IMLebanon

الجيش يطرد الإرهابيِّين ويُحرّر المدنيِّين مُحصّناً سياسياً وشعبياً

إندحرَ إرهابيّو «داعش» و»جبهة النصرة» من عرسال إلى جرودها، فالأراضي السورية، وذلك تحت ضربات الجيش الموجعة، وهم يجرّون أذيال الهزيمة والخيبة بعد إحباط مخطّطهم الإرهابي الذي يستهدف وحدة لبنان الترابية والبشرية، تاركين قتلاهم جثثاً متناثرة هنا وهناك، فيما دخلت القوى العسكرية البلدة واستعادتها إلى حضن الوطن، وبدأت قوافل النازحين السوريين إليها العودةَ المعاكسة.

فقد بدأت عرسال أمس تستعيد عافيتها تدريجاً بعدما دحرَ الجيش الإرهابيين والتكفيريين إلى جرودها بفعل ضرباته لهم بلا هوادة، مُصمّماً على ملاحقة فلولهم وتحرير العسكريين المحتجَزين لديهم، رافضاً المساومة على دماء شهدائه، ومحصَّناً بغطاء سياسي وباحتضان شعبيّ واسع، ومدعوماً بمواقف دولية تساند معركته ضد الإرهاب، وبمساعدات عسكرية وأخرى ماليّة، وآخرُها هبة سعودية بقيمة مليار دولار.

وقد تمكّن الفوج المجوقل أمس من تحرير سبعة عناصر من قوى الأمن الداخلي كانوا يختبئون في منزل أحد الأشخاص من آل الحجيري، فيما بدأ نازحون سوريّون يغادرون الى بلادهم عبر نقطة المصنع الحدودية.

قهوجي

وعقد مجلس الوزراء أمس جلسة أمنية بامتياز، شارك في جانب منها قائد الجيش العماد جان قهوجي وعدد من قادة الاجهزة الامنية، وأكّد رئيس الحكومة تمام سلام خلالها «أنّ موقف السلطة هو الدعم الكامل للقوى المسلحة، ورفضُ أيّ تساهل مع مَن انتهَك سيادة لبنان».

واستمعَ المجلس من قهوجي الى عرضٍ لسير الوضع الميداني وصورة الوضع الإنساني في عرسال وجوارها، وما يقوم به الجيش والقوى الأمنية لدحرِ المسلحين وإعادة الأمن الى البلدة. وطمأنَ قهوجي الى أنّ الوضع في البلدة جيّد جداً، وأبلغَ الى مجلس الوزراء أنّ المسلحين انسحبوا منها عند الثالثة فجر أمس، وقال: «إنّ أسرى الجيش وقوى الأمن لم يكونوا أساساً داخل البلدة».

مجلس وزراء

وكان مجلس الوزراء قرّر أمس تطويع 12 ألف عنصر بين ضابط ورتيب لمصلحة القوى الأمنية والعسكرية، حيث سيرفع عدد المتطوّعين إلى 4000 في قوى الأمن و500 في أمن الدولة و500 مفتش و500 مأمور في الأمن العام، إضافة إلى 5000 جندي في الجيش و 369 تلميذاً ضابطاً و200 تلميذ رتيب في الجيش.

برّي

وفي هذا السياق أبدى رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زوّاره أمس ارتياحَه إلى قرار مجلس الوزراء بفتحِ باب التطوّع في الجيش والقوى الأمنية، وقال: «هذا ما طالبنا به دائماً، ولكنّ المستغرَب حتى الآن أنّ لبنان لم يتلقّ من فرنسا حتى الساعة أيّ طلقة ناريّة في نطاق هبة الـ 3 مليارات دولار التي قدّمتها السعودية للجيش اللبناني، على الرغم من انقضاء أشهر على هذه الهبة، والاجتماعات التي عُقدت في إطارها وحدّدت خلالها قيادة الجيش لوائحَ الأسلحة التي تحتاجها المؤسسة العسكرية، ولكنّ لبنان لم يتسلّم من فرنسا بعد أيّ شيء، فكيف بالحريّ في ظلّ هذه الأوضاع.

