IMLebanon

بعد أن أطلت داعش  علينا – برأسها المريع

منذ أن استمعت إلى تصريح الرئيس تمام سلام للإعلام منذ قرابة الأسبوعين… داخلني قلق شديد، هذا الرئيس يختلف في تكوينه الشخصي والفكري والسياسي وأسلوبه في التصرف والتعامل عن كثيرين غيره من السياسيين، فهو بعيد عن النهج الشعبوي المعروف والمكشوف.

تصاريحه، على قلتها النسبية، حافلة بالتحفظ والتحسب والحكمة، وهو في طليعة أولئك المسؤولين الذين يداوون الحدث الطارئ السيء بقدر ما يستحقه من معالجة متأنية وحذرة ومستجمعة لشروط العلاج الشافي والوافي. كما يعالجون الأوضاع السيئة العامة المتمادية في وجودها وسوئها واستمراريتها، بروح المسؤول المتمكن الذي أثبت بالممارسة عن وجود طائل وقادر، إن لم يكن في إيجاد الحل القاطع والجذري، فعلى الأقل في تلطيفه وتليينه وإزالة ما أمكنه من الموانع والعقبات والمطبات التي تزرع من حوله.

لقد داخلني القلق، لما سمعته من تعابيره آنذاك والتي يمكن تلخيصها بأن الأحوال بمجملها، على غير ما يرام، وأن الأيام المقبلة، ليست على نقاء ولا صفاء، وقد تجيء على البلاد بما لا يرضي ولا يسر. هذه العبارات العامة التي أوردها الرئيس سلام، كان يمكن لغيره أن يدلي بصددها بكلام آخر، أعلى صوتا وأكثـر حدّة ووقعا، ولكن حرصه على المصلحة العامة، كان له دور كابح، وكانت الترجمة العملية لتلك الكلمات المقلقة، ما حدث بعيدها في أكثر من موقـع وأكثر من ساحة.

يكفي أن نذكر عرسال وما حصل لها ومن حولها من أحداث جسام.

يكفي أن نذكر ذلك الرأس الخرافي المريع الذي أطل على لبنان من خلالها، من التاريخ البعيد المتجرد من كل إنسانية وكل حضارة وكل مدنية، فضلا عن تجرده من أية مسحة تمت بصلة ما إلى الدين الإسلامي الحنيف.

يكفي أن نذكر ردات الفعل المشبوهة التي طاولت الجيش اللبناني وقيادته متهمة إياه بالتقصير وآخذة على تصرفاته تجاه عرسال وأحداثها، ما واجهها به من تصرف حافل بالحكمة والروية والوطنية الحقيقية الواعية، فعامل عرسال وأهلها كقرية تنتمي إلى هذا الوطن المنكوب، وكجزء لا يتجزأ من مواقع أوجاعه وآلامه، وهي اليوم تشكل الجزء الأشد ألما ووجعا، لما يعانيه أبناؤها من أهوال حصلت، ومن أحوال منتظرة، علما بأن جل شبابها منتم إلى الجيش اللبناني ويقوم بدوره الوطني الكامل باذلا كما غيره من الضباط والجنود، حياته ودماءه ومصيره للدفاع عن الوطن، كل الوطن، وعن المواطنين، كل المواطنين، وأكثر ما يؤلم حقا ما سمعناه بعيد أحداث عرسال بالتلميح والتصريح، ما ذكره بعض « الغيارى الوطنيين » عن وجوب التصدي لمحتليها بعنف أشمل وأشد ومن خلال قصفها وهدمها وقتل المزيد من أبنائها، وضمهم إلى أرتال المهجرين.

