IMLebanon

«السلسلة» بين شرعية المطالب.. والخوف من الشارع

يمكن أن يُقال الكثير من الكلام حول حقوق المعلمين والموظفين في لبنان وعن الأزمة الاقتصادية التي تلفح العائلات الفقيرة والمتوسطة الدخل، ويمكن أيضاً كيل الاتهامات شمالاً ويميناً من قِبَل هذا الطرف أو ذاك في قضية مطلبية تشغل الرأي العام اللبناني، وتشهد تضامناً شعبياً واسعاً، حتى انها تحرّك مخيلات البعض في تفجير ثورة اجتماعية تأكل الأخضر واليابس وتنتج مجتمعاً جديداً أو تأتي بربيع ما طالما حلم به الكثيرون وعملوا من أجله في لبنان في الستينات والسبعينات، حيث استخدم النضال المطلبي لأهداف التغيير السياسي، فكانت أن اشتعلت الحرب الأهلية، وبدل أن تتحقق المكاسب للطبقات الفقيرة استخدم الفقراء وقوداً في جولات القتال وماتوا على متاريس الرمل في محرقة دامت أكثر من ثلاثين سنة قبل أن يعودوا لينعموا بالهدوء والسلم في ظل نهضة عمرانية كان من نتائجها تحسن النمو الاقتصادي وازدهار البلد لا سيما في السنوات القليلة ما قبل التمديد للرئيس اميل لحود واغتيال الرئيس رفيق الحريري لاحقاً.

لم يستطع اللبنانيون التنعم بالطفرة العمرانية التي كان لا بد منها من أجل التنمية البشرية، ما حصل أضاع فرصة حقيقية، وما تلا ذلك من أحداث ما زالت تحضر في ذاكرة الناس وتجعل البلد في حالة مراوحة سببها ليس «البرجوازية» و«الاحتكارات» و«حيتان المال» و«الرأسمالية» بل السلاح الذي يمتلكه حزب ويضعه فوق رقاب اللبنانيين، والذي يهدد البلد في استقرارها وأمنها، فلا أمان اجتماعياً في ظل السلاح، وعلى مَن يتحدث عن حقوق مقدّسة اليوم وعن هدر وعن بطون لا تشبع ومَن يجعل من الطلاب رهينة ويهدّد بالعصيان ويضرب المؤسسات بالإضرابات عليه أن يكون واضحاً في تحديد مسؤولية مَن أهدر دماء اللبنانيين وسيطر على المرافئ العامة ومَن يتاجر بصحة اللبنانيين ويقامر بمستقبل أبنائهم.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم «هل يمكن إقرار السلسلة المحقة من دون أن يدفع اللبنانيون ثمنها لاحقاً في إفقارهم وفي تدني العملة الوطنية وفي ضرب اقتصادهم؟ وهل الكلام الشعبوي الذي قاد البلاد إلى حروب مذهبية وطائفية وإلى انقسام وانشطار اجتماعي خطير، يوصل الى نتيجة؟ ولماذا هذا الإصرار العنيد على عدم الحوار أو فتح المجال من الحلول العقلانية بين الفرقاء من دون مزايدات تغرق البلاد وتأخذها نحو العدم. وتعيد الخوف القديم الجديد من الاحتكام الى الشارع.

يوم أمس كان بمثابة جحيم بالنسبة إلى الطلاب وأهاليهم الذين تابعوا مستجدات الأوضاع بعد فشل انعقاد جلسة مجلس النواب المخصصة لإقرار سلسلة الرتب والرواتب، وسط أجواء خانقة وتصريحات ضاغطة مما يؤشر إلى أوضاع قد تؤدي الى ضرب المؤسسات والى عصيان قد يوصل الى انفلات وأوضاع غير سليمة فتطير السلسلة وتصبح الحقوق في خبر كان، مَن يشعل النيران عليه أن يعرف أنه غير قادر على التحكم بلهبها وقد تصيبه قبل غيره.

