بعد انتهاء مسابقة كأس العالم الأحد المقبل، لن يتأخّر اللبنانيّون في إيجاد ما يُلهيهم ويملأ فراغهم، لأن حفلة مزايدات جديدة محورها الإنتخابات النيابية ستنطلق، وكل القوى السياسية ستتسابق في إطلاق مواقف التأييد لإجرائها ورفض التمديد للمجلس النيابي الممدّدة ولايته أصلاً. ولكن في حقيقة الأمر، أن لا أحد يريد الإنتخابات الآن، لا في قانون الستين ولا في أي قانون آخر، والحجة هي ذاتها، الأمن.
إذا لم نكن مستعدّين للمخاطرة بإقامة إفطارات رمضانية في أحياء محدّدة ومعدودة يمكن حمايتها أمنياً، فهل نحن قادرون على إجراء إنتخابات نيابية شاملة في كل لبنان؟
والدوامة هي نفسها، الإحتكام الى صناديق الأسلحة والمتفجرات من سوريا الى العراق، بدل الإحتكام الى صناديق الإقتراع في لبنان.
«حزب الله» يُعطي الأولوية لما يحصل من تطورات استراتيجية في المنطقة. إنه جزء منها، وربما مُساهم في إعادة رسم الحدود السياسية لبعض دولها، من خلال قتاله الى جانب «النظام» في سوريا.
وقد اضطر «الحزب» الى إرسال مزيد من قواته العسكرية الى سوريا لتعويض النقص العددي الذي نتج عن انسحاب عدد من الميليشيات العراقية الشيعية، التي كانت تقاتل الى جانب «النظام»، من سوريا الى العراق لمواجهة إجتياح «داعش».
وكذلك أرسل «الحزب» كوكبة من كوادره ومستشاريه وخبراء في التفجير الى العراق، لإعادة إحياء الميليشيات المؤيدة لإيران ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وتدريبها والقيام ببعض العمليات النوعية الخاصة.
كذلك يُدرك تيار «المستقبل» أن الأوان ليس للإنتخابات النيابية في لبنان، وأن المواجهة الكبرى على مستوى المنطقة هي التي ستحدّد الرابح والخاسر، وتُلقي بتداعياتها على الداخل اللبناني وترسم ملامح المستقبل وإعادة تكوين السلطة، سواء في مواجهة ديموقراطية إنتخابية، أو في تفاهم على الإئتلاف وتقاسُم السلطة.
وحتى يتبيّن الأبيض من الأسود، ستمرّ فترة وصفها الرئيس نبيه بري بالـ «wait and see»، حيث تُبرّد كل الإستحقاقات في ثلّاجة الإنتظار، فيما تحترق أعصاب اللبنانيين الخائفين على مصير بلدهم من جهة، وعلى حياتهم من أي عمل إرهابي من جهة أخرى، على رغم كل الجهود المضنية التي يقوم بها الجيش والقوى والأجهزة الأمنية في مواجهة الإنتحاريين وإفشال مخططاتهم.
وما يُضفي على هذه المخاوف جدّية، هو أن تعيين «أمير» على لبنان يُدعى عبد الرحمن يوسف عبد السلام الأردني، إذا صحّت المعلومات، يعني أنه كأي شخص يتسلّم مسؤولية جديدة، سيُحاول وضع بصماته على عمل كبير من أجل إثبات «أهليّته وجدارته» للمنصب وفرض نفسه على مجموعاته من خلال ضربة إرهابية موجعة.
ويبقى السباق بين الأمن والإرهاب مشتعلاً بلا أي منطق ولا حساب، فيما يستمر الفراغ الرئاسي والتمديد النيابي وتبادل الإتهام السياسي، ويدخل البلد في سبات قاتل.