IMLebanon

الفولكلور اللبناني!

التضامن الإعلامي مع غزّة عبر النشرة الموحدة، ومن ثم النيابي مع غزّة والموصل عبر الجلسة النيابية، يشكّلان جزءاً من الفولكلور اللبناني، حيث يتضامن اللبنانيون مع قضايا العالم ويختلفون على قضاياهم.

ما حصل ويحصل في غزّة والموصل مستنكر ومرفوض ومُدان، ولكن التضامن النيابي استفزّ شعور اللبنانيين أو شريحة واسعة منهم على الأقل، وذلك للأسباب الآتية:

أولاً، على رغم كارثية ما أصاب فلسطينيي غزة ومسيحيي الموصل ويصيبهم، إلّا أنه من غير المسموح أن يتأمّن النصاب في البرلمان لهاتين القضيتين الانسانيتين، وأن يتعذر ذلك من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأنّ إبعاد شبح غزة والموصل عن لبنان يبدأ باحترم المؤسسات والعودة إلى كنفها، كما أنّ إبعاد شبح ما يتعرّض له المسيحيون والفلسطينيون يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية فوراً وإعادة القرار الوطني إلى الدولة.

ثانياً، لماذا يكون التضامن باستمرار في اتجاه واحد، إذ كان باستطاعة البرلمان، على سبيل المثال، أن يتضامن مع الشعب السوري بمعزل عن الانقسام بين مَن يقف مع النظام وضده، لأنّ ما ينطبق على الوضع السوري ينسحب على غزة والموصل؟

وفي هذا السياق لا بد من تحميل قوى 14 آذار هذا اللوم، لأنه لو كان خطابها واضحاً من القضيتين لَما وافق «حزب الله» على «النشرة الموحدة» وفتح البرلمان للتضامن النيابي، لأنّ التضامن مع أهل غزة كان يجب أن يترافق مع تحميل «حماس» و»الجهاد» وغيرهما مسؤولية الكارثة الانسانية، كما الإعلان بشكل واضح عن تأييد موقف الشرعية الفلسطينية فقط لا غير، خصوصاً أنه لا يُخفى على أحد التقاطع غير المباشر بين إسرائيل وقوى الممانعة على ضرب المساعي السلمية:

أ- وصول «حماس» إلى نهايتها مع إنهاء حالة الإخوان المسلمين في مصر، وحاجتها إلى افتعال حرب لإعادة تزخيم وضعها وتجديد مشروعيتها والربط مجدداً مع محور الممانعة بعد الانتكاسة في العلاقة بينهما بفعل الثورات العربية، وكلّ ذلك على حساب الشعب الفلسطيني.

ب- شعور إسرائيل بالخطر نتيجة توحّد الموقف الفلسطيني والاتفاق على حكومة وحدة وطنية على أساس مشروع السلطة الفلسطينية القائم على مواصلة الضغط السلمي لانتزاع مزيد من الالتفاف الدولي حول القضية الفلسطينية. وبعد أن أثبتت هذه الاستراتيجية مدى نجاحها، ولو كانت تتطلب نفساً طويلاً، تناغمَت تل أبيب مع المقاومة الفلسطينية لنسف أيّ مسار سلمي. فالعدوّ الأول لإسرائيل هو السلطة الفلسطينية.

ومن ثمّ فإنّ ما حصل في الموصل يتحمّل مسؤوليته المباشرة محور الممانعة بشقّه «المالكي» الذي أوصلَ العراق إلى الانفجار نتيجة تفرّده بالسلطة وتغييبه أهل السنة ورفضه للشراكة الوطنية. فالمسؤولية الأولى والأخيرة عن بروز «داعش» وتوسّع دورها تقع على محور الممانعة. ومن هنا، فإنّ الانتقاد الأساسي كان يجب أن يتركّز في البرلمان على حليف «حزب الله» في العراق الذي يتحمّل مسؤولية انهيار الدولة وكشف المسيحيين.

ثالثاً، كيف يمكن لشعب أن يتوحد ليتضامن مع غيره، فيما هو منقسم حتى حدود العظم، إلّا إذا كان هذا التضامن كاذباً او فولكلورياً على الطريقة اللبنانية، خصوصاً أنّ الانقسام اللبناني ليس من طبيعة لبنانية، وعدم انتخاب رئيس وغيره هو من إفرازات هذا الانقسام الذي هو في الواقع بين مشروعين على مستوى المنطقة برمّتها، بين محور يريد تزكية خيار الحرب، ومحور آخر يريد تزكية خيار السلم.

فهذا التضامن كان يصحّ في حالتين: في حال الاتفاق على تحييد لبنان عن قضايا الخارج، ولكن في ظلّ انغماس «حزب الله» حتى أذنيه في الحرب السورية، وتأديته دور رأس الحربة ضمن محور الممانعة، وتناقض التحييد مع علّة وجوده، يفقد هذا التضامن مبرره.

وفي حال الاتفاق على القضايا اللبنانية وتسهيل الملفات الداخلية بدلاً من تعطيلها، ولكن في ظل الخلاف المستحكم حول كل القضايا الكبيرة منها والصغيرة، وإبقاء الأمور عالقة ومعلّقة إلى حين وصولها إلى حافّة الانفجار، يتحوّل التضامن إلى لزوم ما لا يلزم.

وقد نجح «حزب الله» من خلال هذه الخطوة التضامنية في إحراج 14 آذار وجَرّها إلى تأمين النصاب خلافاً للدستور في ظلّ الفراغ الرئاسي وفي سبيل قضايا غير لبنانية، فيما هو يتضامن مع العماد ميشال عون برفض تأمين النصاب لانتخاب رئيس للجمهورية. كما نجح الحزب بتحويل التضامن مع غزّة والموصل وكأنه تضامن معه ومع محوره ومع مشروعه.