IMLebanon

ارتداد الشغور على الاستقرار قد يعجّل الانتخابات

يتقاطع الكلام الإقليمي حول الشغور الرئاسي واستمرار الاستقرار في لبنان، وسط تجاذب حاد بين احتمالات تسريع الانتخابات إذا مسّ الاستقرار، وتأجيل الانتخابات أشهراً طويلة

يتطلع بعض اللبنانيين إلى الأحداث واللقاءات المحلية أو الباريسية كأنها خشبة خلاص للأزمة الرئاسية التي يمر بها لبنان. هذا إذا افترضنا أن ثمة من يعتبرها أزمة. إلا أن هذه اللقاءات التي تجرى علناً أو بعيداً عن الاضواء، لا تعدو كونها طمأنة محلية بأن الوضع السياسي ممسوك، تماماً كما هي حال الوضع الامني الذي تتضافر جهود الدول الكبرى من أجل إبقائه مستقراً.

ثمة تعويل فائض، حتى لدى سياسيين، على أن هذه الاتصالات يمكن أن تثمر حلولاً ناجعة، فيتم الرهان على حوارات الرئيس سعد الحريري مع كل من رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون أو رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط، لاستخلاص ملامح أي تسوية تتعلق بالانتخابات الرئاسية. لكن ما يحصل هو أن الدوران في الحلقة المفرغة مستمر بلا توقف، في انتظار استكمال المفكرة الدولية المتعلقة بمواعيد المفاصل الاساسية لأزمة المنطقة.

الاستقرار قد يدفع الى تأجيل الانتخابات حتى ما بعد الخريف المقبل

فالاطراف المعنيون يدركون تماماً أن هذه اللقاءات إنما تبحث في أمور تسووية تتعلق بالحسابات الداخلية البحت ومجرد ترتيب للعلاقات الشخصية في أحيان، وللأوضاع المحلية للحلفاء والاصدقاء والخصوم في الوقت الضائع في أحيان أخرى، تحت مظلة قرار إقليمي ودولي بحفظ استقرار لبنان حالياً، وحفظ الانتخابات الرئاسية في الثلاجة أيضاً. وهذا من شأنه أن يريح الوضع الداخلي وينعشه في مستهل فصل الصيف واقتراب شهر رمضان، إذ لا قدرة للحريري على تسمية الرئيس العتيد ولا لجنبلاط أيضاً، وحكماً لا قدرة لعون على إنجاز الطبخة الرئاسية، وإلا لكان لبنان انتخب رئيساً منذ أشهر.

ما يحصل اليوم، بحسب سياسيين مطلعين، هو أن لبنان على خط تقاطع نقطتين حساستين: الأولى أن المجتمع الدولي ترك إدارة الوضع الإقليمي ومعالجته الى الدول المعنية، من سوريا حيث يرتكز دور إيران ومعها حزب الله وروسيا كما قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الى العراق حيث الدور الايراني والتركي والسعودي، ومصر حيث تركز الدور السعودي، ولبنان حيث يتقاطع الدور الإيراني والسعودي. لكن عدم انغماس المجتمع الدولي في هذه الادارة لا يعني تخليه عنها، بل إنه لا يزال يراقب كل ما يحصل من تداعيات المستجدات في المنطقة، ومنها العراق أخيراً، ولبنان في قلب هذه المعاينة الدولية.

والنقطة الثانية هي أن لبنان كان حتى الآن ساحة التقاء لتفاهمات في المنطقة لا تحتمل أي نوع من أنواع الصدامات، نظراً الى تركيبته ونظامه واختلاف مشاكله الحالية عن تلك التي تجري في سوريا والعراق تحديداً. وهذا الالتقاء أرسى استقراراً أمنياً وسياسياً في الحد الادنى المقبول، وخصوصاً مع تركيب حكومة شراكة بين المستقبل وحزب الله. إلا أن الشغور الرئاسي طرح مجدداً مسألة التقاطع بين الاستقرار وهشاشة الوضع الداخلي المحلي وارتباطه بالتداعيات الاقليمية.

