IMLebanon

الفراغ يغيّب بعبدا عن لقاءات كيري وواشــنطن لا تعترف بالانتخابات السورية

إنتخابات صوَرية في سوريا، الهدف منها محاولة النظام استعادة شرعية داخلية ولو جزئية، بعد نزعِ القسم الأكبر من الشعب السوري والمجتمعَين العربي والغربي الشرعية عن هذا النظام. وانتخابات مصرية أسفرَت عن انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيساً، في ظلّ ترجيحات بأن ينجح الأخير بالتوفيق بين الاستقرار في الداخل وعودة مصر إلى دورها في الخارج، خصوصاً على المسرح العربي، إذ سارع العاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز إلى اعتبار انتخاب السيسي «يوماً تاريخيّا» لمِصر، في خطوة تؤشّر إلى عودة الروح لمحور عرب الاعتدال. وانتخابات رئاسية معلقة في لبنان تزيد من حسرة المسيحيين على شغور موقعهم الأبرز في الجمهورية، خصوصاً في ظلّ زيارات ديبلوماسية رفيعة لم يعُد قصر بعبدا مُدرَجاً على جدول لقاءاتها، وعلى سبيل المثال الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى بيروت اليوم والتي تأتي في توقيت يحمل أبعاداً مهمّة، أبرزُها الآتي: في اليوم الأوّل على انتهاء الانتخابات السورية التي سيتّخذ موقفاً من مجرياتها بتأكيد الموقف الأميركي الذي يعتبرها مزوّرة ويرفض الاعتراف بنتائجها. وبعد دخول لبنان في مرحلة الفراغ الرئاسي لحَثّ اللبنانيين على انتخاب رئيس جديد، علماً أنّ وقع هذه الزيارة كان مضاعفاً لو حصلت قبل الفراغ. ورسالة دعم أميركية للحكومة السلامية باعتبارها حزامَ أمان لاستقرار الوضع في لبنان، فتتكرّس المظلة الدولية على الحكومة، خصوصاً بعد البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن.

فيما كانت أنظار العالم شاخصة إلى سوريا التي عاشت على وقع استمرار العمليات القتالية في عدد من المناطق يوماً انتخابيا صوَرياً طويلاً بعد النتائج المحسومة سلفاً لمصلحة الرئيس بشّار الأسد، وسط مواقف دولية مندّدة بالمسرحية ومعلنةً سلفاً عدم اعترافها بالنتائج إلى حدّ وصفها من قبل واشنطن بالعار، خرقَ خبر زيارة كيري المفاجئة الى بيروت اليوم لساعات، للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمّام سلام وربّما شخصيات أخرى، الجمود الحاصل في المشهد السياسي، خصوصاً أنّها تأتي في ظلّ الشغور الرئاسي الذي دخل يومه الحادي عشر، في حين أخفقَت الحكومة امس في إيجاد آلية تنظّم عملها في خلال هذه الفترة، على أن تستكمل البحث في الموضوع خلال جلسة مقبلة لم يحدّد موعدها بعد.

مصادر الخارجية الأميركية

ونقل مراسل «الجمهورية» في واشنطن جاد يوسف عن مصادر في وزارة الخارجية الأميركية انّ زيارة كيري الى لبنان تهدف الى إظهار دعم الولايات المتحدة الأميركية له في هذه الظروف، خصوصاً لناحية مساعدته على مواجهة مشكلة اللاجئين السوريين، حيث تتوقّع واشنطن أن تتفاقم، ما قد يُعرّض لبنان إلى أخطار جمّة.

وأضافت المصادر أنّ كيري سيبحث مع المسؤولين اللبنانيين في عدد من المشاريع، من غير أن تستبعد ان يتناول البحث أيضاً مضمون القرار الذي اتّخذه الرئيس الأميركي باراك اوباما بالنسبة الى إقامة صندوق مشترك لمواجهة الإرهاب، خصوصاً أنّ لبنان احد اكثر البلدان المعنية بهذا الموضوع.

وأكّدت المصادر نفسها أنّ ملفّ انتخاب رئيس جمهورية جديد لن يكون على جدول أعمال المحادثات، إلّا أنّ كيري سيُذكّر مجدّداً بالموقف الأميركي الرسمي في هذا الملف، وسيشدّد كذلك على ضرورة الحفاظ على الإستقرار الامني والسياسي في لبنان.

