجلس النواب الذي تصدّرَ كلّ العناوين والنقاشات السياسية، ولكن تحت سقف التوافق الحكومي و»شبه الإجماع الدولي-الإقليمي على استقرار الضرورة في لبنان»، وذلك على حدّ تعبير «حزب الله» الذي يجسد حقيقة الواقع، حيث أن التطورات منذ تأليف الحكومة وحتى ما قبلها أثبتت هذا الإجماع على تحييد لبنان. والثاني يرتبط بتعزيز قدرات الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية لتثبيت الاستقرار في الداخل، خصوصاً أنّ المؤسسات العسكرية والأمنية نجحت أخيراً في تحدّيَين: إحباط محاولات عودة التفجيرات الانتحارية، وإحباط نقل الحرب السورية إلى لبنان من بوّابة عرسال. وإذا كانت الطريق نحو تدعيم الجيش واضحة وسالكة، فإنّ الطريق نحو التمديد ما زالت مبهَمة نتيجة عاملين، سياسي يتّصل بموقف 8 آذار المؤيّد لإجراء الانتخابات في موعدها، وموقف 14 آذار المنقسم حول هذا العنوان، ودستوري يتعلق باحتمال إسقاط أيّ مكوّن حكومي قانونَ التمديد الصادر عن المجلس النيابي، وذلك بعد انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، وبفعل البروتوكول الذي مكّنَ أيّ وزير من إسقاط أيّ قانون أو مرسوم أو قرار…

وسط الانشغال الدولي بمتابعة التطورات في العراق بعد التوافق الإقليمي ـ الدولي على تسمية رئيس الحكومة الجديد حيدر العبادي تمهيداً لتشكيل حكومة وحدة وطنية، فيما رفضَ نوري المالكي تسليمَه السلطة، فدعاه البيت الأبيض الى احترام العملية الديموقراطية وحضّه على التنحّي، كذلك دعاه المرجع الديني السيّد علي السيستاني الى التخلّي عن منصبه، ينشغل المسؤولون في لبنان بتمديد ولاية مجلس النواب لمرّة ثانية، بعدما تأكّد أنّ أمَد الشغور الرئاسي طويل، فيما لم يغِب ملفّ عرسال والخطر الإرهابي الذي تصدّى له الجيش عن الصورة السياسية، حيث تفقّدَ قائد الجيش العماد جان قهوجي قبل ظهر أمس قوى الجيش المنتشرة في منطقة عرسال ومحيطها، وجال في مراكزها واطّلعَ على الإجراءات الميدانية التي تنفّذها حفاظاً على أمن المنطقة واستقرارها، واجتمع الى قادة الوحدات وأركانها وزوّدَهم التوجيهات اللازمة.

وعلى خط آخر ظلّ ملفّ سلسلة الرتب والرواتب وملفّ المياومين عنواني الحركة الاحتجاجية في الشارع لليوم الثاني على التوالي، وسط تمسّك هيئة التنسيق النقابية بإقرار السلسلة قبل التصحيح، ومطالبة مياومي الكهرباء بحقّهم بالتثبيت في ملاك مؤسّسة كهرباء لبنان.

روايات غير ثابتة

وفي هذه الأجواء، تبقى قضية العسكريين الرهائن لدى الإرهابيين حاضرة بقوّة، وأكّدت مراجع أمنية وحكومية لـ«الجمهورية» أنّ المفاوضات ما زالت مستمرّة بصعوبة بالغة بين مَن يمثّل الإرهابيين و»هيئة العلماء المسلمين»، وقد يستلزم الأمر يومين أو أكثر لتبادل أيّ فكرة بين الطرفين، في اعتبار أنّ حركة الوسَطاء صارت معقّدة وصعبة، نظراً إلى وعورة الطرق التي على أيّ وسيط أن يسلكها لتبادل الرسائل بين الطرفين.

ونُقل عن أحد أعضاء الهيئة الشيخ حسام الغالي أنّ وفداً من زملائه سلّمَ إلى رئاسة الحكومة شريط فيديو يُظهر صوَر 7 عسكريين محتجَزين لدى الإرهابيين ولائحةً بالمطالب التي رفعَها إلى كبار المسؤولين.

وأكّد مرجع أمنيّ معني بملف المخطوفين ليل أمس لـ«الجمهورية» أنّه لم يتسلّم من رئيس الحكومة أيّ معلومات عن شروط جديدة، وقال إنّ كلّ ما نعلمه هو أنّ الرهائن بخير، وجميعهم بصحّة جيّدة، والمفاوضات مستمرّة لا أكثر ولا أقلّ.