حوري

يقول عضو كتلة «المستقبل» النائب عمار حوري: «اننا منذ اللحظة الأولى قلنا بأنّ هناك حقوقاً لا بد من تلبيتها للمعلمين والموظفين ولكن ما يحكم تلبية هذه الحقوق هو التوازن الدقيق ما بين الواردات والمدفوعات وشرط هذا التوازن الدقيق ان يكون علمياً وحقيقياً وليس ورقياً، واعتراضنا وعدم ذهابنا الى الجلسة كان بسبب اعتبارنا هذا التوازن مختلاً، هناك بعض الواردات النظرية جزء منها غير قابل للتحقيق مقابل مصاريف ثابتة ومعروفة، لذلك لم نذهب للمجلس النيابي وأردنا من وراء ذلك إعطاء وقت من أجل المفاوضات والتوصل الى هذا الميزان الدقيق». ويؤكد: «نحن مقتنعون بأننا سنصل الى هذا الامر والى اقرار السلسلة».

وعمّا إذا كان ردّ فعل هيئة التنسيق وموظفي الادارة يبشّر بتفاهم ما، يوضح حوري: «هناك مطالب ولكن لا بد من ان تسود لغة العقل لأن التشنج والشعبوية لا يوصلان الى مكان، فلا بد من نقاش هادئ للتوصل الى الحلول المناسبة». ويرى انه «لا بد من لقاء ما بين الأقطاب السياسيين، الرئيس نبيه بري، الرئيس فؤاد السنيورة، النائب وليد جنبلاط، النائب ميشال عون، الدكتور سمير جعجع، «حزب الله»، الرئيس أمين الجميل وايضاً رئيس الحكومة تمام سلام لمناقشة هذا الموضوع بشكل موضوعي للتوصل الى صيغة متوازنة».

ويلفت الى انه «لا يوجد ردّ فعل ليس له مرجعية سياسية، ومن أجل ذلك أقول لا بد من جمع الأقطاب لبحث موضوع السلسلة، وبالتالي بالنقاش الموضوعي يصبح الحل متاحاً بالتأكيد».

وعن مقاطعة نواب 14 آذار لجلسة مجلس النواب، يؤكد ان «كتلة المستقبل كانت واضحة في بيانها وكذلك في البيان الصادر عن قوى 14 آذار الذي تلاه زميلنا جورج عدوان من المجلس النيابي استعملنا تعبير انه لا يجوز التشريع في ظل الشغور في موقع الرئاسة إلا في الحالات الضرورية والاستثنائية، وأعطينا مثالاً وهو المتعلق بالاستقرار الاجتماعي واعتبرنا منها السلسلة وما يتعلق بالانتخابات النيابية، من هنا قلنا قد لا يكون مفيداً الذهاب الى المجلس وفتح نقاش قد يبدأ ولا ينتهي حول موضوع السلسلة من أجل ذلك فإن اجتماع الأقطاب أو الخبراء كما هو الحال في اللجنة المصغرة ينضج الامور ونذهب الى جلسة سريعة ومنتجة يتم خلالها اقرار السلسلة».

ماروني

أما عضو كتلة «نواب زحلة» وحزب «الكتائب» النائب إيلي ماروني فيقول: «لقد حذرنا من الأجواء غير السليمة نتيجة شغور موقع رئاسة الجمهورية، وهو محاولة لضرب كل مؤسسات الدولة ويظهر ان هذه الخطة لا تزال مستمرة والمحرك واحد، واليوم شاهدنا حالة من العصيان المدني، صحيح ان المطالب محقة ويجب أن يحصل الموظفون والمعلمون عليها، ولكن الأصح أن يحصلوا عليها في وضع اقتصادي ونقدي سليم لا من أجل الحصول على مكتسبات، عيب تدمير اقتصاد البلد، هذا من جهة ومن جهة اخرى لا يمكن ان نذهب الى المجلس النيابي والتشريع فيما المؤسسة الأم في البلد وهي رئاسة الجمهورية تعيش حالة الفراغ نتيجة السياسات الأنانية وعنوانها «أنا أو لا أحد». وبرأيه ان «البلد يذهب نحو المجهول على كل المستويات»، والحل الوحيد بالنسبة إليه لإنقاذ الوضع هو «إنقاذ المؤسسات».

ويؤكد: «نحن جميعاً مدعوون بدءاً من الغد الى انتخاب رئيس للجمهورية وعندها تعود الحياة التشريعية الى دورها والسلطة التنفيذية تأخذ دورها أيضاً، لأن هذه الحكومة ولدت ليكون عمرها شهرين وليس سنتين وليس لتبحث كيف تمارس دور رئيس الجمهورية بل كيف تسهل اجراء انتخاب رئيس للجمهورية، من هنا فإن الحل يبدأ بالمفتاح والمفتاح هو انتخاب الرئيس».