وكشفَت المصادر أنّ كيري سيبحث ايضاً في عدد من المواضيع الإقتصادية، من بينها ملفّ الغاز، عقبَ انتهاء زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الى جزيرة قبرص منذ نحو أسبوعين، حيث كان هذا الملف القضية الرئيسية، في الوقت الذي يُتوقّع فيه أن يتحوّل حوض البحر المتوسط المقابل لكلّ من إسرائيل ولبنان وقبرص إلى مركز لإنتاج الغاز، مع ما يعنيه هذا الأمر في النزاع السياسي والإقتصادي المحتدم مع روسيا والغرب.

كذلك، نقلَ المراسل عن مصادر الخارجية استغرابَها تسريب خبر زيارة كيري الخاطفة الى لبنان، في الوقت الذي كان يتوقع ان يكون وصوله الى مطار بيروت مُفاجئاً.

وتحدّث عن تباين في وجهات النظر بين المستشارين الذين يقدّمون النصح للوزير الأميركي، حول جدوى زيارته الى لبنان وأهمّيتها وتوقيتها، في ظلّ الشغور في سدّة الرئاسة اللبنانية وعدم وجود رئيس جمهورية، الأمر الذي قد يحمل البعض على تفسير الزيارة على غير حقيقتها، ويُترجم لدى البعض الآخر إعطاء الفراغ شرعية دولية واعتبار أنّ زيارة لبنان أمر ممكن ولو في ظلّ غياب رئيس جمهورية، خصوصاً أنّ الإدارة الأميركية تُدرك جيّداً أن لا إنتخابات رئاسية في لبنان الى أجل غير مسمّى، فما هي بالتالي أهمّية توجّه كيري الى بيروت إذا لم يتمّ بحث هذه القضية المفصلية؟

إلّا أنّ القرار حُسم في النهاية لمصلحة إتمام هذه الزيارة، الأمر الذي اعتبره البعض قُصرَ نظرٍ لدى بعض المخطّطين في وزارة الخارجية الأميركية».

مصادر ديبلوماسية

من جهتها، قالت مصادر ديبلوماسية لـ»الجمهورية» إنّ زيارة كيري الى بيروت أضيفت أخيراً إلى جولته في المنطقة باقتراح من السفارة الأميركية في بيروت التي تسعى الى توفير الدعم لحكومة الرئيس تمّام سلام، تحصيناً لموقعها بعد الشغور الرئاسي في لبنان، والإسراع في إجراء انتخاب رئيس جديد للجمهورية في أقرب الآجال.

وكشفت أنّ كيري سيتحدّث في مؤتمر صحافي ويسجّل موقفاً من الإنتخابات السورية.

موقف فرنسي

في الموازاة، استعجلت فرنسا إنجاز الإستحقاق الرئاسي في لبنان. وأملَ سفيرها باتريك باولي في أن «ينتخب اللبنانيون رئيساً للجمهورية في أقرب وقت ممكن، وهذا أمر لبنانيّ بَحت، ونؤيّد انتخاب رئيس للبلاد في إطار القوانين والإستحقاقات الرئاسية، ونبذل جهدنا في هذا الشأن»، وأشار إلى أنّ بلاده لا تعترف بالإنتخابات الرئاسية السورية.

… وبريطاني

بدورها، رأت بريطانيا بلسان سفيرها طوم فليتشر أنّ «لبنان بحاجة الى رئيس، ليكون هناك توازن بين السلطات، ولاستمرار المشاريع وتثبيت الإستقرار في البلد، ونحن كمجتمع دولي بحاجة الى شريك يكون معنا في المقابل لمواجهة التحدّيات الموجودة في لبنان».

الإستحقاق الرئاسي

في هذا الوقت، لم يخرج الاستحقاق الرئاسي بعد من دائرة المراوحة، واعتبر رئيس الحكومة تمام سلام «أنّ أهمّ التحديات المطروحة أمامنا هو الإستمرار في خلق الأجواء اللازمة لإجراء الإنتخابات الرئاسية في أقرب وقت، إحتراماً للدستور وتطبيقاً لمبدأ تداول السلطة». لكنّه اعتبر «أنّ هذا الواجب يتطلب المحافظة على التضامن والتفاهم اللذين تميّز بهما عمل حكومتنا منذ حصولها على ثقة المجلس النيابي».

«حزب الله»

من جهته، أكّد «حزب الله» أنّه سيمارس حقّه في انتخاب رئيس قوي نتوافق عليه، مُعلناً جهوزيته لإنجاز الاستحقاق الرئاسي اليوم قبل الغد، واعتبر أنّ «لبنان بحاجة إلى رئيس يجمع ولا يفرِّق، ويستثمر قوّة لبنان بجيشه وشعبه ومقاومته، ويبني الدولة ويواجه الفساد».

