IMLebanon

التمديد انتهى دستورياً

 

النتائج العملية لبدء مهلة الأيام العشرة الفاصلة عن انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان هي أن التمديد انتهى دستورياً، ولم يعد ممكناً اللجوء اليه

 

لا تمثل الأيام العشرة الفاصلة عن 25 أيار المهلة الاخيرة لانتخاب رئيس الجمهورية فحسب، عملاً بالمادة 73 من الدستور التي تنص على أن المجلس «يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس»، إذا لم يدع الى الالتئام قبل موعد انتهاء الولاية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر.
فمع مهلة الأيام العشرة، (أو ما تبقى منها)، التي لن تشهد كما بات متوقعاً انتخاب الرئيس العتيد، انتهى إمكان التمديد لرئيس الجمهورية ميشال سليمان، في شكل قاطع. وفي موازاة الشغور في سدة رئاسة الجمهورية، لم يعد في وسع القوى السياسية التي فاوضت في الأيام والساعات الاخيرة على التمديد، أن تجد أي نوع من الصيغ التي تسمح ببقاء سليمان في قصر بعبدا. ورغم انصراف عدد من الحقوقيين والسياسيين الى التفتيش الدقيق عن ثغر قانونية ودستورية، وحتى صياغة مواد وأوراق قابلة للتسويق، وصولاً الى محاولة ابتكار «فتاوى» أو حتى «إعطاء الحلة»، لم يعد التمديد ممكناً، استناداً الى المادة 75 من الدستور التي تنص على «أن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس للجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، ويترتّب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أي عمل آخر».

والدستوريون الحقيقيون، في المجلس النيابي وخارجه، أبلغوا كل من راجعهم في احتمال حصول التمديد في هذه المرحلة أن أي محاولة لاجتراح حل عجائبي ستبوء بالفشل، وتصطدم بأمرين: أولاً نص المادة 75 الواضح الذي لا يسمح للنواب بأن يجتمعوا لمناقشة التعديل الدستوري. وثانياً رئاسة المجلس النيابي، إذ إن عدم الالتباس في نص المادة المذكورة، لجهة عدم جواز التشريع في هذه الفترة، أمر محسوم بالنسبة الى الرئيس نبيه بري ـــ ولو أنه أحياناً، بحسب منتقديه، يفسّر الدستور على غير ما هو عليه.
وتالياً، لم يعد ممكناً للمجلس الحالي أن يعدل الدستور من أجل التمديد، لا سنة ولا حتى الى حين انتخاب رئيس آخر، للرئيس المنتهية ولايته بعد تسعة أيام من الآن. وتتحدث أوساط سياسية رافقت التمديد لكل من الرئيسين الياس الهراوي وإميل لحود عن أنه حتى في أسوأ ظروف انتهاك الدستور وصدور القرار السوري بالتمديد للرئيسين السابقين، فإن عملية إخراج التعديل مرّت وفق الآليات المعتمدة دستورياً. فمُدّد للحود في الثاني من أيلول، أي قبل أكثر من شهرين على انتهاء ولايته، ومُدّد للهراوي في 19 تشرين الاول، أي قبل انتهاء ولايته أيضاً بما يزيد على شهر.
أما اليوم، ففي أسوأ السيناريوات المطروحة حول احتمال إجماع كل القوى السياسية على التمديد، وموافقة الدول الاقليمية والغربية المعنية (ولا يبدو أن الأمرين متوافران حتى الآن)، فإن أي تمديد سيشكل إمعاناً في خرق الدستور وإطاحة كل المحرّمات الدستورية. ولا يظهر حالياً أن القيادات السياسية الواعية قد تلجأ الى هذا النوع من الخيارات، اللهم إلا إذا كان بقاء سليمان في قصر بعبدا بات ضرورياً للبلد، الى الحد الذي يمكن معه تجاوز كل الأعراف الدستورية.
هذا دستورياً. أما سياسياً، ورغم إعلان حزب الله أكثر من مرة رفضه التمديد، لم تتوقف المحاولات الرامية الى إيجاد مخرج سياسي يسمح بالتمديد حتى اللحظات الاخيرة، قبل سريان مهلة الايام العشرة. وهو ما فتح باب الاجتهادات بعدما ترددت معلومات عن إمكان الوصول الى تسوية تقضي بالتمديد، وتتيح القفز فوق الاعتبارات الدستورية. ففي الساعات الاخيرة حفلت النقاشات السياسية بأطروحات حول المغزى من التمديد والغرض منه وكيفية استثماره. وترددت معلومات عن أن موفدين جالوا في الايام الاخيرة على بعض المرجعيات والقوى لطرح اقتراحات حول التمديد وجس النبض مع شخصيات كانت من مناهضي التمديد في أكثر من محطة. وتركز البحث لدى بعض هذه الشخصيات والقوى على المقايضات التي تسمح بالتمديد لقاء شروط يمكن أن توضع على سليمان، علماً بأن بعض القيادات الأساسية ـــ المسيحية ـــ اشترطت في لقاءات مغلقة، أولاً حصر مهلة التمديد بسنة واحدة فحسب، وثانياً الحصول على تعهدات مسبقة في ملفات معينة من أجل مناقشة العروض المطروحة.
وتلاقت هذه الطروحات مع رغبة «علنية» لدى عدد من القوى السياسية، ولكل منها أسبابها المختلفة، بالموافقة على التمديد: أولاً البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي تعددت طروحاته من المطالبة برئيس قوي الى رئيس بالتي هي أحسن وفق استطلاعاته، ومن ثم الى ملء الفراغ ومن ثم التمديد بأي وسيلة ممكنة، وتغليف موقفه بأعذار مختلفة، الى حدّ الإيعاز بالبحث عن فجوة دستورية مهما كان نوعها، يمكن النفاذ منها لبقاء سليمان في قصر بعبدا. ووجد الراعي وفريقه متنفساً لهم في تبلغهم من تيار المستقبل موافقته على التمديد كوسيلة وليس كهدف قائم بذاته، من أجل تفادي الفراغ.
من جهتها، خلصت قوى 14 آذار في نقاشاتها الأولية الى أن التمديد أفضل من الفراغ، وهي حرصت على إبلاغ المعنيين من حلفائها موافقتها على التمديد، لكنها في واقع الأمر، بعدما دعمت ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، وجدت نفسها تفتش عن حل مرحلي يمكن معه تمرير الوقت، في انتظار انكشاف توجه قوى 8 آذار الفعلي في معركة الرئاسة، إضافة الى أن بعض مسيحيي 14 آذار الذين بدوا في بعض الاحيان معزولين عن الحوارات التي تجري بين الرئيس سعد الحريري وعون، أرادوا طرح بالونات اختبار في السوق السياسية من جهة، والتلويح بإمكان القبول بالتمديد كورقة ضغط على عون. لكن هذه القوى وجدت نفسها في نهاية المطاف أمام قرار نهائي برفض التمديد، تزامن مع بدء مهلة الأيام العشرة.
التمديد انتهى دستورياً بعدما كان منتهياً سياسياً.