IMLebanon

التاريخ حين يكرّر نفسه

 

دخلت الانتخابات الرئاسية اللبنانية في المراوحة، فشلت كلّ محاولات إنجاز اختراق جدّي يفضي إلى مرشّح وفاقيّ جامع، والاتّفاقُ على اسمِ رئيسٍ جديد للجمهورية قبل انتهاء المهلة الدستورية أصبح شبه منعدم، وبدأ البحث عن خيارات جديدة.

ظروف التوافق على وصول رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون لم تنعدم كلّياً، لكنّها تصبح صعبة يوماً بعد يوم، والخشية التي تبديها بعض أوساط «8 آذار» حول «المماطلة» السعودية تتمثّل في كون الوقت ليس لمصلحة أحد، وعلى الرياض وتيّار «المستقبل» حسم موقفهما سريعاً من ترشيح عون، حتى لا تظلّ البلاد عالقة في «الوعود» والكلام المعسول غير المترجم واقعياً.

هذه الخشية مرَدُّها إلى معلومات تفيد أنّ الرياض طلبت من الرئيس سعد الحريري إبقاء قنوات الاتصال والوعود مفتوحة مع عون بلا الذهاب إلى اتّفاق كلّي. بمعنى أنّها ترغب الإمساك بهذه الورقة حتى اللحظة الأخيرة، ما يعني وضعها في بازار التسويات والذهاب إلى خيارات أُخرى.

أوساط في «8 آذار» تعتبر أنّ من «مصلحة» السعودية السير بعون رئيساً للجمهورية. لكنّها تجزم بأنّ الرياض تناور وليست جدّية في «الانفتاح» عليه. فلو أنّها كانت جدّية منذ البداية لما وافقت على ترشيح الدكتور سمير جعجع، الذي بدا ترشّحه بحسب هذه الأوساط «تعطيلياً» أكثر من كونه تعبيراً ديموقراطيّاً أو رغبةً في الوصول الى قصر بعبدا. أمّا مسارعة تيار «المستقبل» إلى تبنّي ترشيح جعجع فهو مصداق هذه القراءة وأبرز تأكيد لها.

في كلّ الحالات، ربّما تكون عودة السفير السعودي علي عواض عسيري إلى لبنان مفيدةً في هذا السياق. والأيام المقبلة ستكشف حقيقة النيّات السعودية، وما إذا كانت الرياض مستعدّة للتفاهم عبر «المستقبل» على مرشّح وفاقي قوي.

معظم القوى السياسية بدأت تتصرّف على أساس أنّ الفراغ واقعٌ لا محالة، ومن لم يعلن ذلك صراحة، يتحدّث في نطاق ضيّق عن «شغور» سيمتدّ إلى أشهر بعد انقضاء المهلة الدستورية.

ثمّة مَن بدأ يقول إنّ في وسع رئيس الحكومة تمّام سلام تحضير نفسه وحكومته لمَلء الشغور المتوقّع بعد 25 أيّار الجاري. وفي وسعِه أيضاً أن يستعين برئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، ليسأله عن المرحلة التي خبرَها جيّداً بين خريف العام 2007، وربيع العام 2008. لدى رئيس الحكومة «سابقة» تمثّل نموذجاً يستطيع العودة إليه للاطّلاع على طريقة الحكم «في هذه الحال»، وعلى الظروف والأحداث التي أفضت يومها إلى انتخاب قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً «توافقياً» للجمهورية.

ما هي الاحتمالات المتوقّعة جرّاء الفراغ؟ من يضمن بقاء التوازنات المحلية والاقليمية على ما هي عليه من الآن حتى الصيف المقبل؟ ولماذا تبدو مؤشّرات المنطقة متناقضة إلى هذا الحد؟

في المقاهي والمكاتب «ينتشر» المرشّحون «التوافقيون» وينشطون. بعضهم يجري اتّصالات ويتحدث بنبرة رئاسية مرخّمة، والبعض الآخر يغرق في صمت طويل ويجلس إلى جانب الهاتف.

هؤلاء جميعاً ينتظرون انقضاء المهلة للإفراج عن حقيقة موقفِهم وطموحاتهم. ويدركون أنّ الأسماء المتداولة ليست كلّها جدّية، وأن ثمّة «ثلاثة أسماء» لديها حظوظ حقيقية، إثنان منها في التداول، والثالث خارج التداول المكثّف حتى اللحظة.

التاريخ يُكرّر نفسه في بلد مثل لبنان. سيتصاعد الخطاب وتخرج الاستحالات والاستحالات المضادة. بعدها سيخرج الجميع ليعلنوا: «نحن محكومون بالتوافق، وليس أمامنا سوى الاستعانة بما سلفَ من التجربة، حتى نخرج من هذا الاستحقاق بأقلّ الخسائر الممكنة، ونؤسّس لمرحلة جديدة قد تحمل للبلاد شيئاً من الاستقرار الذي تحتاجه».