IMLebanon

«السلسة» إلى 27 و«التنسيق» تعود إلى العمل والأولوية للرئاسة

 

توزّع المشهد السياسي أمس بين قراءة أبعاد الموقف السعودي الجديد حيال إيران، والذي ترافقَ مع رفع حظر سفر الخليجيّين إلى لبنان، وبين التحرّك الديبلوماسي وخصوصاً الأميركي عشيّة جلسة انتخاب رئيس جمهورية جديد، وبين متابعة اليوم النقابي الطويل والمناقشات النيابية لمشروع سلسلة الرتب والرواتب في مجلس النوّاب على وقع أصوات غضبِ النقابيّين والعمّال في القطاع العام خارج القاعة، في حين انتهى اليوم النقابي الطويل إلى ترحيل المواد الخلافية الكبيرة، أي TVA والأملاك البحرية وتسوية الدرجات بين الإداريّين والعسكريين إلى جلسة تشريعية تُعقد في 27 الجاري، كون المجلس يدخل اعتباراً من اليوم في عشرةِ الأيام الأخيرة من المهلة الدستورية والتي يحصر فيها عمله بالشِّق الانتخابي، ولكنّ هذه المسألة شكّلت نقطة خلافيّة في ظلّ تمسّك كُتل نيابية عدّة بمضمون المادّتين 74 و75 لجهة تحوّل المجلس بعد انتهاء المهلة وفي حال عدم انتخاب رئيس إلى هيئة انتخابية حصراً، فيما أعلنت هيئة التنسيق» أنّها ستحدّد خطواتها بعد 25 أيار، ودعت إلى متابعة التدريس والعمل بشكل عاديّ وطبيعي. وما أثار أيضاً جدلاً واستياءً يتّصل بمضمون التقرير لناحية محاولات المَسّ بحقوق العسكريّين وتطويقهم، حيث خفّضت الزيادات التي كانت مقترحة في المشروع الأساسي بنِسب كبيرة، أي حوالي 25 في المئة، وتتفاوَت النسب بين الرتب العسكرية، لكنّها تعرّضت كلّها للخفض والبتر، وكأنّ قدَر العسكريين الذين حموا الاستقرار طوال السنوات التِسع المنصرمة بصدرِهم وعرقِ جبين عديدهم وشهادات عناصرِهم أن تتمّ مكافأتهم بالتنكّر لتضحياتهم، على رغم أنّ ما يقوم به العسكر هو من أبسط واجباته، ولا ينتظر مكافأةً من أحد، ولكن ليس بهذه الطريقة تتمّ حماية الاستقرار والسلم الأهلي، خصوصاً أنّ التحدّيات التي واجهها والملقاة عليه مستقبلاً كبيرة وتبدأ بالحدود اللبنانية-السورية ولا تنتهي بالاستراتيجية الدفاعية وما بينهما الأمن في الداخل.

شكّل الموقف السعودي المستجدّ من العلاقة مع إيران محور اتصالات ومتابعة، في محاولة لتقصّي أبعاده، وقد تبيّن بنتيجة المعلومات أنّ الخطوط المفتوحة لا تعني تسويات ولا تنازلات، إنّما إبداء رغبة في مقاربة الملفّات الخلافية، والدليل ما يحصل على مسار الملف النووي بين المجموعة الدولية وطهران في ظلّ الإصرار الدولي على حلّ هذه القضية من دون أيّ مقايضة أو مكاسب سياسية لإيران. وفي هذا السياق قال ديبلوماسيّ خليجي لـ»الجمهورية» إنّه مع تقدّم المفاوضات الدولية مع طهران كان لا بدّ من كشف النيّات الإيرانية، لأنّ عنوان المرحلة المقبلة يتصل بالدور الإقليمي لطهران ومدى استعدادها في إطفاء الحرائق المشتعلة في أكثر من دولة عربية.

وأكّد الديبلوماسي أنّ السعودية أرادت رميَ الكرة في ملعب طهران لقطع الطريق على الذرائع التي تحمّل الرياض مسؤولية غياب التواصل ومواصلة إقفال قنوات الحوار، وقال من الخطأ تحميل هذه المبادرة أكثر ممّا تحتمل، وأشار إلى أنّ الحراك لا يعني حصول أيّ اختراق، حيث كلّ طرف ما زال على موقفه من كلّ القضايا الخلافية.