برّي

وفي سياق متصل، رأى النائب أيّوب حميّد الذي ألقى كلمة برّي خلال إحياء السفارة الايرانية الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لرحيل الخميني في الاونيسكو، أنّ «التحدّي الكبير الذي نواجهه اليوم هو الحفاظ على الاستقرار والسلام الداخلي، وكيف نتغلّب على ذواتنا في إنجاز الاستحقاق الرئاسي وتقصير أمد الشغور، ونقلّل من انتظارنا للخارج وإيحاءاته، وأن لا ننسى تضحيات أهلنا ودماء الشهداء الذين صنعوا التحرير والانتصارات، وأن لا ننسى قبل كلّ شيء إسرائيل العدوّ الأوحد لأمّتنا وتاريخنا وتطلّعاتنا».

المؤسسات المارونية

وفي التحرّك، ينهي رؤساء وأعضاء المجالس في المؤسسات المارونية الثلاث؛ الرابطة المارونية، مؤسّسة الإنتشار والمجلس العام الماروني، جولاتهم على الأقطاب الموارنة الأربعة يوم غدٍ الخميس بزيارة رئيس تيّار «المرَدة» النائب سليمان فرنجية في بنشعي.

وقالت مصادر شاركت في الجولات الثلاث لـ»الجمهورية» إنّ اللقاءات شكّلت مناسبة للتداول في الإستحقاق الرئاسي وما يمكن تسميته بالهواجس المارونية، مؤكّدةً أنّها كانت ضرورية لوضع الأقطاب الموارنة في أجواء مَن تمثّله الهيئات، وللاطّلاع على برامجهموتوجّهاتهم الوطنية.

ورفضت المصادر الدخول في تفاصيل هذه اللقاءات، لكنّها لم تُخفِ صدمة البعض من مضمون اللقاء الذي جمعها مع رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون الذي شكّل علامة فارقة في تحرّك المؤسسات الثلاث، رافضةً الدخول في مزيد من التفاصيل، لأنّ ما نُشر في «الجمهورية» يوم السبت الماضي كافٍ للإشارة الى أجواء اللقاء، على رغم أنّ ما نُشر لا يشكّل غيضاً من فيض اللقاء.

وأشارت المصادر إلى أنّ حصيلة لقاءاتها ستوضَع في تصرّف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.

مجلس الوزراء

فشلَ مجلس الوزراء الذي عقد جلسته الثانية، بعد الشغور الرئاسي، في السراي الحكومي برئاسة سلام، في الوصول الى اتّفاق حول آليّة عمله في ظلّ هذا الشغور، على أن يستكمل البحث في جلسة أخرى، لم يحدّد موعدها بعد، وقد تكون الأسبوع المقبل. ولم يقارب المجلس بنود جدول الأعمال الواحدة والأربعين التي ما زالت عالقة على مدى جلستين.

وقالت مصادر وزارية إنّ المناقشات استمرّت بلا جدوى، في ظلّ انقسام في وجهات النظر، حيث سُجّل وقوف «حزب الله» إلى جانب «التيار الوطني الحر» وحزب الكتائب لجهة مطالبتهما بتوقيع الوزراء الـ 24 على أيّ قرار يؤخَذ وعلى أيّ مرسوم يُنشَر.

وأكّدت مصادر سلام لـ«الجمهورية» أنّ المناقشات ستبقى مفتوحة الى أن يتمّ التفاهم بين الجميع على صيغة واحدة يمكن اعتمادها في أداء الحكومة في ممارستها لصلاحيات رئيس الجمهورية.

وقالت إنّ سلام سيواصل مساعيه التوافقية للوصول الى صيغة جامعة يوافق عليها الجميع من دون استثناء، وعندها يمكن الدعوة الى الجلسة المقبلة للمجلس، والتي تُرك له تحديد موعدها بالتفاهم مع باقي الفرقاء.

رئيس البنك الدولي

على خطّ آخر، ارتدت الزيارة التي بدأها رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم الى بيروت امس اهمّية استثنائية، بسبب توقيتها والأهداف المعلنة منها، إذ يعاني لبنان من تداعيات اقتصادية واجتماعية وأمنية مقلِقة جرّاء النزوح السوري العشوائي.

وتتوقّع الحكومة أن تساهم زيارة كيم في تحريك فعّال لملف المساعدات الدولية للبنان في مواجهة انعكاسات النزوح. وهذا الأمر أثاره بشكلٍ مباشر وواضح رئيس الحكومة تمّام سلام خلال الاجتماع الذي عقده مع رئيس البنك الدولي في السراي بحضور وزير المالية علي حسن خليل. وقد خاطبَ سلام المسؤول الدولي قائلاً: «لقد نطقتم بالحقّ في اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان في نيويورك في 25 أيلول الماضي حين قلتم: «إنْ لم نتصدَّ للأزمة، فإنّ لبنان غداً لن يكون لبنان الذي نعرفه اليوم».