لكنّ ما أخشاه هو أن يكون هناك من يضعنا تحت السقف الإسرائيلي، بمعنى عدم تزويد الجيش أسلحة متطورة خشية استخدامها ضد إسرائيل، أو لأنّ هناك مقاومة في لبنان ضدّ إسرائيل. وأعتقدُ أنّ هبة المليار دولار التي قدّمها الملك عبدالله للجيش هي استدراك من المملكة بأنّ الهبة الأولى لم ينفّذ منها شيء بعد.

ولقد قلتُ هذا للسفير السعودي علي عواض عسيري عندما التقيته، لكي تتحرّك المملكة مجدّداً في اتّجاه فرنسا، لتحريك المساعدات العسكرية المقرّرة بموجب الهبة السعودية للبنان، وقلتُ في الإطار نفسه للسفير الاميركي ديفيد هيل الذي التقيته ايضاً، إنّكم فتحتم عنابرَكم لإسرائيل خلال عدوانها على غزّة، بما فيها الاسلحة الموجودة في السفارة الاميركية في إسرائيل، ولا بدّ أنّ لديكم شيئاً تخبّئونه في لبنان، فقدّموه للجيش اللبناني».

وأضاف برّي: «إنّ ما قبلَ عرسال ليس كما بعدها». واعتبر «أنّ عودة 1800 نازح سوري من عرسال إلى الاراض السورية مسألة مهمّة جداً، وهذا ما كنّا طالبنا به من عودة للنازحين السوريين الى المناطق الآمنة في سوريا، وندعو إلى الاستمرار في ذلك بالتنسيق مع السلطات السورية، خصوصاً أنّ أصوات البعض بُحَّت بالمطالبة بعلاقات ديبلوماسية بين سوريا ولبنان، فلنترجم ذلك الآن. ومن الآن فصاعداً لا بدّ من التعامل مع مخيّمات النزوح السورية بطريقة مختلفة وعدم التساهل في هذا الموضوع، بعدما تبيّنت علاقتها بالمسلحين».

وقال: «إنّ قضية عرسال لم تنتهِ بعد، ويجب التحوّط، لأنّها يمكن أن تتكرّر في عرسال وخارجها، بعد الغدر الذي لحقَ بالجيش. وعلى الدولة أن تفتح عينيها جيّداً على عرسال وأن ينتشر الجيش في داخلها ويكونَ المسؤول الوحيد عن الأمن وتوزيع المساعدات والإغاثة، خصوصاً أنّه تبيّن وجود عدد من أبناء البلدة قد تعاونوا مع المسلحين، وأنّ القانون يجب أن يأخذ مجراه حيال هؤلاء ولا غطاءَ لأحد».

وإذ تبلّغ برّي من بعض الجهات المهتمة بقضية عرسال أنّ الاتصال فُقد بالمسلحين خاطفي العسكريين الذين انسحبوا إلى الأراضي السورية، سُئل: هل يخشى أن يقايض المسلحون العناصرَ العسكرية الأسرى لديهم بسُجناء رومية مثلما طالبوا سابقاً؟ فأجاب: «نحن ضد أيّ شكل من أشكال التفاوض والمقايضة مع المسلحين الإرهابيين، ولن نفتح الباب في هذا الموضوع، خصوصاً في موضوع سُجناء رومية، فسابقاً لم نقايض مخطوفي إعزاز بسُجناء رومية ولا بأيّ شيء آخر، ولم نرضخ، لكنّني أخشى أنّنا أمام إعزاز جديدة».

