IMLebanon

«الكونفدراليّة» «وصفة» أميركيّة للحلّ في المنطقة فهل يبقى لبنان بمنأى عن مخاطرها ؟؟

«الكونفدراليّة» «وصفة» أميركيّة للحلّ في المنطقة فهل يبقى لبنان بمنأى عن مخاطرها ؟؟

كيري يُسوّق رسميّـاً لاتفاق «دايتون» جديد وكردستان الاختبار الأول للنجاح أوالفشل

قوى سياسيّة تحضر «الأرضيّة» للمشروع و نصائح عربيّة بتحصين «الساحة اللبنانيّة»

من المبكر الحديث عن منتصر وخاسر في معركة اعادة رسم خريطة المنطقة، لكن الامر المسلم به ان ثمة خرائط جديدة ترسم والحرب الدائرة اليوم هي حول من يملك اليد الطولى في اعادة رسم معالمها، وثمة نصائح ديبلوماسية عربية قدمت لاكثر من طرف سياسي رئيسي في لبنان للتنبه من المشروع الكبير الذي ترتسم معالمه ضمن اطار تكريس عدم امكانية التعايش بين المكونات الدينية والعرقية وفشل الدول القائمة على «فسيفساء» هذا التنوع ليكون الحل لهذه المعضلة، التقسيم، ولكن ضمن صيغة تحمل مشروعية يسهل هضمها تحت مسمى «الكونفدرالية»، ولذلك تضمنت النصيحة ضرورة استعجال تحصين الوضع الداخلي سياسيا وامنيا، قبل ان «تهب» هذه «الرياح» من العراق وسوريا، وعندها لا شيء سيمنع وصولها الى «السواحل» اللبنانية.

وبحسب المعلومات، فقد ابلغت الاوساط الديبلوماسية من يعنيهم الامر، بأخذ هذه الهواجس بعين الاعتبار فهذا الاستنتاج كان قبل نحو اربع سنوات جزء من عالم الخيال، لكن هل كان اكثر المتشائمين يظن ان جنوب السودان سينفصل عن الشمال؟ وهل كان هناك من يظن ان سوريا ستغرق في هذه الحرب الدموية؟ او ان العراق سيجد نفسه امام خطر تنظيم «وليد» سمي «داعش» واصبح فجأة قوة «عظمى» تقرر مصير المنطقة والعالم !؟ وهل ثمة اجابات مقنعة تفسر هذا التحول الاستراتيجي في «العقلية» التركية التي باتت ترى اليوم ان مصلحتها «الحيوية» تكمن في قيام دولة كردية مستقلة في كردستان العراق، بعد ان كان مجرد التلميح بهذا الامر مشروع لحرب كبرى في المنطقة؟

هذه الاسئلة «المقلقة» يزيد من خطورتها، تضيف الاوساط اقتناع الادارة الاميركية بعدم خوض اي حرب جديدة، فهي لا تريد دفع اي اثمان مجددا في منطقة باتت تكلفة حمايتها اكبر من تكلفة الفائدة منها، لذلك ثمة نظرية اميركية بدأت تطفو على السطح، وهي تتماهى مع استراتيجية اسرائيلية نجحت في السودان، وتتحدث عن تطبيق اتفاق «دايتون» الذي تم من خلاله تقسيم «املاك» تيتو في يوغوسلافيا على «الورثة» الذين اقتنعوا بعد معارك طاحنة ودموية انه لا مجال للتعايش سويا، ولم يعد الهدوء لتلك المنطقة الا عندما انفصل هؤلاء واخذ كل واحد منهم حصته، والمعادلة اليوم هي «لنجرب» هنا حيث نجحنا هناك، واذا لم يقتنع ابناء المنطقة بذلك اليوم فهم سيقتنعون غدا بعد ان تنهكهم الحرب وتصبح دون افق.

هذه النظرية، ليست «تخيلات» او مجرد تحليل، فبحسب تلك الاوساط طرح هذا الامر في الاجتماع «الباريسي» الاخير بين وزير الخارجية الاميركي جون كيري ونظيريه السعودي سعود الفيصل، والاردني ناصر جودة ، فحديث كيري هذه المرة لم يتمحور حول مشروع الحكم الفدرالي في العراق بعد إصرار الأكراد على تحديد هويتهم ورسمهم مستقبلهم والاستقلال التام، وأخبر وزير الخارجية الاميركي نظيريه أن مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان أطلعه بشكل واضح خلال اجتماعه الأخير به في أربيل رغبة الإقليم في الانفصال تماما عن العراق و إقامة دولة مستقلة، ولم يكتف البارزاني بهذا الامر بل طرح افكارا تقوم على تشجيع إقامة إقليم خاص بالسنة في المناطق التي يسيطر عليها المسلحون.

وتفيد المعلومات، على حد قول الاوساط الديبلوماسية بان كيري كان يتحدث خلال اللقاء عن امر واقع كردي سيصعب في المستقبل تجاوزه، فرئيس إقليم كردستان يستعجل اعلان استقلال الإقليم العراقي بحجة تردي الأوضاع الأمنية، ووجود خلاف كبير مع الحكومة المركزية في بغداد بشأن عائدات النفط وملف الموازنة، وقد سيطر الأكراد على كركوك الغنية بالنفط، حيث سارعوا إلى ربط حقولها النفطية بأنبوبهم الخاص ما يعني أن الإقليم استولى على احتياطات نفطية كبيرة تفوق جميع احتياطاته، وقد تحدث وزير الخارجية الاميركية لاول مرة عن مشروع تحويل العراق إلى «اتحاد كونفدرالي» يجمع بين كيانات سياسية مستقلة أو استقلال كل إقليم وتحوله إلى دولة قائمة بذاتها.