أضاف سلام: «نحن لا نقدر على تحمّل عبء النازحين السوريّين وحدنا… لبنان اليوم في حاجة ماسّة ومُلحّة إلى دعم كبير وسريع وفاعل من قِبل الأسرة الدولية لكي يتمكّن، من ناحية، من منع انهيار الهيكل الإقتصادي، وما لذلك من انعكاس على الأوضاع الإنسانية وعلى الأمن والإستقرار، ولكي ينجح، من ناحية أخرى، في إعادة المستويات المعيشية والخدماتية إلى ما كانت عليه. فلدينا مسؤولية جماعية في مواجهة هذا الواقع الصعب».

من جهته، أشار كيم إلى أنّ الشعب اللبناني يعاني أزمة كبيرة، كما كشف عن تصميم خارطة طريق بالتدابير ذات الأولوية. وأوضحَ أنّ «هذه الخطة لا تركّز فقط على استجابات للتنمية المباشرة، بل أيضاً على بناء وإنشاء أسُس النموّ والإزدهار لهذا البلد في المستقبل».

وحَثّ جميع الدول على المشاركة في صندوق الجهات المانحة، قائلاً: «إنّ المنح التي ستصبّ في هذا الصندوق ستكون مباشرة، وفي المستقبل القريب سوف نحقّق نتائج إيجابية مع مجموعة البنك الدولي». وتحدّث عن ضرورة قيام الحكومة بإصلاحات ضرورية لا ترتبط بالأزمة السورية، بل في مجال الطاقة والنقل والتواصل والمواصلات.

وكان وزير المالية علي حسن خليل قد بحث ايضاً مع رئيس البنك الدولي موضوع النازحين السوريين في لبنان وتطوير المشاريع الإنمائية المختلفة. وأكّد كيم أنّ الاجتماع كان مُثمراً، «وسمعنا منه أولويات وزارته والتزامها العلاقات مع البنك الدولي».

الحسن لـ«الجمهورية»

من جهتها، كشفَت وزيرة المال السابقة ريّا الحسن لـ»الجمهورية» أنّ رئيس البنك الدولي أظهر خلال لقاءاته اهتماماً بموضوع النزوح السوري، وأثره على الاقتصاد اللبناني والقطاع الخاص وعلى النسيج اللبناني، وعلى معدّلات الفقر ما إذا كانت إلى ارتفاع. ونقلت عن كيم قوله إنّ المساعدات الدولية بالنسبة الى هذا الملف هي أقلّ من المتوقع، عازياً ذلك الى انشغال العالم بأحداث أخرى، لا سيّما منها الأزمة الأوكرانية التي تأخذ حيّز اهتمام كبيراً من قادة العالم، بما يؤدي إلى عدم الحماسة لدى المجتمع الدولي لتقديم مساعدات ماليّة كبيرة للبنان. وأشارت إلى أنّ كيم يرى أنّ للبنك الدولي دوراً محدوداً في مساعدة النازحين، بل دورُه الأكبر يكمن في تخفيف الآثار السلبية للنزوح على المجتمع اللبناني. كذلك استمعَ كيم الى بعض اقتراحات فاعليات في القطاع الخاص تساعد في حلّ مشكلة النازحين أو في التخفيف من وطأتها، أبرزُها إقامة مخيّمات أو مساعدة المجتمعات اللبنانية أكثر. وأوضح كيم أنّه لا يمكن للبنك الدولي التوسّع أكثر في مساعدة لبنان، لافتةً الى أنّ العائدات المالية التي ينوون مساعدة لبنان فيها محدودة جدّاً، خصوصاً أنّ البنك يقوم بورشة عمل إصلاحية كبيرة وإعادة هيكلة بداخله، وأنّ كلّ اهتمامه يتمركز اليوم على مساعدة القطاع الخاص اللبناني للاستمرار بوقوفه على رجليه، ليلعبَ دورَه مجدّداً كرافعة اقتصادية للاقتصاد اللبناني.

أمّا عن النتائج التي قد تخرج منها هذه الزيارة، فرأت الحسن أنّ كيم يحاول خلال زيارته استطلاع آراء اللبنانيين من قطاع خاص إلى قطاع عام، لاستخلاص بعض العبر أو التوصيات التي يمكن الوصول إليها لتحسين أداء البنك الدولي في البلدان. (تفاصيل ص 11).