IMLebanon

الضرب في العراق لا يعوّض الرسوب في سوريا…

 

كان رسوب باراك أوباما في سوريا وليس في أيّ مكان آخر. فالعراق بتعقيداته ورثه عن سلفه جورج بوش الابن. أمّا سوريا، فقد تطورّت أزمتها في عهده ولم يحسن في أي وقت التعاطي معها. ففي مثل هذه الأيام، قبل سنة بالتمام والكمال، استخدم النظام السوري السلاح الكيميائي في حربه على شعبه الثائر منذ ثلاث سنوات وخمسة اشهر.

لم تكن تلك المرّة الأولى التي يلجأ النظام إلى هذا النوع من السلاح. لكنّها كانت المرّة الأولى التي لم يكن هناك أدنى شكّ من أيّ نوع كان لدى المنظمات الدولية المختصة بأن النظام استخدم هذا السلاح. إستخدمه بوقاحة ليس بعدها وقاحة، وقتل مئات السوريين في وقت بدا فيه أنّ الثورة السورية كانت على قاب قوسين أو أدنى من تحرير دمشق.

تجاوز النظام ما سمّي «الخط الأحمر» الذي وضعه له الرئيس باراك أوباما الذي تبيّن لاحقا أن كلّ تحذيراته من استخدام السلاح الكيميائي كانت كلاما بكلام. كانت تحذيرات أوباما كلاما فارغا لا أكثر. قبل اوباما الإستعاضة عن توجيه ضربة للنظام السوري بوعد روسي يقضي بتخلي النظام عمّا يملكه من اسلحة كيميائية. ماذا كانت نتيجة ذلك؟

كانت النتيجة أن الجميع فهموا الرسالة التي يعنيها «الخط الأحمر» في مفهوم أوباما. فحوى الرسالة أنّ هذا الخط يمكن أن يكون بكلّ الألوان باستثناء اللون الأحمر. فهم الجميع أن أوباما رسب في الإمتحان السوري وأنّ رسوبه كان ذريعا.

يحاول الرئيس الأميركي هذه الأيّام استعادة هيبة أميركا في العراق عبر ضربات جوّية يوجّهها إلى «داعش» في العراق. مثل هذه الضربات صارت بدلا عن ضائع، ليس إلّا، في ضوء ما حصل في سوريا منذ قرّر باراك أوباما الإستسلام لفلاديمير بوتين بدل الإنتهاء من بشّار الأسد ونظامه الذي تسيطر عليه ايران سيطرة كاملة.

ليست «داعش» سوى ابن غير شرعي ولد من رحم السياسة الأميركية. الوالدان معروفان وهما الأجهزة السورية والإيرانية. الأكيد أن الكلام الذي ورد عن اعتراف هيلاري كلينتون بذلك في مذكراتها التي صدرت حديثا لا ينمّ سوى عن جهل صادر عن ناشري الكلام. إنّه جهل ناجم عن شغف معظم اللبنانيين، بسطحيتهم المعروفة، بالثقافة السمعية التي تغنيهم عن القراءة ومحاولة معرفة ما ورد حقيقة في كتاب يصدر عن هذه الشخصية الأميركية المهمّة أو تلك.

لم تتحدث هيلاري كلينتون عن هذا الموضوع المرتبط بـ«داعش» في أيّ شكل من الأشكال. لكنّ ما لا بدّ من ملاحظته أن السياسة التي اتبعها باراك أوباما ساعدت في قيام مثل هذا النوع من التنظيمات التي باتت تهدّد دولا معيّنة في الشرق الأوسط في مقدّمها العراق، بل تهدّد المنطقة كلّها بتركيبتها السكّانية التي عمرها مئات السنين.

كان تراجع أوباما عن توجيه ضربة إلى النظام السوري نقطة تحوّل. في اللحظة التي قرّر فيها تسليم أمور النظام السوري إلى فلاديمير بوتين، فهم الروسي والإيراني من هو الرئيس الأميركي. فهما أن لا معنى لكلّ ما يقوله وأن تهديداته وتحذيراته لا تقدّم ولا تؤخّر، بل هي للإستهلاك الداخلي الأميركي. لذلك لم تتردد روسيا لحظة، بعد فترة قصيرة، في احتلال شبه جزيرة القرم ولم تتردد بعد ذلك في اسقاط طائرة الركّاب الماليزية عن طريق الإنفصاليين الأوكرانيين.