فلبنان انتظر لبلورة وضعه الداخلي ما ستؤول اليه الانتخابات العراقية والسورية والمصرية، ليس لجهة نتائجها المعروفة سلفاً، بل لناحية تداعياتها، وخصوصاً في العراق، حيث كان مصير رئيس الحكومة نوري المالكي تحت المجهر لمعرفة شكل الحكومة العراقية الجديدة. لكن ما حصل هو أن الأزمة العراقية التي انفجرت حدّتها من خلال حرب داعش الكبرى أضافت على المشهد اللبناني همّاً جديداً باستعادة المخاوف من الارتدادات الأمنية عليه.

حتى الآن انتهت ثلاثة مواعيد أساسية، في انتظار موعد عشرين تموز، الموعد المفترض لإنهاء مفاوضات الـ5 + 1 مع إيران، حول الملف النووي، والتي يجري الحديث عن أنها قد تمدّد ستة أشهر جديدة تنتهي مع بداية السنة الجديدة. وهذا يعني أن الازمة الرئاسية اللبنانية يمكن أن تطول مدتها تزامناً مع تطورات الملف النووي واستكمال ترتيب البيت السعودي الداخلي، إضافة الى ما استجد من تطورات ميدانية في العراق يمكن أن تفتح الوضع العراقي (ومعه سوريا ولبنان) على آفاق جديدة.

وهذا يعني أنه بقدر ما يستمر الاستقرار في حده الأدنى قائماً، يمكن أن تطول مدة الشغور. وحتى الآن هناك تناغم سنّي شيعي من أجل هذا الاستقرار وتسيير شؤون الحكومة ومجلس النواب معاً رغم الشغور، فيما لم تفلح بعد تهديدات المسيحيين ومناكفاتهم في تحويل المطالبة بإجراء الانتخابات الرئاسية أمراً واقعاً أو حتى الانكفاء عن العمل التشريعي أو الحكومي، بسبب حساباتهم الخاصة وعلاقتهم مع هذا الطرف أو ذاك.

وهذا الاستقرار، بحسب مطلعين على نقاشات وأسئلة إقليمية ودولية حول لبنان، قد يدفع الى تأجيل الانتخابات حتى ما بعد الخريف المقبل. وهو الموعد الذي يفترض أن يكون كحد أقصى متزامناً مع انتهاء ولاية المجلس النيابي الممدّد له، والذي ظهر حتى الآن أن أكثرية الأطراف السياسيين لا ترى فيه حداً نهائياً، ما دامت تؤيد التمديد للمجلس، ما مفاده أن على لبنان أن يتكيّف مع هذه الاحتمالات، وعلى المرشحين أيضاً التكيّف مع التبدلات والظروف التي يمكن أن تطرأ إقليمياً ومحلياً.

لكن في اللحظة التي قد يتهدّد فيها الاستقرار بسبب الشغور، أو يشعر فيها المجتمع الدولي واللاعبون الإقليميون المعنيون بلبنان أن الشغور الرئاسي الحالي قد يتحول عبئاً لبنانياً وإقليمياً، وأن احتمالات انتقال التوتر الاقليمي الى لبنان تكبر، وأن التسوية السياسية قد تنهار بسببه، يصبح من الملحّ إقليمياً ودولياً صياغة تسوية سريعة وإجراء انتخابات رئاسية عاجلة. وحينها تتحول مهمة اللقاءات المحلية والباريسية لإخراج التفاهمات الإقليمية والدولية انتخابات للرئيس العتيد. فأي مترتبات على الشغور، ولا سيما الأمنية منها، ليست اليوم أولوية بالنسبة الى الدول الغارقة في معالجة أزمة سوريا وأزمة العراق المستجدة، والتي لا تريد تحريك الرمال اللبنانية وتهديد تركيبته. وقد تكون حينها التسوية سريعة بما يفاجئ أكثر المتورطين في الانتخابات والتفاهمات حولها، لأن ما بدا أكيداً حتى الساعة أن الاستقرار اللبناني لا يزال أولوية، وأن الصدام المحلي ممنوع، والانتخابات الرئاسية تصبح واجبة ليس بسبب أحقيتها فحسب، بل بسبب الحاجة الملحة إليها كضامنة للاستقرار الذي يريده الأطراف الإقليميون للبنان.