موسكو
تشير المعلومات المتداوَلة في أروقة الخارجية الروسية الى انّ عدداً من الدول الغربية قد بدأ إعادة تقويم مواقفه حيال الازمة السورية، وذلك بعد سيطرة تنظيمات ارهابية متطرفة على مدن عراقية، نظراً لما قد ينتج من تلك المواجهات، خصوصاً أنها باتت تهدد الكيان العراقي مباشرة.
يبدو أنّ الرئيس السوري بشار الاسد قد صدق في التصريحات التي أدلى بها الأسبوع الماضي وكشف فيها أنّ الولايات المتحدة الاميركية ودول الغرب بدأت إرسالَ إشارات تفيد بتغيير سياستها حيال بلاده بعدما شعرت بخطر الارهاب في بلدانها.
وحسب أوساط الخارجية الروسية فإنّ مواقف الاسد الاخيرة تتقاطع مع بعض التقارير الديبلوماسية الغربية التي حذرت فيها حكوماتها من خطورة الوضع في شمال العراق، وإمكانية تمدّده ليس الى سوريا فحسب، بل الى عدد من دول الشرق الأوسط، العربية منها وغير العربية، الأمر الذي يضع المصالح الغربية في مواجهة نيران الفصائل الارهابية المسلحة المرتبطة بتنظيم «القاعدة». وتشير التقارير الغربية بالتفصيل الى القدرات العسكرية الكبيرة لدى «تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش)، معتبرة أنّ هذه القدرات مكّنت عناصره من الاستيلاء على مدن بكاملها، ما يعني انه في حال نموّ هذا التنظيم عسكرياً وبشرياً فإنّ في استطاعته توسيع رقعة نفوذه في المناطق الحدودية بين العراق وسوريا، الامر الذي من شأنه أن يغيّر خريطة المنطقة ويضع النفوذ الغربي فيها على المحك.
وترى هذه الاوساط الروسية انّ العالم شهد استنفاراً دولياً حيال ما يجري في العراق، حتى إنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يُسقط الخيار العسكري من حسابات إدارته في توجيه ضربات محدودة للمجموعات الارهابية في العراق، فيما أعلنت العواصم الغربية التي تدور في الفلك الأميركي استعدادها لتقديم كل أشكال المساعدة للحكومة العراقية لتمكينها من إعادة السيطرة على الأوضاع في البلاد، ما يعني انّ الحكومات الغربية قد شعرت فعلياً بأنّ مصالحها باتت مهددة، ما دفعها لإعادة تقويم مواقفها السابقة في كثير من ملفات المنطقة، خصوصاً وأنّ التجربة اثبتت انه عبر الحوار يمكن إيجاد حل لتلك الازمات وخير دليل على ذلك اقتراب توقيع اتفاق نهائي بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والمجموعة الدولية حول برنامج إيران النووي بعد مواجهة استمرت نحو عقدين.
وتؤكد الاوساط انّ على الغرب، وخصوصاً واشنطن، التوقف عن انتهاج سياسة المعايير المزدوجة في منطقة الشرق الأوسط، إذ إنّ كل التقارير الاستخبارية تؤكد عمق الصلة بين تنظيم «داعش» في كل من العراق وسوريا، لذلك فإنّ من المهين اعتبار التنظيم في العراق إرهابياً وغض الطرف عن نشاطاته الإرهابية في سوريا.
وتكشف الاوساط انّ موسكو كانت حذّرت الشركاء الغربيين مرات عدة من مخططات الإرهابيين الرامية إلى التحصن في العراق وسوريا ومناطق أخرى مجاورة، ومن محاولات إقامة كيانات لتلك التنظيمات الارهابية المتطرّفة، لكنّ الغرب لم يأخذ بتلك التحذيرات الى أن وصلت الأمور الى نقطة الصفر في العراق. وتعتبر أنّ السياسات الغربية المتبعة هي التي أدت الى زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط، وما نجم عنها من عواقب وخيمة.
وتستبعد الأوساط الروسية تدخلاً عسكرياً غربياً في العراق، لأنّ المؤشرات حتى الآن تدل الى أنّ الغرب يعمل لرفع سقف الدعم العسكري والأمني للسلطات العراقية لكي تتمكن من بسط سيطرتها على كل انحاء البلاد. وتؤكد انّ تثبيت الأمن في المنطقة والقضاء على كل مظاهر الإرهاب ومعاقله فيها يفرض تعاوناً دولياً وخصوصاً الغرب مع السلطات السورية لتمكينها ايضاً من وقف تمدّد نفوذ الإرهابيين على أراضيها.