وأضاف: «نتفهّم صعوبة المفاوضات مع هؤلاء الإرهابيين، لكنّنا لم نتسلّم بعد أيّ مطلب واضح وصريح بشكل يوحي بأنّ ملف التبادل أو الإفراج عن الرهائن قد اقترب».

ونصحَ المرجع بعضَ الإعلاميين بوقف مسلسل السيناريوات التي تُنشَر من وقت إلى آخر، لأنّها لا تمتُّ في معظمها بصِلة إلى ما لدينا من معلومات حول القضية وما يمكن ان تشهده من تطوّرات في المدَيَين القريب والبعيد، ولفتَ الى أنّ سيناريوات كانت تُبحَث قبل أيام لا تشبه السيناريوات السابقة التي جرت في حالات مماثلة، فما حصل في عرسال لا يشبه أيّاً من الأحداث السابقة، لا في شكلها ولا في توقيتها ولا مضمونها.

وعن احتمال أيّ دور للمدير العام للأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم في العملية، قالت مصادر الأمن العام لـ«الجمهورية» إنّ ابراهيم الذي التقى وفداً من «هيئة العلماء المسلمين» أبدى استعداده للقيام بأيّ دور يمكن أن يقوم به، لكنّ بتَّ ذلك يبقى رهن قرار القيادات السياسية.

وأشارت المصادر إلى أنّ هذا الملف كان مدارَ بحثٍ بين ابراهيم والرئيس الحريري قبل أيام.

ملفّ التمديد

في غضون ذلك، جدَّد رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس رفضَه التمديد للمجلس، وأوضح أنّ موقفه هذا «لا يندرج في إطار المناورة السياسية، كما يتراءى للبعض»، مضيفاً: «ما هي فائدة التمديد لمجلس معطل لا يشرّع ولا يلعب دوره كاملاً؟». وأكّد تمسّكه بأولوية انتخاب رئيس الجمهورية، ونَقل النواب عنه أنّ هذا الأمر كان موضعَ توافق مع الرئيس سعد الحريري في لقائهما الأخير.

«حزب الله»

وعلمَت «الجمهورية» أنّ «حزب الله» لم يحدّد بعد موقفه من موضوع التمديد النيابي. وقال عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض لدى خروجه من عين التينة، وردّاً على سؤال من موضوع التمديد: «نحن ندعو المؤسّسات إلى القيام بدورها، وبالتالي الإعداد لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها الطبيعي، أمّا إذا فرَضت الظروف غيرَ ذلك فعندها لكلّ حادث حديث».

جعجع

وقال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إنّه «على رغم وجود ظروف في مكانٍ ما تبرّر طرح التمديد، إلّا أنّ الذهاب لانتخابات نيابية يبقى أفضل»، وأكّد في حديث إلى محطة «MTV» ضمن برنامج بموضوعية للزميل وليد عبود أنّ «القوات» لن «تصوّت الى جانب التمديد لمجلس النواب، بل الى جانب إجراء انتخابات نيابية في موعدها رغم الاعتبارات الدستورية»، وتساءل: «هل يمكن ترك البلاد بتمديد وراءَ تمديد في ظلّ هذا الوضع الأمني الهَش؟». ودعا «الحكومة إلى التحضير لإجراء الإنتخابات»، وتمنّى على رئيس مجلس النواب «ما دامَ هو ضدّ التمديد أن يدعو لجلسةٍ لإقرار قانون انتخابيّ جديد».

وفي الملف الرئاسي، قال جعجع: «عرقلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية مستمرّة حتى إشعار آخر»، لافتاً إلى «أنّ هذه العرقلة تأتي من «حزب الله» ورئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، متوقّعاً أن يتشدّد «حزب الله» أكثر في الملف الرئاسي بعد الذي جرى في العراق، موضحاً أنّه لم يشعر بوجود صفقة دولية بموضوع الرئاسة، لا قبل عودة الرئيس سعد الحريري ولا بعد عودته، مشدّداً على أنّ «الحريري لا يحتاج إلى صفقة ليصبحَ رئيساً للحكومة»، مؤكّداً أنّ «14 آذار مجتمعة على المشروع السياسي، وبالتالي لن تنتخب رئيساً مناقضاً لمشروعها».