تبيّن بكلّ بساطة أن أوباما ليس رئيسا للقوة العظمى الوحيدة في العالم. يبدو همّه محصورا بالإنتهاء من ولايته الثانية والقول للأميركيين أنّه لم يدخل مغامرات عسكرية جديدة كما فعل سلفه جورج بوش الإبن في افغانستان والعراق.

لم يدرك باراك أوباما أن لا شيء اسمه لا غالب والا مغلوب في الشرق الأوسط. إذا لم تستخدم اميركا نفوذها لن تكون تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في يوم من الأيّام ولن يتوقّف حتى القتال في غزّة. من دون لجوء الولايات المتحدة إلى ما تمتلكه من قوّة ونفوذ، سيتابع النظام السوري قتل شعبه يوميا بدعم مباشر من ايران مستخدما الأسلحة التي يحصل عليها من روسيا…والبراميل المتفجّرة!

من دون القوّة الأميركية، لن يكون سلام في العراق في يوم من الأيّام. هذا لا يعني أن الولايات المتحدة ستكون قادرة على المحافظة على وحدة الأراضي العراقية، بمقدار ما يعني أنّ العراق لن يكون قادرا على اعادة ترتيب أوضاعه الداخلية بطريقة سلمية في اطار فيديرالي. ستتسبّب السياسة الأميركية في مزيد من المجازر في العراق…حتّى لو لجأت إلى توجيه مزيد من الضربات إلى «داعش».

ما كان لـ«داعش» أن تتمدّد بالطريقة التي تمدّدت بها لو سمحت الولايات المتحدة بانتصار الثورة السورية بدل السير في ركاب روسيا وايران ومساعدتهما في قمع السوريين من منطلق طائفي ومذهبي بحت.

استيقظ باراك أوباما فجأة على وجود «داعش». لم يستيقظ إلّا بعد اقتراب هذا التنظيم الإرهابي من اربيل الكردية. حسنا، أن يستيقظ متأخرا خير من أن لا يستيقظ ابدا. رسبت الإدارة الإميركية في الإمتحان السوري. لا يمكن أن تعوّض عن هذا السقوط في أيّ مكان آخر.

هناك بكلّ بساطة ادارة أميركية لا تعرف شيئا عن الشرق الأوسط. قرّرت ادارة ظهرها له طوال سنوات. ليست «داعش» سوى نتيجة لهذا الإبتعاد الأميركي عن الشرق الأوسط الذي تمثّل في الإعتقاد أن لبّ مشاكله الملفّ النووي الإيراني. الملفّ النووي ليس سوى حيلة تستخدمها ايران لتنفيذ سياسة توسّعية، قائمة على اثارة الغرائز المذهبية في كلّ اتجاه على حساب كلّ ما هو عربي في المنطقة.

كذلك، الملفّ النووي الإيراني ليس سوى ذريعة تستخدمها اسرائيل لتفادي أي تسوية من أيّ نوع كان مع الجانب الفلسطيني وللتصرّف من منطلق أنّها قوة اقليمية لا يوجد من يطرح عليها أي سؤال من أيّ نوع كان.

إننا أمام ادارة أميركية لا تفقه بألف باء الشرق الأوسط وتعقيداته. كان السقوط في الإمتحان السوري دليلا على ذلك ودليلا على أنّ ليس أمام العرب بعد الآن غير أخذ امورهم بيدهم. فلو اتكل العرب، على سبيل المثال فقط، على حسن نيّة الإدارة الأميركية لكانت مصر في خبر كان… لكانت مصر الآن في يد الإخوان المسلمين الذين على استعداد لعقد كل نوع من الصفقات مع ايران ومع غير ايران من أجل البقاء في السلطة…والمساهمة في تفتيت المنطقة.