وبحسب تلك الاوساط، فان كيري اجرى يوم الجمعة في جدة «محادثات صعبة» مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والمسؤولين السعوديين بعد كلامه في باريس، فالمملكة التي باتت تشعر بالقلق الشديد من خطر ارتداد خطر «التكفيريين» على اراضيها، وجدت نفسها امام خيارات احلاها مر، فاما تقديم المساعدة الجادة للتخلص من تنظيم «داعش»، والدخول في حل واقعي للازمة في العراق وسوريا، وهذا يعني حكما نصرا لخصومها في المنطقة، او التسليم بالمعادلة الاميركية القائمة على التسويق «لكونفدرالية» تعرف المملكة ان مخاطرها المستقبلية لن تكون بعيدة عن اراضيها. والمفارقة ان الاميركيين لم يكونوا معنيين بتقديم اي ضمانات بحدود هذا التقسيم «المقنع»، وهذا ما اثار حفيظة القيادة السعودية التي كانت على اطلاع مسبق على تطمينات قدمها كيري لنظيره الاردني.

وبحسب المعلومات، فان وزير الخارجية الأردني طالب خلال «الاجتماع الباريسي» بمساعدة بلاده التي قد تواجه خطر عبور مقاتلي «داعش» الى أراضيها، في ظل وضع «هش» داخل البلاد بعد تنامي مضطرد للجماعات التكفيرية ضمن بيئة حاضنة تحميهم، وقد سمع الوزير الاردني كلاما واضحا عن الاهمية الاستراتيجية للملكة الاردنية الهاشمية بالنسبة للاميركيين والاسرائيليين، وقد جرى ابلاغه بان اسرائيل لن تسمح بسقوط المملكة بين ايدي المتطرفين، وقد ترجم هذا الوعد بعد ساعات قليلة بتصريحات علنية لوزير الخارجية الاسرائيلية افيغدور ليبرمان الذي التقى كيري في باريس، قال فيها صراحة ان بلاده ستعمل على حماية امن الاردن ؟ لكن ماذا عن لبنان؟

طبعا لا يتمتع لبنان «بمظلة» الحماية الاميركية او الاسرائيلية، تقول الاوساط الديبلوماسية لكن الساحة اللبنانية كما الاردنية مرشحة لعملية «تصفية» حسابات بين كبار «اللاعبين» الدوليين والاقليميين، بانتظار ان يحين وقت الجلوس الى «الطاولة»، وقد يطول هذا الامر او يقصر وفقا للتطورات الميدانية، لكن ما يقلق تلك الاوساط، ان ثمة من يهيىء الاجواء الداخلية لفكرة عدم امكانية «التعايش» بين مختلف الطوائف اللبنانية وفقا للصيغة الراهنة، فهناك من يتحدث يوميا عن «مظلومية» اهل السنة، وهناك من يعزف على «وتر» تهميش المسيحيين في النظام القائم، وثمة تركيز على «دويلة» حزب الله داخل الدولة، وغيرها من الشعارات التي تدل على فشل الصيغة الراهنة في ادارة الدولة، وفي المقابل هناك رفض من قبل هؤلاء لعقد مؤتمر تأسيسي يعيد صياغة العلاقات بين الطوائف ضمن نظام جديد، وكأنهم يريدون القول انه لا امكانية للوصول الى اي صيغة جديدة تحت سقف واحد!اذا ما هو الحل؟

طبعا الحل غير جاهز الآن، على حد قول الاوساط وهم لا يجاهرون به، ولذلك يعمل البعض عن سابق تصور وتصميم، والبعض الآخر عن «غشمنة»، في ابقاء الارضية اللبنانية جاهزة لاستقبال نجاح «الكونفدراليات» في المنطقة، ومن هنا يمكن فهم «التعطيل» الرئاسي المستمر، ومحاولة «شل» المؤسسات الدستورية، وغيرها من المواقف الدالة على ان هذه «الوصفة» ما تزال تدغدغ مشاعر الكثيرين، ومنهم قيادات في 14آذار بدأت تتحدث في مجالسها الخاصة عن هذا المشروع. لكن سواء كان الاميركيون «يهولون» على القيادة السعودية وعلى خصومها في المنطقة او يتحدثون جديا عن مشروع ترسم معالمه، رغم معرفتهم ان الطرف المقابل لن يسمح بتمرير هكذا مشروع بسهولة، فان ما تقدم يعتبر اول «جس نبض» رسمي اميركي لمعرفة اتجهات المواقف ورصد ما اذا كانت الظروف قد نضجت ام تحتاج الى مزيد من «الدماء والدموع»، لكن اللافت في هذا الامر انه يجري تقديم «النموذج» اللبناني باعتباره الاكثر دلالة على فشل «التعايش» بعد سنوات من الحرب، وثمة من يقدم النصائح لدول المنطقة بدعوتها الى تقليص امد المعاناة والتوجه مبكرا نحو «الانفصال».