IMLebanon

الجيش… ضمانة الوحدة الوطنية

 

قدّمَت الدوَل الكبرى ما عندها، ولن تذهبَ نحو الأبعد، قصاصات ورق، بيانات دعم للجيش، ونصائح حول الوحدة الوطنيّة، مع اهتمام بالهبة السعوديّة، وإمكانيّة الاستفادة منها عن طريق مدّ الجيش ببعض الأسلحة التي تسمح بها إسرائيل؟!.

كان العديد من البعثات الدبلوماسيّة، مهتمّاً بالمليار دولار، أكثر من اهتمامه بما يجري في عرسال، ويسعى للتأكّد من صدقيّة الخبر، والبحث في إمكانية حجز «كوتا» لدولتِه منها. الاستنتاج الأوّلي أنّ للهبة شروطاً ومواصفات، ولن تُمنَح بصورة عشوائيّة، بل ستعتمد معايير الشفافيّة.

وهناك نقاشٌ حول آليتين، الأولى تقليديّة، أي أن يأخذ مجلس الوزراء علماً بها، ويوافق عليها، على أن يحدّد وجهة إنفاقها. والثانية، التوجّه إلى تحويلها كوديعة في مصرف لبنان، بحيث تتولّى لجنة عسكريّة تشكّلها قيادة الجيش، وتكون مهمّتها الإشراف على إنفاقها وفق لوائح وبيانات واضحة تحدّد أنواع الأسلحة والعتاد، ومصادرها، وكلفتها.

وحجّة أصحاب هذا الاقتراح أن لا ثقة بالأداء السياسي المُتّبَع، وهناك خشيّة من أن «تتبخّر» بسحر ساحر في حال وُضِعت بتصرّف الحكومة، أو أن تعمَد إلى إنفاقها في مجالات أخرى.

وفي الأروقة الدبلوماسيّة حديث مستفيض عن تسليح الجيش، إنطلاقاً من كونه المدافع الوحيد والأخير عن الحضور والكيان والإستمرارية، خصوصاً بعدما أصبح مباشرةً على جبهة مكافحة الإرهاب.

إلّا أنّ هذه الأولوية، لا تشكّل بنظر البعض، الضمانة. فالثقة بالجيش أمرٌ مهمّ، وإحاطته بالدعم والمؤازرة واجب وطنيّ، لكنّ الاعتماد على سواعده فقط، لا يكفي، ولا بدّ من البحث عن ضمانات أخرى لحماية الوطن، وأقوى هذه الضمانات الوحدةُ الوطنيّة الحقيقيّة.

ويرى بعض الدبلوماسيين المتابعين أنّ الالتفاف حول الجيش ومؤسّسته، هو في الإعلام فقط، وهناك نوعٌ من النفاق السياسي على هذا الصعيد، وتكاذُب، وطائفيّة، ومذهبيّة حتى العظم، وفِكر «داعشيّ» موجود ومتأصّل قبل أن تدخل «الداعشيّة» إلى لبنان.

الفكر «الداعشيّ» – بنظره – موجود على مستوى الطائفة، كلّ زعيم يريد أن يلغيَ الآخر، وشعارُه الدائم « أنا، أو لا أحد»، وهذا ما عطّلَ انتخابَ رئيس للجمهوريّة، والتفاهمَ على موازنة وطنيّة عامّة للدولة، فسادَ الفسادُ، والرشوة، والهدر، واختلاس المال العام، والاحتماء بالطائفة والمذهب.

الفكر «الداعشيّ» بنظره موجود عند غالبيّة هذه الطبقة السياسيّة التي لم تنتج قانونَ انتخاب إلّا الذي يؤمّن لها الإستمرارية في مراتب المسؤوليّة، والإستمرارية في فرضِ هيمنتها، وسيطرتها، ونفوذِها على مقدّرات البلاد والعباد!

إنّ البيئة الحاضنة، بنظر هذا البعض، لا تقتصر على منطقة، أو جماعة، بل على الفكر السياسي الذي يمسك بزمام الأمور، ويدير البلاد من منطلق الحرص على المصالح الخاصة قبل العامة، والاستقواء على الرأي العام بأسلحة الفساد، وأيضاً بتعميم الطائفيّة، والمذهبيّة، والفئويّة، ومن هذه المنطلقات بالذات وقعَ الشَرخ الوطني الكبير ما بين الطبقة السياسيّة، والرأي العام.

لقد فضَحت المواجهات في عرسال كلَّ العيوب والمآخذ، وأطلقَت العنان لغالبيّة الشعب اللبناني في أن يفصحَ عمّا يكبته في صدره. الحقيقة الأولى هناك انعدام ثقة، وهوّة عظيمة ما بين الأكثرية الصامتة وغالبية هذه الطبقة الحاكمة، والموصوفة بالشبهات. الحقيقة الثانية، أنّ الرأي العام يحبّ الجيش، لأنّه يحبّ نفسَه، ويعرف أنّ سقوطه، لا سمح الله، يعني سقوط لبنان في أتون حروب أهلية طاحنة لا تنتهي إلّا بزواله عن الخريطة.

والحقيقة الثالثة، أنّ تسليح الجيش أمرٌ مهمّ وحيوي، لأنه الضمانة، لكن ما لم تتأمّن الوحدة الوطنية الصادقة، والمنعة اللبنانية الصافية، فإنّ المخطط – كما يقول أحد السفراء – سوف يستمرّ، وعرسال ستكون الحلقة الأولى، أمّا الثانية فربّما تكون أخطر، وتبدأ بتطهير مذهبيّ من البقاع تحديداً كنتيجة للخواء السياسي المستمرّ في لبنان.