سلام

وإلى ذلك، تابع سلام اتصالاته مواكباً الوضع في عرسال والتطوّرات التي شهدتها، وتحديداً ما يتصل بحجم العمليات العسكرية التي انحسرت بعد انسحاب المسلحين. واتّصل بعدد من القادة العرب والأجانب، وأبرزُهم الملك الأردني عبد الله الثاني وأمير قطرالشيخ تميم بن حمد آل ثاني ورئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان، وتشاورَ معهم في الأوضاع، خصوصاً الهجمة الأخيرة التي تعرّضت لها عرسال، وما يمكن أن تقدّمه بلادهم لمواجهة الإرهاب التي باتت مسؤولية دولية وإقليمية أكثر منها محلية.

وقالت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» إنّ العاهل الأردني كلّف وزير خارجيته ناصر جودة متابعة الموضوع مع نظيره اللبناني جبران باسيل ومع الحكومة، مبدياًَ استعداد المملكة لأيّ مساعدة في أيّ مجال، خصوصاً في المجال العسكري، فالأسلحة الأردنية التي يستخدمها الجيش الملكي الأردني هي نفسها التي يستخدمها الجيش اللبناني بنحو شبه شامل، وإنّ تبادلاً للخبرات العسكرية بين البلدين يُعتبر تقليداً مُتّبعاً منذ عقود.

من جهته، أكّد أمير قطر لسلام استعداد بلاده لتقديم أيّ عون في مختلف المجالات السياسية والعسكرية، ولتشكيل فريق سيكون على تواصل مع رئيس الحكومة لمواكبة كلّ الجهود المبذولة لدعم الجيش وكلّ المؤسسات اللبنانية التي ألقِيَت على عاتقها مسؤوليات تتجاوز قدرات اللبنانيين في مواجهة الأزمة الأمنية الأخيرة وما تعرّض له لبنان من اعتداء، وكذلك بالنسبة الى مواجهة كِلفة النازحين واللاجئين السوريين. وأكّدت المصادر أنّ أيّ شيء نهائي لم يتقرّر، لكنّ الإتصالات مستمرّة بكلّ الوسائل المتاحة، السياسية والديبلوماسية والعسكرية.

وقالت مصادر سلام لـ»الجمهورية» إنّه فوّض إلى قيادة الجيش التنسيقَ مع مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية ليكون العمل منسّقاً وبفعالية مطلوبة في هذه المرحلة الدقيقة، واطّلع على احتياجات المؤسسات العسكرية والأمنية قبل أن يوسّع اتصالاته مع القادة العرب.

وردّاً على مضمون بعض البيانات التي أصدرَتها المجموعات الإرهابية المسلحة، ولا سيّما منها بيان «جبهة النصرة» الذي طالبَ بضمانات لأهل عرسال، قالت هذه المصادر أن «لا علاقة لهذه المجموعات الإرهابية بأهالي عرسال، فهم مواطنون لبنانيون يحظون برعاية دولتهم والمؤسسات الأمنية والعسكرية والإغاثية وغيرها، وأنّ أيّ كلام منسوب الى هذه المنظمات لا يعني أيّ مسؤول لبناني ولا يلزمه بأيّ شيء في أيّ موقع كان، خصوصاً على مستوى الأجهزة العسكرية والحكومية».

وفي السياق نفسه، أكّدت المصادر أنّ الاستعدادات العسكرية واللوجستية اتُّخذت لانتشار الجيش وقوى الأمن الداخلي في عرسال وفي أيّ موقع يرى الجيش أنّه مناسب لإنجاز المهمة التي كُلّف بها، وتأمين سلامة أبناء البلدة والطرق المؤدية إليها والقرى المحيطة بها.

وأشارت المصادر إلى أنّ سلام تبلّغ أوّلاً بأوّل نتائج مساعي «هيئة العلماء المسلمين» على كلّ المستويات، وهو يواكب عملهم، وأنّ الساعات المقبلة ستحمل بشائر طيّ صفحة المخطوفين من عسكريّي الجيش وعناصر قوى الأمن الداخلي».