ويرى ان «من واجب برّي الدفاع عن السلطة التشريعية وهو لا يتحمّل المسؤولية، فنوابه يحضرون جلسات انتخاب الرئيس، كلامنا موجّه لمَن يتغيّب ويعطّل النصاب، والذين دورهم تأمين حصول الانتخابات وانتخاب مَن يريدون ولكن عليهم محاربة الفراغ لا دعمه».

وعن المطلوب من هيئة التنسيق النقابية يجيب ماروني: «نحن مع حقوقهم وأعلنّا ذلك جهاراً ولكن عليهم أن يكونوا متفهمين أكثر للوضع المالي للدولة وأن يعرفوا ان الحكومة السابقة رمت كرة النار في أحضان مجلس النواب وبالتالي لم تشبع السلسلة الدرس الكافي، ولم تؤمن الإيرادات الكافية لتغطية النفقات، ومن هنا على مسؤولي هيئة التنسيق التحلي بالوعي اللازم وادراك خطورة المرحلة سياسياً واقتصادياً وأن يشعروا أيضاً انهم معنيون بأن يكون لهم رئيس للجمهورية وأن يفهموا لماذا لا يشرع النواب، ومن هنا اؤكد ان غيابنا عن الجلسة ليس له علاقة بالسلسلة بل بسبب موقفنا الرافض للتشريع في ظل الفراغ».

ويتوقع ان يكون مصير الجلسة المقررة في 19 الجاري مثل مصير جلسة اليوم لا سيما إذا كانت جلسة 18 المتعلقة بانتخاب رئيس مثل مصير جلسة الأمس.

الخازن

ويشير عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب فريد الخازن الى مقاطعة نواب «تيار المستقبل» و14 آذار جلسة مجلس النواب، معتبراً ان «المسار الطبيعي لإخراج السلسلة من مجلس النواب وانهاء الجدل حول مصادر التمويل عبر البحث الجدّي بهدف اقرارها بشكل نهائي، لكن المقاطعة لن توصل الى نتيجة والى اقرار السلسلة بهذا الجو، واما أن يتم الاتفاق حيث شكلت لجنتان فرعيتان وحتى الآن لم يحصل تفاهم أو اتفاق، لا بد من التوصل لذلك حول الامور الأساسية والنقاش حولها، أو أن يحصل هذا النقاش في الهيئة العامة لمجلس النواب، والهيئة العامة هي الممر الذي لا بد منه من أجل إقرار القانون».

ويرفض ربط الحضور لانتخاب رئيس الجمهورية بقضية الحضور لإقرار السلسلة قائلاً: «موضوع رئيس الجمهورية مختلف، التشريع أيضاً بشكل روتيني وعادي أيضاً مرفوض، ولكن هناك أمور لا بد من إقرارها ومنها السلسلة وقانون الانتخابات النيابية وقضايا أخرى تتطلّبها المصلحة العامة، الجدل حول التشريع بدأ قبل انتهاء ولاية الرئيس ويستكمل الآن، ونحن في موضوع انتخاب رئيس للجمهورية نعتبر انه لا يزال قائماً، وقد يكون مثمراً بين العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري، وأنا قلت شخصياً أكثر من مرة إن توسيع التفاهمات الداخلية إذا أعطت نتيجة يكون لها مردود إيجابي على البلد وإذا لم تعط نتيجة فلا ضرر منها».

ويجد ان «موضوع إقرار السلسلة يجب عدم العمل عليه بطريقة عشوائية أو بمزاد علني، لا بد من اخراجه في مجلس النواب وهناك اليوم فريق سياسي كبير قاطع ما ادى الى تفاقم الامور، ولكن لا بد من حلحلة الأمور، هناك خلاف حول الإيرادات التي يمكن من خلالها تمويل السلسلة وهذا أمر طبيعي»، مشدداً على ان «موضوع السلسلة سابق لانتخاب الرئيس ولا بد من حل مشكلة كانت مطروحة وقائمة منذ 5 أو 6 اشهر ولا بد من الوصول الى خواتيمه، أما موضوع رئاسة الجمهورية فهو منفصل تماماً، ونحن نعتبر ان هناك محاولة جدّية للتفاهم ويجب ان تأخذ مداها وإذا فشلت فلا ضرر منها وإذا نجحت فانعكاساتها ستكون ايجابية على الجميع».