IMLebanon

إيران تنتظر واشنطن… قبل تدخُّلها في العراق

أعادت الهجمة الإرهابية التي نفّذتها «داعش» على بعض المدن العراقية واحتلالها خَلط الاوراق إقليمياً ودولياً. إيران واميركا اليوم أكبر المتضرّرين ممّا حصل، فهل سيدفع الواقع العراقي الجديد الى مزيدٍ من التقارب الإيراني – الأميركي؟ وبناء على أيّ أولويّات وأثمان؟

لا بدّ أنّ إدارة الرئيس الاميركي باراك أوباما مُحرجة للغاية اليوم، فقد درج بعض الاعلام الغربي على القول إنه سلّم العراق إلى الإيرانيّين عندما قرَّر الانسحاب، ليتبيَّن مع الوقت أنه سلَّم «نصف العراق» إلى تنظيم «داعش» الإرهابي المدعوم من دول عربية واقليمية حليفة للولايات المتحدة الأميركية، فيما تتقاطع مصالحه في «النصف الثاني» مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر رئيس الوزراء نوري المالكي. فهل هذا ما كانت تُخطّط له واشنطن عند احتلالها العراق؟ وهل قضى نحو 4500 جندي أميركي في بلاد الرافدين من أجل أن تنشأ «إمارة اسلامية» في قلب الشرق الاوسط وعلى حدود المصالح الاستراتيجية لأميركا؟

في عهد الرئيس السابق صدّام حسين لم يكن بين طهران وواشنطن أيّ «سياسات مشتركة» حيال النظام العراقي الخصم والعدوّ لكليهما. بدأ «تقاطع المصالح» يأخذ حيّزاً عملياً عند وصول المالكي الى السلطة، وأخذ يُعبّر عن نفسه بأشكال مختلفة، وجاء التفاهم «النووي» ليزيد من إمكان التقارب بين الدولتين على ملفات اقليمية ذات طابع معقّد وحيوي لكلا الطرفين.

يعرف الإيرانيون أنّ القوى الإقليمية المتضرّرة من التقاطعات الاميركية – الإيرانية تقف وراء «داعش» وأخواتها. هنا ترتسم تقاطعات سياسية ومصالح. اسرائيل تدفع إلى خلق «شرق أوسط» على شاكلتها وتفرض وقائع على واشنطن نفسها، والسعودية تعمل على توسيع رقعة «المواجهة المذهبية» من سوريا الى العراق، والأكراد يدخلون برضى تركيا على معادلة «التقسيم»، وكلّ ذلك بهدف تطويق إيران والحدّ من نفوذها والردّ على الوقائع التي ثبَّتتها في سوريا والاقليم، وفي تفاهماتها مع المجتمع الدولي.

ما شهده الموصل وكركوك والأنبار فرضَ نفسه على المعادلات الجديدة التي ظهرت بعد اتفاق ايران مع (5+1). وأعاد ترتيب الاولويات و»تعديل الخطط»، لأنّه خطر داهم من شأنه الاضرار عميقاً بمصالح طهران وواشنطن على حدّ سواء. ومن نافل القول إنّه يضع المنطقة على مشارف انفجار كبير إذا لم تقم الولايات المتحدة الأميركية بما عليها سياسياً، ناهيك عن الشروع في تطبيق الاتفاقات الأمنية والعسكرية الموقّعة مع بغداد.

إيران لن تنتظر طويلاً حتى تتحرَّك مباشرة للدفاع عن أمنها القومي على حدود دجلة – الفرات. لا تزال القيادة الإيرانية تعطي فرصة عراقية داخلية، وتنتظر ردّ الفعل الدولي والاميركي خصوصاً. كل تأخير اميركي في مكافحة إرهاب «داعش» ورعاتها الإقليميّين سينعكس سلباً على خيارات الجميع، وسيضع المنطقة امام حروب ونزاعات لا تنتهي.

مذهبة النزاع والدفع نحو التفتيت والتقسيم سيأخذ الشرق الاوسط نحو «الخيار الاسرائيلي»، وعندها ستخسر الولايات المتحدة كلّ هامش للمناورة وتمايز سياسي عن اسرائيل، الامر الذي يتناقض جوهرياً مع المصالح الحيوية لواشنطن في الاقليم.

مؤشرات المرحلة المقبلة في المنطقة سلبية للغاية، وهذا ما ينبغي أن يدركه اللبنانيون قبل غيرهم. المستجدات العراقية تجزم بأنّ لبنان لن يكون «أولوية» في المرحلة المقبلة. قد يواكب أفرقاء داخليون هجوم «داعش» على الموصل بهجوم ضد العماد ميشال عون لإجباره على خوض سباق الرئاسة بشروطهم، أو عدم تقديم ترشيحه. بعض المناخات الاعلامية والسياسية بدأت تؤشّر الى هجوم سياسي يُحضّره فريق «14 آذار» تحت عنوان «تسريع انتخاب الرئيس».

الواقع اليوم ليس كما كان في خريف 2007، تاريخ بداية الفراغ الرئاسي بعد انقضاء عهد الرئيس اميل لحّود. كل الظروف وموازين القوى تغيَّرت، تسوية «الدوحة» عام 2008 بعد ثمانية أشهر من الشغور، جاءت بإجماع دولي وإقليمي ليس متوافراً اليوم، وأيّ خطوة ناقصة أو متسرّعة أو مستفزّة أو محرّضة داخلياً من شأنها إطاحة الاستقرار الهَشّ الذي تعيشه البلاد بلا نتائج سياسية مفيدة، أو قدرة على تغيير الواقع والوقائع.