IMLebanon

الجيش اللبناني الدرع الوحيد للوطن

ما أن رفع رئيس الحكومة تمام سلام الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء حتى بدا الوزراء في حال من الذهول إثر المعلومات التي سمعوها عن خطورة الوضع في عرسال، الى درجة انّ أحدهم قال إنه دخل الى الجلسة معتقداً انّ الوضع قابل للاحتواء على رغم صعوبته لكنه خرج منها مقتنعاً بأنّ الزلزال الكبير الذي يضرب المنطقة وجد له طريقاً الى لبنان عبر بوابة البقاع الشمالي.

لكن ما فات مجلس الوزراء ليس فقط انه تأخر في الانعقاد، بل إنّ عوامل الخطر بقيت تتراكم لفترة طويلة من دون اتخاذ ايّ اجراءات فعلية، لا بل على العكس توظيف وضع عرسال في النزاع السياسي الداخلي بتهوّر لا مثيل له.

أضف الى ذلك ملف النازحين السوريين والذي أوجد له النزاع السياسي الحاصل فسحةً واسعة ما سمح بنشر مخيّمات وتجمّعات لهؤلاء في أماكن جغرافية في قلب المناطق اللبنانية ووفق خريطة انتشار كان واضحاً أنه سيجري توظيفها يوماً ما في نزاع داخلي لا بدّ أنه سيحصل.

في اختصار، إنّ «خطيئة» النزوح الفلسطيني الى لبنان في ستينات وسبعينات القرن الماضي والتي أدت الى اندلاع الحرب اللبنانية وتغيير وجه لبنان الى الابد، تكرّرت ولكن بأعداد أكبر بكثير وسط منطقة مشتعلة وتستعدّ للدخول في تقسيماتٍ جديدة حيث ستزول دولٌ وستنشأ كياناتٌ أخرى.

وأدّى النزاع السياسي الداخلي الدائر بين فريقَي 8 و14 آذار الى تعمية بصيرة اللبنانيين، الى درجة انّ قوى مسيحية شكلت رأسَ حربة في وجه المشروع الفلسطيني إبّان الحرب الاهلية ساهمت وشجعت النزوح السوري ربما على أساس السقوط القريب للنظام السوري.

ففي التحقيقات الجارية مع أمير «جبهة النصرة» المعتقل لدى الجيش اعترافات كبيرة وخطيرة حول وجود مخطّط للسيطرة على مساحة واسعة من المناطق اللبنانية من خلال الاستناد على تجمّعات النازحين السوريين، وإعلان هذه المنطقة إمارة وضمّها الى مناطق في الداخل وإسقاط الحدود على طريقة ما حصل في العراق وسوريا.

هذه هي الصورة الحقيقية للوضع والذي يحاول الجيش اللبناني بإمكاناته المتواضعة مواجهتها. صحيحٌ انّ الموقوف جمعة أدلى خلال اعترافاته ببعض الاسماء والتي كانت لديها مهمات تتعلّق بتحضير مجموعاتٍ لملاقاة «أمراء التطرّف» لدى نجاح العملية، إلّا أنّ الصحيح ايضاً هو أنّ إحباط المخطط لا يعني ابداً أنّ شهية هذه المجموعات قد توقفت، كما أنّ انسحاب المسلّحين سيعني أنّ الامور عادت الى طبيعتها. فالمشروع كبير وأدواته خطيرة.

فزعيم تنظيم «داعش» ابو بكر البغدادي والذي يدّعي أنه يتحدّر من سلالة النبي عبر قبيلة البوبدري يسعى الى منصب «الخليفة» كما جرى في التاريخ الاسلامي. فيما القوى الاقليمية التي تقف خلفه تجد في تنظيمه المتطرّف الحلّ الشافي لضرب قلب مشروع «الهلال الشيعي»، هذا التنظيم القادر على تقديم كثير من الدماء بلا حساب.

أما الولايات المتحدة الاميركية والتي تحاول اللعب على التناقضات لتحقيق المكاسب السياسية من دون التورّط المباشَر، فإنها منشغلة بالتحضير للانتخابات النصفية في تشرين الثاني المقبل مع وجود بوادر واضحة لخسارة الحزب الديموقراطي غالبيته في مجلس الشيوخ، ما سيعني انتعاش الجمهوريين وبالتالي مزيد من الشلل على مستوى قرارات البيت الابيض.

وهذا سيعني على المستوى اللبناني الدخول في البركان الاقليمي في غياب الرقابة الدولية. تماماً كما خسر المسيحيون حضورهم في الموصل في لحظة التغييرات الدموية، فإنّ لبنان قابلٌ لأن يخسر كثيراً من مقوّمات استقراره ووجوده في لحظة مظلمة من الاحداث الدائرة.

ولأجل كلّ ذلك يبقى الجيش خشبةَ الخلاص الوحيدة وسط المخاطر الداخلية المقلقة. ففي الجنوب نجح الجيش في صوغ اتفاق مع مسؤولي مخيم عين الحلوة يقضي بضبط هذا المخيم الذي يحوي خليطاً واسعاً من التنظيمات والخلايا المتنوّعة. وهو بذلك ضمن إحدى المناطق الأشدّ خطورة على الساحة اللبنانية.

كذلك باشرت الأجهزة الأمنية تنفيذ خطة تحرّك مضادة تستند الى المعلومات الخطيرة التي أدلى بها موقوف «جبهة النصرة». وباشر الجيش ايضاً إعدادَ خطة عسكرية تحاكي مرحلة ما بعد انسحاب المتطرّفين من عرسال ليقينه بأنّ هؤلاء لن يلبثوا أن يعودوا قريباً. لكنّ مكامن الخطر كثيرة وهي تنخر التركيبة اللبنانية.

فما يجري في طرابلس مفتوحٌ على احتمالاتٍ أوسع، خصوصاً انّ المجموعات التي تتولّى الاعتداء على الجيش انطلاقاً من أزقة باب التبانة تستند الى دعم زعماء محليين، وما يدعم هذا الكلام الموقف المتطرّف الذي اتخذه النواب الشماليون الثلاثة. وتتحدث معلومات عن مدّ هذه الخلايا الطرابلسية بشتى انواع التسليح مع تشجيع المناصرين لمساندتهم.

وليست الساحة الطرابلسية هي مبعث القلق الوحيد، إذ إنّ السفارات الغربية تبدي قلقاً أكبر من أماكن تجمّعات النازحين السوريين في عكار حيث الحدود مفتوحة مع الداخل السوري. إضافة الى ذلك وجود توقعات بعودة مسلسل التفجيرات الانتحارية على أن تستهدف هذه المرة شخصياتٍ سياسية وأمنية بعدما كانت تركز في السابق على تجمّعات المدنيين. في اختصار لبنان في قلب البركان ودرعه الوحيد هو جيشه.