ولا نريد أن نتطرق إلى ما طغى آنذاك من معلومات قد تكون غير مؤكدة أو مبالغا فيها، لجهة ما قيل عن أن قصفا مدفعيا وصاروخيا طاول عرسال من خلف خطوط ومواقع الجيش اللبناني المباشرة، وهذا أمر يحجم قطاع واسع من اللبنانيين الذين يهمهم صيانة وحدة أبنائه وسلامة أوضاعه وتجنيبه الفتنة التي يشغــل لها ليل نهار، سواء في إطار الوحدة الإسلامية – الإسلامية، أم في مدى الوحدة الوطنية الشاملة، ويكفي أن نذكّر إضافة الى ما ذكر، بذلك الفتى الفتنوي، الغاطس حتى أذنيه مع آخرين بعملية التآمر من خلال مواقع التواصل الإجتماعي، باتجاه النفخ والتفخيخ والضرب بمدافع الإعلام المشبوه على كل موقع يمكن أن يزكي الفتنة ويفخخ للتعايش وللوحدة الوطنية ويحدث الخراب والدمار، ويكفي أن نشير كذلك إلى أولئك الموتورين الذين استغلوا بعضا من الأحداث المستجدة بكل ما تحفل به من شبهة، وكل ما يحوم حولها من علامات استفهام، حيث أحرقوا العلم الذي استولت داعش على شعاراته الإسلامية رغم احتوائه على عبارة تختصر الرمز المؤشر والممثل للدين الإسلامي الحنيف بكل جلاله وقداسته، ليقوم أحد نواب التيار الوطني الحر بالدفاع عن هذا التصرف المشين على شاشة التلفزيون، مستثمرا حساسيات دينية ما زالت معظم الجهات السياسية المقابلة التي يهمها سلامة الوضع اللبناني، تجهد كل الجهد لطمس وجودها وإطفاء لهبها وإزالة الآثار المصطنعة والغايات المشبوهة التي يمكن أن تخلّفها، ذاكرين في هذا الصدد أن هذا النائب الجهبذ الذي يزعم أنه بجمهوره وقياداته مؤيد للجيش اللبناني ويجهد في اتهام الآخرين، بمعاداة هذا الجيش والسعي إلى إيذاء أوضاعه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، حتى إذا ما تعارض هذا الوضع مع مواقف وأهداف التيار ورعاته وحماته، ومع مطامح زعامته إلى بلوغ رأس السلطة بأية وسيلة من الوسائل، المشروعة منها وغير المشروعة، الإنقلابية منهـا والمنتهجة لبعض الحيل الدستورية الملتوية، إنقلبت الآية لهذه الأسباب جميعا، ولكون قائد الجيش أحد المرشحين الجديين للرئاسة، المنافسين «للزعيم الأوحد»، فيجيء الرد بهذه المواقف المعادية له ولمنهجية الجيش وهذه الإتهامات المفبركة والمتحفزة للإيـذاء الكامل والشامل بما يمكن أن يلغي حظوظ هذا المنافس من الجذور.

وما من فعل سيئ إلاّ ويجيؤه فورا رد فعل أسوأ منه، من خلال ما قام به بعض الجهلـة والمأجـورين والمندفعين بغرائز مستثارة، حيث زعم عن تصرفات لهم مشابهة لعملية التنكيل بالرموز الإسلامية، فأقدموا، كردة فعل مؤسفة، على الإساءة لبعض الرموز المسيحية، كل ذلك، في حال صحته، يمثل اختلاقا مستكملا ومستحضرا لتعميم الفتنة حيثما أمكنة من أمكنه ومواقع هذا البلد الصغير بحجمه، الكبير بل الضخم بمشاكله وبما يحدق به من أخطار مصيرية عاصفة وصاعقة.

وعلى ما يبدو… هناك فريق واحد موحد ومتكاتف ومتعاون ومصمم على الوقوف في وجه الفتنة. يكفي أن نستمع إلى الكلمات التي ألقيت في لقاء سيدة الجبل الحاصل في منطقة الأشرافية بكل ما تمثل على الصعيد الشعبي والإنتمائي، حيث استمعنا إلى كلمات بات الوطن متلهفا إلى أمثالها وإلى عمق مضامينها، أقل ما يقال فيها وفي أصدائها التي ما زالت تعبق بها أجواء هذا الوطن المنكوب إنها عاقلة، راشدة، وطنية بامتياز، توحيدية بعمق، رافضة للفتنة بكل أشكالها وألوانها بحزم قاطع، وإلى أولئك الذين ألحقوا بكل الوقائع السيئة نغمة الأمن الذاتي، نقول لهم: إنها نغمة غشاشة، سريعا ما استندت إلى سلسلة من الأنغام الناشزة المتفاقمة والمتعاظمة، إلى حدود الإنفجار الكبير الذي قد يطيح بالوطن كله، وفي طليعة من قد يطاح بهم، قارعو طبول الخراب والدمار هؤلاء. ألم تكفهم سنوات الإقتتال التي خرج منها الجميع خاسرين خائبين وفي طليعتهم من يحملون اليوم رايات التجييش الميليشيوي والأمن الذاتي وحمل السلاح «دفاعا عن النفس» ويسيرون بها على مواقع عشرات الألوف من الشهداء المظلومين المغشوشين الذين قضوا في فترة ظالمـة وظلماء من حياة وتاريخ هذا الوطن المثقل بأحمال وذكريات التعاسة والتعساء، بعد أن رفعوا شعارات مماثلة، ورفعوا السلاح وقاتلوا به بعيدا عن احتضان الدولة وقيادتها لكل المواجهات والمجابهات سواء أقبلت إلينا من الداخل أم من الخارج