ترحيب إيراني

فقد رحّبت طهران بإجراء مفاوضات ولقاءات مع الرياض لتسوية المشكلات الاقليمية وتبديد الغموض وتطوير العلاقات. وأكّدت أنّها لم تتلقَّ بعد دعوة سعودية مكتوبة، لكنّ لقاءً بين وزيرَي خارجية البلدين سعود الفيصل ومحمد جواد ظريف مُدرجٌ على جدول الأعمال.

وأعقب الموقف السعودي الأخير، إعلان سفيرها في لبنان علي عواض عسيري قرار بلاده رفع حظر سفر الخليجيين الى بيروت، وقوله إنّه تلقّى تأكيدات باستمرار الحكومة اللبنانية في تطبيق الخطة الامنية، وحرصها على أمن وسلامة المواطنين السعوديّين أثناء تواجدهم في لبنان، في وقتٍ حثّت الرياض الولايات المتحدة الاميركية على مراعاة التهديدات المتنامية لأمن الخليج، ودعتها إلى تعزيز التعاون العسكري بين واشنطن ودوَل الخليج.

وفي سياق التغييرات السعودية الداخلية أصدرَ العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز سلسلة أوامر ملكية تتضمّن إجراء تغييرات واسعة في وزارة الدفاع، ورئاسة هيئة الأركان العامّة، وقيادة القوات الجوّية والبحرية.

حراك ديبلوماسي

وسط هذا المشهد، لا يزال مسار الاستحقاق الرئاسي معلّقاً في انتظار التوافق على الرئيس العتيد، وتؤشّر المعطيات الى أنّ الجلسة الانتخابية اليوم لانتخاب الرئيس لن يكون مصيرها أفضل من سابقاتها من حيث فقدان النصاب.

وانتقل الحراك الديبلوماسي من الخفاء الى العلن، وسُجّلت أمس حركة اميركية – فرنسية باتجاه وزارة الخارجية.

وفي هذا الإطار، زار السفير الفرنسي باتريك باولي قصر بسترس بعيداً من الإعلام، وعرض مع وزير الخارجية جبران باسيل العائد من الرياض الظروفَ التي تواكب الإتصالات الجارية في سبيل إمرار الإستحقاق ضمن المهلة الدستورية، وما يعيق عقدَ جلسة بنِصاب كامل.

وعلمت «الجمهورية» أنّ السفير باولي وجّه عدداً من الأسئلة الى باسيل تركّزت في مجملها على كلّ ما يحيط بهذا الإستحقاق، مستفسِراً عن نتائج الإتصالات الجارية بين تيار «المستقبل» و»التيار الوطني الحر»، باعتبار أنّ باسيل طرفٌ أساسيّ في هذه الإتصالات.

كذلك تطرّق البحث الى نتائج زيارة باسيل الى السعودية ولقائه نظيرَه السعودي الأمير سعود الفيصل على هامش المؤتمر الإقتصادي الذي شاركَ فيه على رأس وفد لبنان.

ومن وزارة الخارجية، توجّه السفير الفرنسي الى وزارة الدفاع حيث التقى قائد الجيش العماد جان قهوجي يرافقه الملحق العسكري العقيد أوليفييه لابروس، وتناول البحث الأوضاع العامة والعلاقات الثنائية بين جيشَي البلدين.

رسالة أميركية

وفي الحراك الديبلوماسي أيضاً برزَت زيارة السفير الأميركي دايفيد هيل لباسيل. وأعلنَت وزارة الخارجية أنّ هيل زار الخارجية متأخّراً عن موعده المقرّر سَلفاً بساعتين لأسباب أمنية، بعدما كُشف الموعد المحدّد عبر بعض وسائل الإعلام في الأولى بعد الظهر، وسلّم إليه رسالة من نظيره الأميركي جون كيري.

وبعد اللقاء الذي استمرّ أربعين دقيقة، غادر هيل من دون الإدلاء بأيّ تصريح، تزامُناً مع تكتّم شديد أوصى به باسيل حول شكل الرسالة ومضمونها.