عون

في المقابل، أكّد عضو تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب آلان عون أنّ «التكتّل» سيعارض التمديد للمجلس النيابي، ولن يصوّت لصالحه.

وقال لـ«الجمهورية»: «بين السيّئ والأسوأ، أي بين إجراء الانتخابات النيابية على أساس قانون الستّين أو عدم إجرائها، نفضّل إجراءَها، فعلى الأقل تكون هناك فرصة للشعب اللبناني كي يساهم في تغيير الواقع السياسي والتوازنات من أجل حلحلة المشاكل.

لكنّ قوى سياسية عدّة تفضّل عند حصول أزمة انتظارَ كلمة السر من الخارج، أمّا نحن فما نزال نؤمن أنّه عندما نصل إلى أزمة يجب أن ننتظر الشعب كيف يقرّر ويحسم الأمور، لكن يبدو أنّنا بمفردنا خارجَ سرب الذين كرّسوا هذا الواقع في لبنان، أي تلزيمه إلى الخارج، وما زالوا مستمرّين في هذا التلزيم منذ أكثر من 20 سنة، وهم عندما تقع أزمة لا يحتكمون إلى الشعب بل ينتظرون العرّابين الخارجيين لحلّ مشاكلهم».

وعن تعَذُّرَ إجراء الانتخابات في موعدها بسبب الوضع الأمني، تساءلَ عون: «كم تبلغ نسبة المناطق التي يمكن أن يمنع الظرف الأمني إجراء الانتخابات فيها»؟ وقال: «في العام 92 كان لمنطقة معيّنة خصوصية، فطالبت بتأجيل الانتخابات فيها، وهكذا حصل، فهل نعطّل اليوم العملية الديموقراطية من أجل منطقة واحدة، ونعترف أنّها تشهد ظرفاً أمنياً خاصّاً.

في كلّ الأحوال، يجب أن لا نضحك على أنفسنا، وكي لا ندخل في هذا الجدل نقول إنّنا عملياً لسنا في نظام ديموقراطي طبيعي، نحن في بلدٍ أصبح اليوم جزءاً من منظومة إقليمية، وعندما تدخل القوى الإقليمية في نزاع يتعطّل لبنان، وعندما تدخل في تسويات يسير، فالديموقراطية عندنا مجرّد إخراج أو ماكياج لهذا الواقع».

لقاء عون ـ الحريري

على صعيد آخر، علمَت «الجمهورية» أنّ لقاء رئيس «التكتّل» النائب ميشال عون والرئيس سعد الحريري ليس في الساعات المقبلة، كما أشاع البعضُ أخيراً، لكنّ التواصل بينهما لا يزال قائماً، سواءٌ عبر الإتصال المباشر أو عبر الموفدَين، النائب السابق الدكتور غطاس خوري والسيّد نادر الحريري.

وفي هذا السياق، سُجّلَت في الأيام الماضية حركة لافتة على خط الرابية ـ «بيت الوسط». وقالت مصادر التيار لـ»الجمهورية» إنّه عندما يُعقد اللقاء بين عون والحريري سيُعلن عنه».

الحريري ـ نصر الله

أمّا على خط الضاحية ـ «بيت الوسط»، فإنّ كلّ المؤشرات تؤكّد أنّ أيّ إمكانية للقاء يُعقد بين الحريري والأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله معدومةٌ حاليّاً.

ففيما يعتبر الحزب أن لا جديدَ تحت الشمس، وأن لا شيء عمليّاً على مستوى العلاقة مع «المستقبل»، تؤكّد مصادر «المستقبل» لـ«الجمهورية» أنّ الأفق لا يزال مقفلاً وأنّ الحزب لم يُبدِ أيّ إيجابية جديدة منذ عودة الحريري.

عرسال في مجلس الوزراء

إلى ذلك، يحطّ ملف عرسال مجدّداً في جلسة مجلس الوزراء اليوم من بابين ماليَين، أحدهما يتصل بطرح رئيس الحكومة لآليّة التصرّف بالهبة المالية السعودية الجديدة لتعزيز قدرات الأجهزة الأمنية، والهبة الثانية بقيمة 15 مليون دولار التي منحَها الحريري لعرسال. وكان الحريري قد سافر أمس إلى جدّة لمتابعة وضع هبة المليار السعودية للجيش اللبناني والقوى الأمنية موضعَ التنفيذ مع القيادة السعودية.

