IMLebanon

أوباما… ومسرحيات الضحك على الذقون  

  لم يعد أحد يحمّل نفسه عناء « الزعل « من الأميركيين، وإظهار علامات الإستنكار والرفض لسياساتهم الغريبة العجيبة، بل والمريبة.

فأوباما، ومنذ أن تدرج في ولايتيه الأولى والثانية أثبت عن ثقوب في أهليته السياسية، خلقت له وللولايات المتحدة أرتالا من الكوابح والعوائق والمآخذ.

ومنذ أن جاء للرئاسة وجاءت معه بعض الإحتمالات التي بعثت بشيء من الأمل والترقب الإيجابي لسياسة نظيفة محتملة ينقلها هذا الأميركي ذو الجذور الإفريقية والإسلامية، إلى دنيا الواقع الأميركي الملوث بشتى أنواع الجراثيم والمصالح المشبوهة والممارسات المصلحية المبالغة في تعلقها بالمكاسب المادية، نفطا ونقدا وأسواقا وتجارة أسلحة واستيلاء متجلببا بشرعية فرضت على شعوب هذه المنطقة بالغصب والقوة والتآمر.

  ومنذ أن تسلم الرئاسة، أثبتت الأيام أنه قد أشبع شعبه وحلفاءه وغمر الداخل الأميركي وخارجه بنظريات تراجعية وانكفاءات لم تزد الولايات المتحدة إلا انعزالا واضطرابا وخلخلة في بنية الدولة الأعظم في العالم، بحيث بات أوباما ومن خلاله، باتت الولايات المتحدة، رمزا للتردد والتخوف والتفسير السياسي والإستراتيجي الخاطئ، فجاءت سياسته بالإجمال، مبنية على أخطاء متتالية لم تؤد في الحصيلة الظـاهرة أية خدمة واضحة ومؤكدة لمصالح الولايات المتحدة التكتيكية والإستراتيجية، بل على العكس، أصبحت صورة الولايات المتحدة تمثالا جامدا جليدي الطابع والطبيعة، يحتاج الى الكثير من الجهد التغييري لإعادة الروح والحركة الطبيعية إليه.

في سوريا… الولايات المتحدة المترددة والمتراجعة والمتخوفة والتي تهتز أمامها الرؤية والوضوح والتصميم الحازم والثابت، أدت سياستها إلى كل هذه الكوارث التي انطلقت مسائل عادية، يمكن حلها بحد أدنى من الجهد والكلفة، فأدى تمنعها عن اتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب وعلى مدى تجاوز الثلاثة أعوام، إلى كل هذا الدمار والخراب الهائل الذي طاول هذا البلد المعاني من شتى صنوف الأعمال الديكتاتورية بأوجهها الإجرامية كافة، وقد طالبت الولايات المتحدة النظام السوري منذ انطلاقة الثورة العربية – السورية بإجراء بعض الإصلاحات والتطويرات في منهجه المفرط في انغلاقه وديكتاتوريته، وأكتفت بذلك، دون أن تلتفـت إلى لجوء هذا النظام إلى سياسة القتل والتدمير التي انتهجها منذ البداية، فبلغ عدد القتلى في الأشهر الأولى من انطلاق الثورة إلى ما يناهز الثمانية آلاف شهيد.

أوباما حل مشكلته مع السلاح الكيماوي وحل بعضا من الهم الإسرائيلي بصدده وتوقف… وكفى الله الاميركيين شر الحركة والقتال.

