IMLebanon

أهل الديرة والعشيرة أوْلى بالمعروف

بلغت الحملة الإعلاميّة في الغرب الأميركي والأوروبي ضدّ الإرهاب «الداعشي» مرحلة متقدّمة بمشاركة مسؤولين، وفعاليات سياسية، ودوائر قرار، يتخلّلها عرض لأفكار وطروحات حول سبل المواجهة.

ورسّخت هذه الحملة إنطباعاً مفاده بأنّ التحالف الدولي قد أصبح حتميّة قائمة، وأنه يعدّ جيشاً جرّاراً للزحف وتطهير الأرض من «داعش» وفلوله، إلاّ أنّ الأفكار المتداوَلة متواضعة جدّا، وتنطلق من مجموعة من الثوابت، أبرزها أنّ الغرب لا يريد القتال نيابة عن الآخرين أيّا كان وزنهم وحجمهم في معادلة مصالحه، وأنّ الولايات المتحدة إتخذت منذ سنوات قراراً إستراتيجيّاً واضحاً، يقضي بسحب جيوشها من رياح الأرض الأربع، وإعتماد إستراتيجيات جديدة للدفاع عن مصالحها، وعدم إرسال أيّ جندي، لأيّ مكان، دفاعاً عن الآخرين، وأنّ المستجدات الطارئة تستدعي دراسات معمّقة قبل تحديد سبل المواجهة وأبعادها وكلفتها. يسري ذلك أيضاً على الإتحاد الأوروبي تماشياً مع سياسة عصر النفقات، إلاّ إذا إقتضت الضرورات القصوى تدخلاً محدوداً وسريعاً.

ولم تنتظر الولايات المتحدة قراراً من مجلس الأمن، عندما أصبحت مصالحها عرضة للخطر «الداعشي» في أربيل، وإقليم كردستان، بل تدخّلت فوراً، وأمرت طائراتها بقصف «الداعشييّن»، وأعطت الضوء الأخضر لتسليح جنود البشمركة، فتدفق السلاح النوعي من 13 دولة، وفي غضون أيام، وتسابق الخبراء لتدريب البشمركييّن على إستخدامه، في حين إنّ الجيش اللبناني الذي وُعِدَ كثيراً، بقي الوعد في حدود الكلام.

وتتحكّم التطوّرات المتسارعة في سوريا والعراق بالقرارات التي يُفترض أن يتخذها المجتمع الدولي، بعدما أصبحت ظاهرة تقطيع الرؤوس من سمات المرحلة، إلّا أنّ التعاطي العملاني على الأرض يقتصر حتى الآن على تسليح العشائر، وإعادة تأهيل الجيش العراقي بعد الإمساك بمفاصله الرئيسيّة، وأيضاً الميليشيات على أنواعها، شرط أن تكون صادقة التوجّهات في محاربة التنظيمات الإرهابيّة.

بمعنى آخر أنّ الإدارة الأميركيّة، ومعها الإتحاد الأوروبي، والمجتمع الدولي يريدون الإقتصاص من «داعش» بواسطة «أهل الديرة والعشيرة والجيرة»، ويضعون الأقليات في وجه الأكثريات، والأكثريات في وجه التنظيمات.

وفي إنتظار أن يفرز المجتمع الدولي جديداً مختلفاً للتعاطي مع آفة الإرهاب، يتحسّس لبنان رأسه، فلا يملك وسيلة سوى الجيش للزود عن الأرض والعرض والكرامات والممتلكات، وهذا في حاجة الى سلاح نوعي متطوّر تقتضيه طبيعة المواجهة، وظروفها، لم يصل بعد. وفي حاجة الى دعم معنوي وإلتفاف وطني شامل لم يتأمّن بعد، في ظل حفلة التكاذب والمهاترات المتداوَلة، حيث للبعض حسابات مختلفة عن حسابات البعض الآخر، من منطلق أنّ الأنانيّة، والمصالح الشخصيّة، هي الطاغية.

ويواجه الجيش عملية إبتزاز مكشوفة فرضتها الوسائل المتبّعة لمعالجة قضية الأسرى. لقد إنصاع الى الإرادة السياسيّة العليا المتمثّلة بمجلس الوزراء، وهذا الأخير قال بالشيء وضدّه، بمعنى أنه إرتضى التفاوض، ورفض المقايضة، وفي هذا تكاذب وإستخفاف بعقول الناس، لأنّ قاعدة التفاوض هي التنازل للوصول الى تسوية، والتسوية هي نوع من أنواع المقايضة قد تتحسّن شروطها، او تتعثر، فهذا يعود الى قدرة المفاوض، لكن ما هو واضح أنّ الخلافات عميقة بين مكوّنات مجلس الوزراء، وكلّ له رأيه وإجتهاده، وهذا ما يؤثر معنويّاً في دور الجيش والمسؤوليات الملقاة على كاهله في هذه المرحلة المصيريّة الدقيقة.

وترتسم في الأفق أكثر من علامة إستفهام حول المستقبل والمصير إذا ما تخلّف المجتمع الدولي عن القيام بعملية بتر سريعة لإستئصال الإرهاب «الداعشي»، لأنّ البديل حروب أهلية طاحنة تعبث بالتاريخ والجغرافيا معاً. أما لبنان الذي يقف في عين العاصفة، عليه، في ظلّ غياب الضمانات الدوليّة، أن يعرف كيف يخرج منها بأقل الخسائر، إذ لا ضمان له سوى الحوار والتفاهم حول سبل المواجهة لإنقاذ الوطن من الضياع؟!