IMLebanon

الجيش يستعدّ لهجوم واسع ورفع مستوى الاستنفار على مساحة الوطن

مع تراجع الجهود السياسية، وتقدم العمليات العسكرية للجيش تحت غطاء سياسي حكومي عنوانه «التضامن مع الجيش ورفض مهادنة الارهابيين»، بقي الوضع برمته في دائرة التكهنات حول ما ستؤول اليه الامور على هذه الجبهة وما اذا كان الحسم العسكري سيكفل اخراج الارهابيين الى خارج الحدود اللبنانية ام ان التسويات التي يعمل لها البعض ستفي بالغرض.

الا ان تقدم المفاوضات بين «هيئة العلماء» والمسلحين السوريين تقول مصادر متابعة للملف أوحت بامكان تحقيق خرق ما، خصوصا بعدما بدأ تطبيق الاتفاق جزئيا برعاية الهيئة، مع اطلاق ثلاثة عناصر من قوى الامن الداخلي، على ان يلي ذلك وقف اطلاق النار قبل انسحاب المسلحين من عرسال الى جرود القلمون في شكل كامل، ليتم في مرحلة لاحقة تشكيل لجنة تضم وسطاء من المسلحين واهالي عرسال وممثلين عن هيئة العلماء للتفاوض في شأن تسليم باقي اسرى الجيش والقوى الامنية الذين اكد وفد الهيئة الذي دخل عرسال انه التقى 12 من اصل 22 مفقودا للجيش، في مقابل مطالب المسلحين المتمثلة في الافراج عمن اوقفهم الجيش في معركته ضد الارهاب في عرسال ومنهم ابو احمد جمعة والتعهد بعدم التعرض لمخيمات النازحين في عرسال.

وبحسب المصادر، فان المبادرة التي لعب فيه وزير العدل اشرف ريفي دورا اساسيا، عبر احد ابناء عرسال كقناة اتصال مع المسلحين، بالتنسيق مع الرئيس تمام سلام وقائد الجيش، والرئيس سعد الحريري آلت الى النقاط التالية: وقف اطلاق النار،نقل الجرحى الى المستشفيات، حيث علم ان عددا من جرحى الجيش يتواجدون داخل المستشفى الميداني في البلدة، انسحاب المسلحين الى الجرود تمهيدا لانسحابهم نهائيا الى سوريا، تحرير اسرى الجيش والقوى الامنية، تأمين محاكمة عادلة للموقوف عماد احمد جمعة، علما ان الخلاف على الاولويات اعاق تطبيق الهدنة، ففي حين يريد المسلحون وقف النار اولا تريد القيادة ومن خلفها الحكومة اطلاق المخطوفين اولا وقبل اي موقف آخر.

ورغم القرار الصعب الذي اتخذه الجيش بالمواجهة تقول المصادر مع فشل كل محاولات التفاوض لتأمين وقف لاطلاق النار او التفاهم على هدنة انسانية، تظهر الوقائع الميدانية للمعارك وجود عوامل كثيرة تجعل ما يجري في عرسال أشبه بالسير وسط حقل ألغام سياسي- عسكري، ليس اقله حرب استنزاف طويلة ومعقدة، بكلفة اكبر من تلك التي تكبدها الجيش في نهر البارد، تجعل لبنان اسير سيناريوهات مقلقة وغامضة، وسط المخاوف من تحرُّك خلايا ارهابية نائمة في مناطق اخرى للقيام بعمليات او تسديد ضربات، علماً ان هذه الخشية استدعت رفع مستوى الاستنفار العسكري والامني ليشمل الاراضي اللبنانية كافة وكل القوى العسكرية والأمنية وأجهزتها، وعودة الاجراءات الامنية المشددة وقطع الطرقات الى محيط المقرات الامنية مدعمة بالآليات المصفحة.

فصعوبة تسليم الجيش اللبناني بمنطق «الهدنة» التي جرى الحديث عنها تضيف المصادر لا سيما بعد التقارير التي اعلنتها قيادة الجيش وتناقلتها وسائل الاعلام عن ممارسات المسلحين داخل عرسال اضافة الى الحصيلة الثقيلة لضحايا الجيش، وارتفاع عدد المفقودين الى ما فوق العشرين، غير العناصر العشرين من قوى الامن الداخلي، حيث اكدت مصادر عسكرية ان اي حديث عن اي وقفٍ لاطلاق النار او هدنة انسانية سيكون هدفه اطلاق العسكريين الاسرى،كشرط أول لمواصلة تطبيق باقي البنود، التي يجب ان تتضمن بشكل واضح انسحاب المسلحين الكامل من كل الاراضي اللبنانية، وملاحقة المعتدين على المراكز العسكرية وعلى العسكريين.

وبحسب المراقبين العسكريين، يستشف بشكل واضح، من طبيعة العمليات الميدانية، التي تُستخدم فيها المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ والدبابات والطيران اضافة الى افواج الوحدات الخاصة، الى ان الجيش يستعدّ لهجوم واسع للقضاء على المسلحين، رغم الصعوبات التي تعترض عملية الحسم داخل البلدة حيث تتواجد كثافة سكانية عالية. فالتطورات على الارض، بحسب مصادر عسكرية مشاركة في العمليات الجارية، تشير الى تقدم واضح حققه الجيش على محورين اساسيين: المحور الاول الممتد من مفرق مستوصف الرئيس رفيق الحريري صعودا باتجاه المهنية ومقر قيادة الكتيبة 83 المجاور لها، والذي يكتسب اهمية استراتيجية بسبب سيطرته بالنار على بلدة اللبوة واحد خطوط الامداد الرئيسية لوحدات الجيش، وقد نجحت الوحدات العسكرية في استعادة السيطرة على المواقع التي خسرتها على هذا المحور وصولا الى تلة ضهر الجبل المشرفة على المهنية، بعد معارك ضارية تكبد خلالها المسلحون عشرات القتلى والجرحى، متمكنة من تعزيز الوحدات المتمركزة على هذا المحور ومؤمنة طرق الامداد والدعم.