نصرالله

وفي انتظار ما سيعلنه السيّد نصر الله في مقابلته التلفزيونية مساء غدٍ الجمعة لمناسبة ذكرى حرب تمّوز، اعتبر نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أنّ تطوّرات المنطقة كثيرة ومعقّدة، والكلّ مشغول بقضاياه، وهناك شبه إجماع إقليمي دولي على استقرار الضرورة في لبنان، ما يعني أن تبقى رتابة الوضع اللبناني على حالها، فلا استحقاقات دستورية، ولا تشريعات لمصلحة البلد والناس، بل تجميد الوضع اللبناني.

ولكن إذا صفَت النيّات وصمَّم المسؤولون، فإنّ بإمكاننا أن نحقّق بعض مصالح الناس». واعتبر أنّنا أمام فرصة للاتفاق بدل انتظار التعليمات، ومن ينتظر الحلول الإقليمية لمعالجة قضايا لبنان فسيطول انتظاره، لأنّ المنطقة في حالة انعدام وزنٍ وعدم استقرار لمسار الحلول فيها».

المشهد المطلبي

على صعيد آخر، لم يتغيّر المشهد المطلبي أمس، وتواصلت الاحتجاجات على خطَّي هيئة التنسيق النقابية، والمياومين في الكهرباء.

ففي ملفّ سلسلة الرتب والرواتب، نفّذت هيئة التنسيق اعتصاماً، في ساحة رياض الصلح. وخلال اللقاء، وجّه نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض، رسالةً مباشرة إلى رئيس الحكومة تمّام سلام، قال فيها: «لا أعرف إذا كنتَ رأيتَ ما حصل في وزارة التربية أمس، وكيف تحوّلت الوزارة إلى ثكنة عسكرية». وسأله: «هل يستأهل المعلّمون في البلد أن يوضَع أمامهم آلاف مؤلّلة من عناصر قوى الأمن والجيش؟

وانتقدَ الخُطباء الإجراءات الأمنية التي تمّ اتّخاذها في الأونيسكو أمس الأوّل. وأعلنوا تمسّكهم بحقوقهم كاملةً في السلسلة، ورفضَهم فرضَ ضرائب على الناس للتمويل.

في موازاة ذلك، واصلَ عمّال ومياومو مؤسّسة كهرباء لبنان اعتصامهم أمس أمام مبنى المؤسسة، في إطار التحرّك التصعيدي الذي يقومون به احتجاجاً على قرار إجراء مباراة محصورة لتثبيت 897 موظفاً.

والبارز أمس دخول رئيس اللجنة النيابية للطاقة والمياه النائب محمد قباني على خط الوساطة، فاستقبل وفداً من لجنة مياومي الكهرباء وجباة الإكراء. ولكنّ الاجتماع لم يُثنِ اللجنة عن تحرّكها، بحيث أكّدت بعد اللقاء الاستمرار في الإضراب والاعتصام حتى تحقيق كلّ المطالب.

من جهته، أوضحَ قباني لـ«الجمهورية» أنّ المياومين يرون أنّهم تعرّضوا لطعنة وخيبة بسبب المذكّرة التي أعِدّت في مؤسسة كهرباء لبنان وأرسِلت الى مجلس الخدمة المدنية. واشتكى المياومون أيضاً، نقلاً عن رؤساء الوحدات، من عمل مقدّمي الخدمات بسبب التراجع في نوعية عملهم، وتساءلوا ماذا سيحلّ بمصيرهم بعد سنتين عندما تنتهي عقود عملهم؟

ونصحَ قباني السلطة التنفيذية ممثّلةً بوزير الطاقة ومؤسسة الكهرباء بالتروّي في تنفيذ المذكّرة، ودعاها إلى التحاور مع المياومين بشكل صريح وصادق.

وتساءل: لماذا لم يتمّ الاستغناء في السابق عن أعداد المياومين الإضافيين؟ أمّا القول إنّ هؤلاء بقوا في عملهم لأنّهم مدعومون بمحسوبيات، فيُبرّر تخوّف المياومين اليوم من أن يتمّ تثبيتهم كلّهم لاستبدالهم بمياومين آخرين تابعين لمحسوبيات أخرى.

وقال قباني: «نحن بحاجة لتقييم كلّ عمل مؤسسة كهرباء لبنان، خصوصاً وأنّها تُكلّف الخزينة أكثر من ملياري دولار والكهرباء غير متوافرة».