وسريعا ما انكشف هذا النظام بما لجأ إليه من جرائم ضد الإنسانية واستعمال الأسلحة الجرثومية والكيماوية وابتداعـه لسلاح البراميل المدمـرة والقاتلة، فاكتفت الولايات المتحدة بمواجهة هذا الأمر بالتهويل باستعمال القوة، وأقصى ما وصلت إليه في هذا النطاق هو إجبارها للنظام السوري على تسليم أسلحته الكيماوية دونما أي التفاته إلى هول المأساة السورية واستمرارها في إطار من القمع الأسطوري الذي لم يعرف التاريخ الحديث له مثيلا، وكانت الولايات المتحدة طيلة هـذه السنوات تضحك على ذقون العرب وعلى السوريين منهم خاصة، حتى وصل بها الأمر منذ أيام إلى أن نفضت أياديها من كل الوضع السوري حيث أعلن أوباما، لا فض فوه، أن الثورة السورية بعناصرها المعتدلة غير قادرة على أن تطيح بنظام الأسد، كائنا ما كانت الإمكانات التي قد تعطى لها. وطيلة السنوات التي استمر بها الضحك على الذقون، كان هناك من حذّر من كوارث متوقعة لعل في طليعتها بروز الحركات الإسلامية التكفيرية، بما فيها، ما أسمي لاحقا بداعش. وهناك من قرع أجراس الخطر الشديد الناشئ عن تطور وتصاعد تلك القوى طالما أن الولايات المتحدة قد امتنعت ومنعت غيرها من إمداد الجيش السوري الحر بما يحتاجه من أسلحة تمكنه من درء ضغوط وأعمال القمع الوحشي التي مارستها ما اسمي بالقوى الممانعة عليه وعلى وجوده ومصيره، واكتفت تجاه ما ظهرت به بان زودت بعض الثوار بأسلحة غير مؤذية !! وبعض المساعدات الإنسانية التي لم تعد تسمن ولا تغني عن جوع ومعاناة.

وها هي السياسة الأميركية المتربعة على عرش التراجع والأخطاء الفادحة تمعن في سلبياتها، وها هو الوضع العراقي (ومعه الوضعان السوري وربما اللبناني أيضا) ينفجر على هذا النحو المدوي، فاجتاحت ما اسمي بداعش الجيش العراقي في المناطق السنية التي أحجمت الولايات المتحدة عن الإعتراف بحقيقة المأساة العراقية وبكونها ناتجة عن كل ذلك الظلـم والتعسف والإضطهاد الذي ألحقه المالكي وخلفياته الإيرانية بأبناء العراق وعشائرها السنية، بل وبأبناء العراق عموما سنة وشيعة واكرادا، فإذا بنا أمام ديكتاتور آخر مماثل في مدى ديكتاتوريته لصدام حسين مع علة إضافية تطاول شخصه وتوجهاته وممارساته وهو جنوحه الكاسح نحو التعصب المذهبي بدليل انه لخص أحداث العراق بأنها مواجهة ما بين أنصار يزيد وأنصار الحسين !، دون أن يفهم من إشكالات العراق كلها إلا هذا الجانب المذهبي المتعصب الذي لم يشاركه فيه بقية أركان الشعب العراقي وفي طليعتهم زعماء الشيعة الأساسيين وفي طليعتهم السيستاني ومقتدى الصدر وسواهما من القادة التي طواهم المالكي في إطار التعامل الطاغي والسيىء.

ونصل في تداولنا للأحداث إلى لبنان، إلى الإنحراف الإرهابي الذي جرتنا إليه ممارسات حزب الله وفي طليعتها انغماسه في الحرب السورية وربما بعد التي أدخلت لبنان واللبنانيين، في معمعة الحروب القائمة والتي تحرك معظم خيوطها، أصابع المخابرات الإيرانية العابثة، والتعليقات الفارسية والصفوية.

ونصل في تداولنا للأحداث إلى مستجدات الأعمال التفجيرية سواء بالسيارات المفخخة التي عادت تطاول الناس عشوائيا لتضع كل مكتسبات التحسن الأمني الذي سبق حصوله في مهب الرياح العاتية، كما تصل إلى التفجيرات القائمة في إطار الكيانات المذهبية وفي طليعتها ما يحصل في دار الفتوى من أعمال تؤدي إلى تهديم الكيان الإسلامي السني واختلاق روح تطاول سلامته ووحدته بما ينسجم مع التطورات الدراماتيكية الحاصلة في بلدان الجوار.

ولننبه مجددا الى أن ما يحصل ليس بالبراءة التي يحاول البعض إظهاره عليها. هناك مـع الأسف تخطيط وتوظيـف وتآمر وتوريط بحيث تجيء الأحداث المتفاقمة حيثما كان من هذه المنطقة مترابطة بخيوط واحدة، من لا يصدق فليستمع إلى الشعارات التخريبية التي تطلق في كل ميدان، صغيرا كان أم كبيرا متفجرة بالتفخيخ وبالتأليب وبصـب الزيت على النار. إنها الفتنة، وقد انطلقت من عقالاتها، لعن الله من أطلقها.