IMLebanon

أمراء الخليج وأثرياؤه لن يعودوا

 

في غضون شهرين تقريبا، انقلب المشهد في لبنان رأسا على عقب. تبخرّت حرب طرابلس التي استمرت سنوات، انتهت أزمة عرسال التي كان يجري الحديث عن احتمال حصول مجزرة فيها، طُويت صفحة الخطف، وقُضي على عدد كبير من العصابات «المُعمّرة». أُنجزت التعيينات الادارية كافة العالقة منذ سنوات أيضاً، واقترب موعد عودة السياح الخليجيين هذا الصيف. انه سحر كلمة السر عندما تهبط من «السماء».

ما يجري من تطورات ايجابية متسارعة، لا يمكن تجييره الى انجازات تقوم بها حكومة الرئيس تمام سلام، وقد عجزت عنها الحكومات السابقة. في الواقع، كان تشكيل الحكومة بالشكل الذي تمّ فيه، والتوازنات السياسية التي جرى تأمينها، بعد حكومة اللون الواحد، وانتظار 11 شهرا من تصريف الاعمال، مؤشرا على حصول اتفاق دولي – اقليمي في شان الوضع اللبناني. ومنذ ذلك الحين كرّت سبحة الانجازات وانتقل الوضع برمته، على المستويات الأمنية والسياسية والحكومية من مشهد سوداوي بلا أفق، الى مرحلة استقرار أحيت الآمال بالمستقبل.

هذه الايجابية على المستويين الأمني والسياسي، ينبغي أن تؤدي حكماً الى انتعاش اقتصادي، ما دام الاقتصاديون أنفسهم يرددون دائماً، أعطونا الأمن، وخفّفوا المهاترات السياسية، وخذوا منا اقتصاداً مزدهراً. فهل أصبحنا اليوم على ابواب مرحلة اقتصادية جديدة، سوف تبدأ تباشيرها بالظهور مطلع هذا الصيف من خلال عودة السياح الخليجيين الى لبنان بعد إنقطاع حوالي الثلاث سنوات؟

على رغم كل التصريحات الرسمية، ومنها ما أعلنه في مناسبات متفرقة كل من وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير السياحة ميشال فرعون، حول اقتراب موعد رفع الحظر الخليجي عن مجيء الرعايا الخليجيين الى لبنان، الا أن هذا الموضوع يبدو ملتبساً، وقد لا يكون بالسهولة التي يتوقعها البعض.

وفي هذا السياق، لا يبدو أن الأمر يرتبط باصدار قرار رفع الحظر عن سفر الرعايا الخليجيين الى لبنان، بقدر ارتباطه بالترجمة الفعلية للقرار. وعلى رغم القناعة السائدة، بأن الخليجيين عموما، يتوقون للعودة الى الربوع اللبنانية، الا أن ذلك قد لا يكون وشيكاً، إلا جزئياً. ويبدو من خلال المعلومات والمعطيات أن قرار رفع الحظر قد يصدر فعلاً، الا انه لن يكون كافياً، لأن الحكومات الخليجية، سيما منها المملكة العربية السعودية، لن تشجع الامراء تحديداً على المجيء الى لبنان، انطلاقاً من تداعيات الأزمة السورية. وفي هذا السياق، تدرك الحكومات الخليجية مدى دقة هذا الملف، وحساسية وجود امراء او شيوخ ارتبطت اسماؤهم، بطريقة أو باخرى، في دعم المعارضة السورية، في بلد يقع عملياً في قلب الصراع السوري، وتوجد فيه فصائل مسلحة تقاتل في سوريا، ولها نفوذ استثنائي في داخل الاجهزة الأمنية الرسمية المخابراتية، وفي كل المفاصل الأمنية في البلد. من هنا، يبدو أن قرار رفع الحظر قد يُعلن رسميا، لكن، سوف يتم توجيه النصح الى الامراء والشيوخ بعدم القدوم الى لبنان. وعندما يمتنع هؤلاء عن زيارة لبنان، فهذا يعني ان شريحة واسعة من الخليجيين الذين يندرجون في خانة «التبعية» للامراء والشيوخ، لن يزوروا لبنان أيضا. وهذا يشمل في الاجمال القسم الاكبر من الاثرياء في الخليج. وفي الاساس، ومن دون وجود توجيهات معينة، فان وجود الامراء والشيوخ، وهذه الطبقة الاساسية في بلد ما بهدف السياحة، يشكل حافزاً لشريحة واسعة من الخليجيين للتواجد في البلد نفسه. والعكس صحيح.

الى ذلك، ومن خلال المؤشرات، لا يبدو ان قرارا خليجيا بالعودة الكاملة الى لبنان قد اتخذ بعد، بدليل ما جرى في «الاسبوع اللبناني في جدة» الشهر الماضي. ورغم المجهود الاستثنائي الذي بذله رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير لانجاح هذا المشروع الذي كان يُفترض ان يُشكّل لُبنة في مساعي إعادة السعوديين الى لبنان، إلا أن ذلك لم يتحقق بالقدر الذي كان يأمله اللبنانيون. وقد حظي المعرض اللبناني بحضور شعبي جيد، لكنه لم يشهد حضورا من قبل رجال الاعمال والمستثمرين السعوديين الذين كان العارضون اللبنانيون يعولون على مجيئهم لبحث التعاون واقامة المشاريع الاستثمارية المشتركة. وهذا الوضع ايضا يشكل مؤشرا على عدم اقتراب موعد العودة الكاملة الى لبنان.

العودة الخليجية الجزئية الممكنة هذا الصيف، سوف تكون مقتصرة على الطبقات الخليجية الشعبية الفقيرة وفق المقياس الخليجي. وهذا يعني ان قدرات هؤلاء على الانفاق محدودة نسبيا، ولن يعطي قدومهم المحتمل، الزخم الذي كان يعطيه التواجد الخليجي المكتمل في لبنان. بالاضافة الى ذلك، ومن سؤ طالع اللبنانيين، ان هذه العودة الخليجية المبتورة، وفي حال حصولها، تأتي بالتزامن مع انتشار مرض الكورونا في الخليج. وهو وباء مرعب، دفع اللبنانيين العاملين هناك الى التفكير في المغادرة، او في قطع السنة الدراسية لأولادهم وإعادتهم الى لبنان قبل الصيف، خوفا من انتشار الوباء اكثر. ومع تسجيل الاصابات المتتالية بهذا المرض، وتسجيل المزيد من حالات الوفاة بالوباء، لا يبدو أن العودة الخليجية الى الربوع اللبنانية هذا الصيف، ستكون بمثابة تحقيق إنجاز ينتظره اللبنانيون والاقتصاد الوطني منذ سنوات.