IMLebanon

آمال واهية على تأييد أميركي لرئيس قوي

لم يلعَب السفير الأميركي في بيروت ديفيد هيل أيّ دور استثنائي في التعاطي مع الملفّ الرئاسي. يروي أحد الأقطاب السياسيّين نماذجَ عن لقاءات متكرّرة معه، اقتصرَت على تسجيل ما يسمع، وإرسال التقارير إلى إدارته من دون الإفصاح عن أيّ مبادرة أميركية لتجنّب الفراغ.

الولايات المتحدة لم تعُد كما كانت، وإدارة الرئيس باراك أوباما تلتفت إلى المنطقة ومشاكلها من زاوية عدم التدخّل إلّا عندما تقتضي المصلحة الأميركية العليا ذلك، وهذا العامل ليس متوافراً في الملف اللبناني. يقول هذا القطب السياسي كثيراً عن السياسة الأميركية. ينتقد إدارة أوباما بحِدّة وبعبارات جارحة. يجزم بأنّ الملف اللبناني متروك كلّياً، إلى درجة أنّ قوى «8 آذار» تتصرَّف بحرّية تامّة في التعطيل الذي أدّى إلى الفراغ.

يدعو القطب السياسي إلى تحليل كلام السفير الاميركي السابق في دمشق، الذي عجِز عن الاستمرار في تغطية سياسة بلاده الصامتة على ما تشهده سوريا منذ ثلاثة أعوام. هذا الكلام أتى في رأي القطب ليؤكّد المؤكّد.

إدارة أوباما تريد تطبيق مبدأ عدم التدخّل في شكل صارم، حتى لو أدّى ذلك الى تهديد مصالحها وحلفائها في المنطقة. يقول القطب: كنّا نستقبل السفير الاميركي منذ أشهر ونستطلع إمكان وجود مبادرة حقيقية تجاه لبنان، وفيما كنّا نجهد لتلمّس ما يريده الأميركيّون، اندَلعَت الأزمة الأوكرانية، فإذا بنا نبتعد أكثر فأكثر عن اهتمامات الإدارة الأميركية، التي أدارت الأزمة عن بُعد في الملف السوري، ولا تلتفت الى ملفٍّ اسمُه لبنان على طاولتها.

لم يُفاجَأ القطب السياسي بنتائج زيارة وزير الخارجية جون كيري إلى لبنان. العنوان واضح. حفظ الاستقرار بكلّ وجوهه، وحفظ المؤسسات التي تؤمّن هذا الاستقرار، ولا حال طوارئ لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، الذي لا يعني بالنسبة إلى الأميركيين إلّا وسيلة لضمان الاستقرار، وهذا الأمر يُترجَم بحفظ شبكة الأمان القائمة وعدم تعريضها للخطر، أي دعم استمرار الحكومة، ودعم النظام المصرفي والمؤسّسة العسكرية، وهذا كلّه أهمّ من الفراغ الرئاسي الذي يفترض باللبنانيين وحدَهم العمل على تأمينه، من دون طلب مساعدة الخارج، ومن دون تحويل هذا الفراغ مشكلةً دستورية تُهدّد الاستقرار.

وبخلاف ذلك، لا تعدو التحليلات التي رافقت الزيارة وتلَتها، سوى أوهام تقليدية اعتاد اللبنانيون لصقَها بكلّ زيارة لمسؤول كبير في محطة مفصلية. ومن أبرز هذه الأوهام ما سُرِّب أو تُرجِم عن مواقف كيري في خصوص «حزب الله»، والتي صُوِّرت على أنّها شبهُ مباركة واعتراف بدوره في سوريا، بحيث بدا لدى بعض من ضخَّم هذه المواقف أنّ كيري شطب الحزب عن لائحة الإرهاب من السراي الحكومي في بيروت.

ومن الأوهام ما ذهبَ البعض إلى تسويقه عن تأييد الأميركيين مبدأ الرئيس القوي (بما يعني تأييد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً). كلّ ذلك فيما حصَر كيري أهداف زيارته بملف النازحين السوريّين، مشدّداً على دعم الحكومة، ومتجاهلاً عمَلياً الفراغ الرئاسي بسلسلة مواقف من الانتخابات لم تتعدَّ الإعلان عن مواقف لفظية مبدئية، ولا تخرج عن سياق التعابير الديبلوماسية المطاطة.

هذا اللااهتمام بالفراغ لم يُترجَم إلّا على شكل لقاء بروتوكولي مع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي كاد يخلو من الرمزية ومن إشارات التطمين، التي انتظر المسيحيّون أن تحملها زيارة كيري بلا طائل. وفي سياق تفسير المفسّر، يستعدّ هيل لجولة على بعض المسؤولين والأحزاب الأسبوع المقبل، لشرح أهداف الزيارة، وقطع الطريق على بعض المبالغات في التفسير التي أعقبَتها، والتي كادت أن ترسم للولايات المتحدة سياسة خارجية لم تُقرّرها، خصوصاً لجهة تدخّل «حزب الله» في سوريا، وفي التعاطي مع الملف اللبناني بحيث سيستمرّ الأميركيون في التفرّج على ما يحصل من بعيد.