IMLebanon

الدولة مُربكة.. والفتنة على الأبواب!

كشفت قضية العسكريين المحتجزين هزالة الوضع المتردّي في البلد، وفضحت حالة الإرباك والتردد التي تهيمن على الدولة ومؤسساتها الدستورية، وطبعاً الأجهزة الأمنية.

جمهورية بلا رئيس.. مجلس النواب معطّل.. مجلس وزراء تحوّلت جلساته إلى حقول ألغام، بعدما أصبحت قراراته أسيرة الإجماع.. سرطان التسيّب والفساد يضرب الإدارات العامة، ويعطل مصالح الناس.. أزمات معيشية متفاقمة على إيقاع انهيار قطاع الكهرباء، رغم كل ما أنفق عليه من مليارات الدولارات، ومشكلة مستعصية للمياه، لا حلول متوفرة لها حالياً!

وزادت الضغوط النفسية والإعلامية على أهالي العسكريين أولاً، ثم على اللبنانيين، كل اللبنانيين، ثانياً وثالثاً، أجواء التوتر السياسي والأمني في البلد، ورفعت منسوب الحساسيات الطائفية والمذهبية والمناطقية، وكادت تؤدي، في أكثر من منطقة، إلى تصادمات طائفية ومذهبية انتحارية للجميع، لأنها تزيد الانقسامات انقساماً، في وقت أحوج ما يكون الوطن فيه، الى تماسك الجبهة الداخلية، وإلى التسلح بالحكمة والوعي، من الجميع لتفويت الفرصة على المتربصين بأمن واستقرار لبنان، لتنفيذ مخططاتهم المشبوهة والخبيثة، في جرّ البلد إلى الاتون المشتعل في سوريا والعراق.

* * *

من المحزن فعلاً، أنّ القيادات السياسية، وامتداداتها الشعبية في الشارع، لم تستوعب درس احتجاز العسكريين الأشاوس، الذين قاتلوا معاً، ووقعوا في الأسر معاً، ولم تميّز الجهات الخاطفة بين طوائفهم ومذاهبهم عندما تمّ نقلهم إلى مراكز المسلحين، ومع ذلك سارعت بعض الأطراف إلى النفخ في الرماد الطائفي، وإشعال نيران الفتنة المذهبية، وإطلاق صيحات التحدّي والاستفزاز الجاهلية، بما كاد يهدّد بتحويل المعركة بين أهل المنطقة الواحدة، بين عرسال واللبوة، رغم كل ما يجمع بينهم من أواصر الجيرة والروابط العائلية، والمعاناة الواحدة بسبب الحرمان والتهميش!

لقد افتدى الرقيب الشهيد علي السيّد بدمائه الزكية، وطنه وأهله وطائفته، حيث أظهرت جريمة ذبحه المروعة، أن الإرهاب لا دين ولا طائفة ولا مذهب له. ولم يشفع للعسكري الشهيد أنه ينتمي إلى ملّة جلاديه، وهو ابن منطقة معروفة بتديّنها وفقرها، وحاول المغرضون تصويرها بأنها «بيئة حاضنة» للإرهاب والتطرّف!

* * *

نعم، الدولة كانت مُربكة في التعاطي مع قضية العسكريين، لأن عناصر الضعف والوهن والتفكك، أفقدت المرجعية اللبنانية قدرة المبادرة والتماسك، والإقدام بشجاعة وثبات.

الحالة الشعبية في غليان متصاعد، والبنية السياسية كانت تزداد تضعضعاً، ساعة بعد ساعة، بسبب التباعد في الطروحات المطروحة حول كيفية تحرير العسكريين، واستعادتهم سالمين إلى عائلاتهم، وجاء الاستغلال الإعلامي الرخيص لمشاعر أهالي العسكريين، ليصبّ الزيت على نار الأزمة، التي كانت تُنذر بانفجار داخلي مريع.

أدى هذا الوضع المُربك للدولة، وللطبقة السياسية بأسرها، إلى تعطيل الأوراق العديدة، التي يمكن طرحها في وجه الخاطفين، بدءاً من إمكانية توسيع حملات الدهم في المخيمات، وتعريض عائلات المسلحين وأنصارهم للخطر، إلى إمكانية تشديد الأحكام على الموقوفين، وصولاً إلى تهديد سلامة مئات الألوف من النازحين السوريين، خاصة في المناطق والبلدات التي ينتمي إليها العسكريون المحتجزون.

ولا ندري إذا كانت «هيئة العلماء المسلمين»، قد أعادت إلى ذاكرة قيادات الخاطفين، حجم المساعدات والتسهيلات التي يقدمها لبنان إلى مئات الألوف من العائلات السورية، إلى جانب تأمين العلاجات للمصابين في معارك القصير والقلمون، وتسهيل نقلهم إلى الأراضي اللبنانية.

ولا ندري إذا بقي الإسلاميون السجناء في سجن رومية مطلباً على لائحة المسلحين، أم تحولوا إلى ورقة بيد السلطة اللبنانية.

* * *

يبقى التنبه لخطورة التلاعب بنيران الشعارات الدينية، من مسؤولية الدولة أولاً طبعاً، وبالقدر نفسه، مسؤولية كل الأطراف السياسية: إسلامية ومسيحية، سنية وشيعية، وذلك بعيداً عن المزايدات الفارغة، ولعدم الانجرار إلى إثارة النعرات القاتلة، لأن أجواء التوتر والاحتقان قابلة للاشتعال، عند أدنى شرارة تدسها الأيدي الخبيثة.

ما جرى في الأشرفية، وما يشاع عمّا جرى في طرابلس، وجهان لنتيجة واحدة: إشعال الفتنة، وجرّ البلاد والعباد إلى أتون حروب جديدة!