اما المحور الثاني فهو في محيط عرسال والى الشمال منها في المصيدة ووادي حميد حيث تسعى وحدات الجيش للسيطرة على هذه المنطقة لقطع خطوط الامداد عن المسلحين لا سيما تلك القادمة من الداخل السوري الى منطقة عجرم، ما سيسمح للوحدات العسكرية بالتقدم باتجاه عرسال والالتفاف على المسلحين، ليتأمن بذلك خط الدفاع الاول الممتد من المهنية، المصيدة، وادي حميد.

واشارت المصادر الى ان المسلحين يستخدمون تكتيكين مختلفين في قتالهم، الاول يقوم على قتال العصابات بمعنى أنهم يتحركون كمجموعات لا يتعدى عدد أفرادها الـ3 أو 4 مسلحين، والثاني يعتمد العقيدة الصينية من خلال شنّ أكثر من هجوم بأعداد كبيرة دفعة واحدة على موقع واحد، كما كان يفعل الفلسطينيون خلال معارك سوق الغرب، معتمدين بذلك على عنصر المفاجأة السريعة.

المصادر العسكرية التي لفتت الى ان لا توقيت محدّداً للعملية العسكرية قبل إتمام المهمّة التي كُلّف بها الجيش اللبناني، وان تطورها رهن بمجريات المعركة اشارت الى ان الخطة الموضوعة تقوم على :

-محاولة الحسم السريع من خلال الحشد العسكري الضخم والنوعي الذي امنه انتشار الافواج الخاصة من مجوقل ومغاوير والتدخل الخامس والرابع، فضلا عن فوج مدفعية مجهز بمدافع من عيار 122ملم و155 ملم فضلا عن سرية راجمات صواريخ، وسرايا من فوج المدرعات انتشرت الى جانب اللواء الثامن، الذي استفاد المسلحون من وصوله حديثا الى المنطقة وعدم معرفته الجيدة بالارض ما ساعدهم على تحقيق عنصر المفاجئة، يضاف الى كل تلك القوى الدعم الذي يقدمه سلاح الجو سواء عبر مهمات الاستطلاع او التغطية او الانزال .

-استعادة المواقع التي خسرها الجيش وقطع طرق الامداد عن المسلحين في البلدة ومحيطها.

-احكام الطوق على المسلحين الموجودين داخل عرسال،رغم ان ذلك سيضع قسما من الوحدات العسكرية ضمن كماشة، اذ سيكون ظهر هذه الوحدات عرضة للهجمات عبر الحدود السورية.

الا ان التداعيات التي تتخوف منها القيادة العسكرية بحسب المصادر بدأت تلقى مداها في الشارع، عبر الاحداث المدروسة والمتنقلة في طرابلس، وامتداد الحركات المشبوهة الى بعض مناطق بيروت ومحيط مدينة زحلة، في ظل المعلومات الامنية عن تحضيرات لتحركات اكبر وسط ما نسب عن دعوة للشيخ داعي الاسلام الشهال للجنود اللبنانيين بعدم القتال في صفوف الجيش، عزز كل ذلك التطور النوعي والمقلق الذي حصل صباح امس مع اطلاق النار على حافلة كانت تقل عسكريين عزل متجهين الى مراكز عملهم، قرب دوار ابو علي، بعد ليل طويل من عمليات الكر والفر في الشوارع الداخلية للمدينة بعد الاستهداف الممنهج لحواجز الجيش الذي وصل لاول مرة الى منطقة دير عمار، ما دفع بالجيش الى تنفيذ استقدام تعزيزات عسكرية واقامة طوق امني حول منطقة التبانة.

اجراءات ترافقت مع مداهمات ليلية نفذتها قوى الامن الداخلي بمؤازرة عناصر من مخابرات الجيش لتجمعات النازحين السوريين في كفرجوز ـ النبطية، حيث تم التدقيق في هويات قاطنيها، في خطوة استباقية ومن باب الاحتياط للحفاظ على الامن والاستقرار في المنطقة، اما في عين الحلوة، فقد وضعت «اللجنة الامنية الفلسطينية العليا« نفسها في حال انعقاد دائم، حيث خلصت اجتماعاتها إلى إعطاء الضوء الأخضر لـ«القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة» للقيام بدورها الفاعل في الحفاظ على أمن المخيم واستقراره وردع اية اعمال مشبوهة تستهدف المخيم وجواره.

اسئلة كثيرة مطروحة حول المستقبل، خصوصاً أن استهداف عرسال والجيش وقوى الامن الداخلي لم يأت من الجرود بل من المسلحين السوريين الموجودين في مخيمات البلدة والذين خرج بعضهم من مخيّمات اللاجئين. صحيح ان ما حصل كان متوقعاً منذ مدة، ولكن هل يكون بداية لسلسلة من الحوادث الامنية المتنقلة أم انه حدث معزول في المكان والزمان؟ وهل هو تمهيد لتمدد الحالة «الداعشية» الى لبنان؟