IMLebanon

إعادة التوازن وحزب الله لم يعد اللاعب المقرِّر؟!

من لغز السؤال إلى نتائج معركة عرسال

إعادة التوازن وحزب الله لم يعد اللاعب المقرِّر؟!

ثمّة لغز آخذ في التشكل والثبات: لماذا ترتبط مكاسب الجيش السوري ميدانياً بمشاركة حزب الله؟ وكيف يتناهى الى الرأي العام أن الحزب كان طرفاً في هذه المعركة أو تلك، وفي هذه المحافظة السورية، أو تلك؟

 الجواب، ببساطة، ليس بكسب القتال، أو إلحاق خسائر بـ «العدو» (لأن الحرب تقع بين أعداء وليس بين أصدقاء)، بل بالخسائر البشرية التي يتكبّدها الحزب، ويأخذ أحياناً بعض الوقت للكشف عن «شهداء الواجب الجهادي»، بعد أن تكون أمهات أولئك قد أخذن علماً، و،استعددن لتوزيع الحلوى، وتقبّل التبريكات، وغالباً ما يرتدين الثياب السوداء، قبل «الإستشهاد»، ولن ينزوين بثياب الحداد (بالإذن من المطرب الثوري مارسيل خليفة).

مناسبة هذا الكلام ما يتردّد عن خسائر مُني بها حزب الله في «الفليطة» في جرود القلمون، أو الخسائر التي شاع خبرها بعد معركة المليحة في الغوطة الدمشقية، دفاعاً عن دمشق، عاصمة الجمهورية العربية السورية (سؤال: هل يمكن القول سابقاً) أو عاصمة النظام، والمقصود نظام الرئيس بشار الأسد، أو ما يتردّد عن أن أرض القلمون، من جرود وجبال، أضحت أرض استنزاف للحزب، وليس للنظام السوري، الذي يعتبر الأولوية تتعلق ليس بالمعارك خارج المدن، بل في منع مقاتلي المعارضة سواء أكانوا من الليبراليين أو الإسلاميين، أو المتشدّدين، من تحقيق مكاسب في المدن الكبرى أو تسجيل اختراق جدّي، على أرض المعركة، تسمح بالتأسيس لقيام نظام بديل.

وخلافاً لما كان متوقعا، فإن معارك حزب الله في سوريا تجاوزت المهلة الزمنية، التي كان يجري الحديث عنها، قبل الدخول، وكان تقتضي بعدم البقاء وقتاً يتجاوز «بضعة أشهر»، آخذاً بالإعتبار ما كان يردّده أركان النظام بأن «المسألة أشهر قليلة»، وينتهي كل شيء لمصلحة النظام، بحزبه ومقاتليه، وأجهزته، وبطانته، وفريق عمله، في المؤسسات العسكرية أو المدنية.

يجب الإعتراف، برأي قريبين، أن معارك القلمون، غيّرت، في مراحلها الأولى سير الموقف الميداني لمصلحة «حزب الله» وشريكه نظام الرئيس الأسد، لكن منذ الشتاء الماضي، لم تسر النتائج في صالح الحزب، الذي لم يتمكّن من إبعاد المسلحين عن المنطقة أو دحرهم، فهم تحصّنوا في الجرود والجبال، والحزب مضى في سبيله يخسر «المقاتلين» وينزف.

لا حاجة للإغتباط أو الإنقباض من جراء خبر يأتي من هنا، أو خبر يسرّ به موقع معارض، لكن معركة عرسال، أنتجت وقائع جديدة، ليس بالمعني السياسي بل بالمعنى الاستراتيجي والعسكري:

1- فشلت خطة الاستدراج، في زجّ القوى المسلحة اللبنانية، من جيش وقوى أمن داخلي، في معارك مع المسلّحين، شبيهة بمعارك «جرود الضنية» خلال الأشهر الأخيرة من الولاية الأولى للرئيس إميل لحود، أو شبيهة بمعركة عبرا، ضد «جماعة الأسير»، ناهيك عن «نهر البارد» (وما أدراك ما نهر البارد).

2- هذا الفشل، عبّر عن نفسه، بتسجيل ملاحظات في السرّ والعلانية على أداء القيادات العسكرية والأمنية، ليس من زاوية تتعلّق بالبطولة أو البسالة أو الشجاعة، بل من زاوية غياب الرغبة بحسم الوضع في عرسال، لغير مصلحة المسلّحين، وتالياً «الثورة السورية»..

3- إن ما فاقم من خطورة إنتهاء المعارك، على النحو الذي انتهت إليه من احتجاز عسكريين ورجال أمن داخلي، وبصرف النظر عمّا إذا كان الإحتجاز جاء طوعياَ أو إكراهياً، إلّا أنه أوجد مشكلة جديدة، صار معها من المتعذّر تجاهل مصير هؤلاء العسكريين، سواء، إن استمرت المعارك أو توقفت، أم تجدّدت..

4- إذا كان صحيحاً أن المسلّحين خرجوا، بالمفاوضات من عرسال، وأن القوى العسكرية، من جيش ودرك عادت الى البلدة، فإن الصحيح أيضاً أن مرحلة من «التبريد» قد تشهدها الجبهة، مما يعني أن «الستاتيكو الميداني»، لن يكون لمصلحة النظام في سوريا، أو حزب الله في لبنان.

5- مهّد التفاوض لتجنيب عرسال «معركة فاصلة»، بما سيستتبع ذلك، من جراح مع القرى والبلدات الشيعية من اللبوة أو بمعنى تجنّب تلك الجراح، مهّد الطريق لإطلاق مفاوضات بين هيئة العلماء المسلمين والدولة اللبنانية، لاستعادة الأسرى العسكريين بالتفاوض، وليس تحريرهم بالقوة أو الإشتباك. أمّا قصة الشروط السياسية الرامية للضغط على حزب الله، لإخراج قواته من سوريا مقابل تحرير العسكريين، فهو قصة ترقى الى الحلم، وليس الى الواقع.. فالحزب لا يرتبط بسياساته أو استراتيجيته، بمستوى الخسائر أو المساومات، ذلك لأن قرار الإشتباك أو الإنسحاب متوقف على حسابات إقليمية، تتعلّق بنصرة محور المقاومة، وفقاً لما أعلنه السيّد حسن نصر الله، الأمين العام للحزب، في خطابه الأخير..

6- قد تكون معطيات ما بعد تسوية خروج المسلّحين من عرسال، ودخول الجيش اللبناني إليها، مرحلة تحسينية ليس أقلّها عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان، والهبة المتمثلة بمليار دولار أميركي لتوفير ما يلزم من أسلحة ودعم لوجستي وتطويعي للجيش اللبناني وقوى الأمن، من باب نظرية الإستثمار في الأمن، أو توظيف الأموال وإنفاقها على تعزيز القوات العسكرية، بغية الوصول الى الأمن، ومنع الحركات المتطرّفة من تحقيق أهدافها، في لبنان وخارجه..

باختصار، أعادت معركة عرسال بالنتائج التي تمخضت عنها الإعتبار الى التوازن الميداني والسياسي، وبات بإمكان الحكومة الممثِّلة لكل الكتل والتيارات، والتي تقوم مقام رئيس الجمهورية أن تكون شريكاً في لعبة اقتسام النفوذ في الداخل، سواء عبر المفاوضات الدولية وجلسة مجلس الأمن في أيلول المقبل، أو عبر الوقائع الميدانية، بصرف النظر عن مفاوضات إستعادة العسكريين الأسرى ونتائجها؟!