IMLebanon

أيّ رئيس للبنان إذا انهارت خارطة سايكس – بيكو؟!

من نينوى إلى بحر الشام لبنان في قلب التحوّلات

أيّ رئيس للبنان إذا انهارت خارطة سايكس – بيكو؟!

لا غرو في أن الشرق العربي، يتشكّل على نحو جديد، بعد تشكّلات سايكس – بيكو الشهيرة، التي ترتّب عليها ولادة دول كالعراق، والأردن وسوريا ولبنان، بما في ذلك فلسطين، التي صارت بين ليلة وضحاها إسرائيل، ولا همّ بعد ذلك، إن كانت الكبرى أو الصغرى.

وكما أن خارطة سايكس – بيكو تشكّلت على وقع الحرب العُظمى، أيّ بالحديد والنار، بين المستعمرين الأوروبيين، وبتسخير القوى العربية والإقليمية، بما في ذلك إمبراطورية «الرجل المريض»، فكذلك مرحلة ما بعد سايكس – بيكو تتشكّل قوة الحديد والنار، والحروب الأهلية العربية والإسلامية، تارة تحت مسمّى «الربيع العربي»، وطوراً تحت مسمّى الحقوق العائدة للأقليات والأتنيات الكثيرة في هذه المنطقة، وبأسلحة الطوائف والجماعات الدينية.

إنها «الحرب الدينية» أو الحروب الدينية الإسلامية، تُعيد بناء حدود الجماعات، على نحو ما حدث في أوروبا المسيحية، بين الكاثوليك، الذين توزّعوا في فرنسا وإيطاليا وألمانيا، والبروتستانت، الذين أبرموا تفاهمات طويلة المدى، مع اليهود، وتوزّعوا بين الدول الإسكندنافية والبلدان الواطئة، وصولاً إلى إنكلترا، عبوراً إلى الولايات المتحدة الأميركية.

من هذه الزاوية بالذات، يمكن للسياسي العربي أو اللبناني أو السوري والإردني، حتى العراقي مواصلة التدقيق في الأحداث اليومية التي تعصف بهذه البلدان، تارة باسم الإضطهاد، أو استعادة الحقوق، أو بناء استراتيجيات لتوازن الجماعات والمصالح، في إطار خرائط الإقتصاد، ونمو الأحجام وانخفاضها، في لعبة السيطرة على الموارد الأولية والأسواق، مرة أخرى، ولو عبر الطرائق الإلكترونية وعالم التكنولوجيا، الذي يُساعد في تسهيل بناء الخطط، ورسم معالمها بدقّة..

إن انفصال محافظة نينوى في الشمال العراقي عن السلطة المركزية، التي يمثّلها نوري المالكي رئيس الحكومة، المتحالف مع طهران، بصرف النظر عن الوسائل المستخدمة في العملية، وسواء أكانت بتواطؤ بين الفصائل المسلّحة من بعثيين إلى إسلاميين، أو بغلبة فئة من الفئات الأخرى، لا يمكن فصله عن المسار التحوُّلي الحاصل في الشرق العربي، وعموم الشرق الأوسط..

في الحسابات الدولية الأولى، لا يمكن السماح لإيران بتحقيق سلّة متكاملة من المكاسب من بلاد ما بين النهرين الي بلاد الشام، من الصحراء السورية، إلى بحر الشام الممتد من ساحل اللاذقية إلى رأس الناقورة جنوب غرب مدينة صور.

إن السماح بمكاسب لإيران على جبهة النووي، فضلاً عن السماح لنظام الأسد بالبقاء بعد ترتيبات نقل الأسلحة الكيماوية في نهاية آب الماضي، لا يمكن أن يعبَّر عنه بمكاسب على الأرض من صنعاء اليمنية إلى بغداد العراقية، إلى دمشق السورية، وصولاً إلى بيروت، وضاحيتها الجنوبية الواقعة من جبل الباروك إلى حدود البحر الأبيض المتوسط غرباً وجنوباً من الرملة البيضاء إلى ما بعد خلدة والدامور..

وتعبّر المواقف الدولية والعربية، من إدارة أوباما إلى دول الغرب الأوروبي عن تأييد ضمني للانقلاب الذي حصل في المدن العربية السنّية من الموصل إلى كركوك باتجاه سامراء وبغداد.. والغمز من قناة المالكي، الذي يطمح إلى ولاية ثالثة في رئاسة الحكومة بأن ما حصل يتحمّل هو شخصياً مسؤوليته، لجهة الفساد، والأداء السيّئ، وغير المتوازن، والسعي إلى التهميش على غرار ما كان يفعل صدّام حسين طوال سنوات حكمه حتى الغزو الأميركي للعراق والإطاحة به بقوة الحديد والنار.

الرسالة واضحة، لا وحدة لأقطار الشرق العربي، ضمن هيمنة إيرانية على المقدّرات سواء داخل السلطة أو خارجها، بما في ذلك نطاق المصالح والثروات، والممرّات المائية والبحرية، والأوراق المستخدمة في عملية «عضّ الأصابع» بين نهوض سياسي – ديني تتزعّمه إيران بقيادة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومحاولات للحفاظ على حدّ أدنى من النفوذ للفرقاء الآخرين، ضمن لعبة التجاذب والتقارب والتحالفات التقليدية التاريخية بين الغرب وعواصم الشرق العربي بقياداتها المعروفة وأنظمة الحكم القائمة فيها..

وضع المالكي في الزاوية هو رسالة إلى الإيراني على نطاق واسع، بأن حدود اللعبة لا يمكن أن تتجاوز المسموح.

وفي المعطيات أن نجاح بشّار الأسد في إعادة ترتيب الوقائع الميدانية والسياسية في سوريا لمصلحة إعادة انتخابه لسبع سنوات جديدة، تعني إقرار المجتمع الدولي الرسمي بأن ما حصل في سوريا لا يمكن تجاهله، وأن الردّ يتعيّن أن يتجاوز الحدود السورية على الأرض، إلى ضرب في الاستراتيجية، يهدّد في ما يهدّد الوضع السوري..

والسؤال ماذا عن لبنان؟ ثمّة رأيان: الأول يقول أن ما جرى في نينوى قد يُسرِّع، ويجب أن يُسرِّع التفاهم على رئيس للجمهورية وإنهاء التجاذبات حول الصلاحيات والميثاق وما شاكل.. والثاني يستبعد الإسراع، ويتخوّف من التعقيدات، مع الضربات المتبادلة بين اللاعبين على حافة انهيار عصر سايكس – بيكو، والسعي إلى تقاسم جديد للنفوذ في هذه المنطقة، لا يُسقط التاريخ من حسابه، ولا يتجاهل الجغرافيا النفطية والمائية والسياحية.

ومن المؤكد أن لبنان هو جزء من التنافس.. وهذا ما يعنيه التزاحم المُعيق للانتخاب بين ميشال عون وسمير جعجع، على أرض البرلمان وسائر المؤسسات الأخرى؟!