لكنّ مصادر ديبلوماسية كشفَت لـ»الجمهورية» أنّ الرسالة أكّدت إصرار الولايات المتحدة الأميركية على علاقات جيّدة مع لبنان، والتأكيد على استمرار التنسيق في كلّ ما يؤدّي الى تعزيز الإستقرار في لبنان على كلّ المستويات، خصوصاً على مستوى تردّدات الأزمة السورية وانعكاساتها على الساحة اللبنانية، وضمان استمرار الهدوء على الحدود الجنوبية ومنطقة عمل القوّات الدولية في ضوء ما شهده الخط الأزرق من خروق إسرائيلية برّية وبحرية. كذلك بالنسبة الى استمرار التعاون بشأن بعض الملفّات الإقتصادية والنفطية والمالية والعسكرية، لا سيّما لجهة مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال.

وتضمّنت الرسالة أيضاً حضّاً أميركياً للمسؤولين في لبنان على الإسراع في انتخاب رئيس جمهورية ضمن المهلة الدستورية لضمان انتقال سليم للسلطة من عهد إلى عهد في المواعيد الدستورية المحدّدة.

واستفهم هيل من باسيل عن نتائج زيارته الى السعودية ونتائج لقاءاته مع تيار «المستقبل» بشكل عرَضي، متسائلاً عن الأسباب التي دفعت البعض الى تعطيل النصاب الدستوري لانتخاب الرئيس.

هيل عند السنيورة

ثمّ زار هيل رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة، وجرى البحث في أوضاع لبنان من مختلف الجوانب، ولا سيّما ما يتصل منها بالإستحقاق الرئاسي في ضوء الحوار بين تيار «المستقبل» و»التيار الوطني الحر» وما يعيق انتخاب رئيس جمهورية جديد في جلسة يتوفّر فيها النصاب الدستوري.

وشرحَ السنيورة للسفير الأميركي خلفيّات موقف «المستقبل» وقوى 14 آذار ونتيجة الحراك السياسي الجاري، ورؤيته للمرحلة المقبلة.

إجتماعات دوريّة

وكشفَت شخصية قيادية في قوى 14 آذار لـ»الجمهورية» أنّ هذه القوى تعقد اجتماعات دورية بعيداً من الإعلام، لمواكبة الاستحقاق الرئاسي وتقييم كلّ مرحلة وما يرافقها من اتصالات ومعلومات، من أجل أن تبني على الشيء مقتضاه. وفي هذا السياق جاء اللقاء الأخير ليل أمس الأوّل في «بيت الوسط»، حيث خُصّص للبحث في التحضيرات الجارية للجلسة الإنتخابية، كما تناولَ البحث مشروع سلسلة الرتب والرواتب في ضوء تقرير اللجنة الفرعية، وتمَّ تنسيق المواقف في شأنها.

تحرّك الجميّل

وفي هذه الأجواء، كشفَت مصادر كتائبية لـ»الجمهورية» أنّ رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل سيستأنف جولاته على القيادات السياسية والحزبية بعد جلسة الانتخاب اليوم. وعلى جدول لقاءاته المقرّرة لقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي والسنيورة وقيادات أخرى لم تُحدّد.

ولفتَت المصادر الى أنّ الجميّل يتكتّم على نتائج محادثاته، حتى إنّه لم يشَأ الكشف عنها أمام أعضاء المكتب السياسي يوم الإثنين الماضي.

ديب

وفي المواقف، أكّد عضو تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب حكمت ديب لـ»الجمهورية» أنّ «الجوّ الإيجابي لا يزال مستمرّاً بين «التيار الوطني الحرّ» وتيار «المستقبل»، وأنّ الحوار يُستكمَل بعيداً من الإعلام». وأشار إلى أنّ «كلّ الفيتوات بين الفريقين قد سقطت، والتنسيق على أكملِه مع الرئيس سعد الحريري، وهذا الأمر أرخى جوّاً من الإيجابية والهدوء في البلاد».

ولم يستبعد ديب، بعدما تحلحَلت الأمور المستعصية وآخرُها كان تأليف الحكومة، أن يتوَّج «الإتفاق مع «المستقبل» على الثوابت الوطنية بالإتفاق على ملفّ الرئاسة قريباً».

كباش «السلسلة»

على صعيد آخر، انتهى اليوم النقابي الطويل أمس إلى إرجاء جلسة مناقشة سلسلة الرتب والروتب إلى 27 أيّار، فيما أكّدت هيئة التنسيق النقابية في بيان رفضَها لكلّ مادة أقرّها المجلس النيابي متعارضةٍ مع المذكّرة التي كانت قد رفعتها، وجدّدت تمسّكها بحقوقها كاملة، وأعلنَت أنّ اليوم هو يوم عمل طبيعيّ في المدارس والثانويات والمهنيات والإدارات العامة.

خليل

ودعا وزير المالية علي حسن خليل عبر «الجمهورية» كلّ الكتل السياسية الى تحمّل مسؤوليّاتها وحسم مواقفها من دون تردّد، والإسراع في بَتّ السلسلة بما يؤمّن الاستقرار والتوازن».

مصادر نيابية

من جهتها، قالت مصادر نيابية بارزة لـ»الجمهورية» إنّ الأجواء في جلسة الأمس لم تكن جاهزة لإقرار السلسلة، والدليل أنّ المواضيع الأساسية قد تمّ تأجيلها، وتخوّفت من مؤامرة ونوايا مبيَّتة داخل قوى سياسية في الكُتل لتضييع السلسلة بالتزامن مع الفراغ المتوقّع في الرئاسة الأولى والقول لاحقاً إنّ على مجلس النوّاب أن لا يشرّع في ظلّ غياب رئيس جمهورية.

وأضافت: «كان واضحاً من خلال النقاش الدائر أنّ مجلس النواب هو عبارة عن كانتونات، والمشهد أظهرَ أنّ المحاصَصة موزّعة على الطوائف، بدليل أنّه كلّما تمّ التطرّق إلى ملفّ ما، استنفر طائفة.

وكانت الجلسة النيابية أقرّت في جلستها الصباحية جملةً من البنود، وأدخلت تعديلات عليها.

وأكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ المجلس لا يشرّع تحت الضغط، وأوفد وزير التربية الياس بوصعب لإبلاغ رئيس رابطة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب بدعوى شخصية في حقّه إذا لم يعتذر عن كلامه في حقّ النواب بعدما اتّهمهم بأنّهم «حراميّة». ونقل بو صعب اعتذاراً رسمياً من حنا غريب إلى برّي.

موقف «حزب الله»

وعلى هامش انعقاد الجلسة، أعلنَ «حزب الله» عدم موافقته على السلسلة المقترحة من اللجنة الفرعية النيابية الثانية، ورفضَ الزيادة على ضريبة القيمة المضافة ما عدا السِلع الكمالية.

وقال عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض إنّ هدف اللجنة الفرعية التي درست السلسلة هو الالتفاف على الحقوق»،

…و«اللقاء الديموقراطي»

أمّا كتلة «اللقاء الديموقراطي» فقد حذّرت قبَيل انطلاق أعمال الجلسة من «العواقب التي يمكن أن تترتّب على إقرار السلسلة من دون إصلاح حقيقي». وأعلنَت أنّ موقفها من السلسلة لم يتغيّر، وثابت على تأمين موارد حقيقية لا ترهِق الطبقة التي طالبت بها».

ساحة رياض الصلح

وكان مشهد ساحة الصلح خطفَ الأنظار مع تنفيذ «هيئة التنسيق النقابية» أكبر تظاهرة مركزية انطلقَت من أمام جمعية المصارف، بعد تجمّع أمام هذه الجمعية، وسط إضراب شامل شلَّ المؤسسات والمدارس الرسمية في كلّ المناطق.

وطلب نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض من الجميع البقاء في الساحة لحين إقرار السلسلة. وتساءَل: «جميع الكتل النيابية أصدرَت بيانات تدعم مطالبنا، فلماذا لم تقَرّ السلسلة؟» وتوجّه إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي، قائلاً: «هناك فاسدون في الدولة يجب أن يحاسَبوا، لا نحن».

بدوره، أكّد رئيس رابطة التعليم الثانوي في لبنان حنا غريب أنّه لم يقصد بكلمة «حراميّة» النوابَ، بل حيتان المال، وطالب المجلس النيابي بإسقاط مشروع اللجنة النيابية الفرعية «لأنّه ينقضّ على الحقوق ويضربها». مجدّداً التأكيد أنّ التحرّك سيستمرّ من دون تردّد حتى إقرار جميع الحقوق.