لا يمكن التعاطي مع محاكمة البنك العربي التي بدأت في نيويورك قبل ايام، على اساس انها قضية مصرف عربي لا علاقة للبنان بها، لأن الترابط قائم من جهات عدة، ليس أقلها حصة آل الحريري في المصرف، وتركيز الاتهامات على دور فروعه في بيروت تحديداً، وارتباط مساهمات هذا المصرف بأعمال قائمة في لبنان، من بينها شركات تأمين رائدة.
مع انطلاق محاكمة البنك العربي في الولايات المتحدة الأميركية بتهمة تمويل الارهاب، تتجه الانظار الى النتائج التي ستخرج بها المحكمة الفدرالية في بروكلين، التي من المقرر ان تستمر لشهرين، يجري بعدها النطق بالحكم، على اعتبار ان طبيعة القرار القضائي الذي سيتم اتخاذه ستؤثر على اسلوب التعاطي المصرفي بشكل عام، وعلى بعض الاستثمارات اللبنانية.
ولا بد من الاشارة الى ان هذه القضية قديمة وتعود الى العام 2004، عندما رفع أكثرمن مئة مواطن أميركي شكوى طالبوا فيها بتعويضات من المصرف، على اعتبار انه ساهم في تمويل وتشجيع هجمات ارهابية نفذتها حركتا «حماس» و«الجهاد الاسلامي» بين عامي 2001 و2004، وأدّت الى مقتل عدد من الاميركيين.
وفي تفاصيل الاتهام، ان المصرف أجرى تحويلات الى حسابات صندوق يديره متمولون خليجيون، ومن ثم جرى تحويل اموال من هذه الصناديق الى عائلات فلسطينية فقدت احد ابنائها في العمليات التي نفذتها «حماس» أو «الجهاد الاسلامي». واعتبرت تلك المبالغ التي لا يتعدى الواحد منها الستة آلاف دولار بمثابة تعويضات الى اهالي «الشهداء».
بالنسبة الى ادارة المصرف العربي، الشكوى لا يمكن ان توصل الى حكم ضد البنك، على اعتبار ان المصرف فتح حسابات او اجرى تحويلات وفق الروتين المصرفي اليومي، وضمن القيود التي تفرضها الولايات المتحدة. بمعنى أن ايا من اصحاب الحسابات او الذين تلقوا تحويلات كان اسمه واردا على اللوائح السوداء.
كما يستند المصرف في تفاؤله بكسب القضية على قضية شبيهة رفعها ماتي غيل، المسؤول الاسرائيلي السابق، وأصدر الحكم فيها عن القضاء الاميركي في تشرين الثاني 2012 وقضى بأن «لا وجه لإقامة دعوى».
مع ذلك، فان المخاوف قائمة، خصوصا ان الموضوع يرتبط بوضعية واحد من أهم المصارف العربية الذي يملك تاريخا عريقا، وتربطه بلبنان «صلة قربى» من خلال الحصة الكبيرة التي يمتلكها آل الحريري في المصرف والتي تصل الى اكثر من عشرين في المئة، من ضمنها حصة مسجلة باسم بنك البحر المتوسط اللبناني. وأكثر من ذلك، هناك رابط عاطفي مع هذا المصرف الذي حاز في السابق على اهتمام الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي بادر الى شراء الاسهم فيه.
ومن المعروف في حينه، ان الشكوك تسللت الى نفوس مالكي البنك الاساسيين من آل شومان، من ان الحريري يريد السيطرة على المصرف تمهيدا لتغيير هويته الاردنية ونقل ادارته العامة الى بيروت. لكن الحريري طمأن آل شومان، ومعهم الحكومة الاردنية الى انه يريد الاستثمار في المصرف، لكنه لا ينوي تغيير هوية او المقر الرئيسي للمصرف.
منذ سنوات، سرت شائعات كثيرة حول نية الرئيس سعد الحريري بيع حصته في البنك العربي. وفي فترة من الفترات اهتمت الدولة القطرية في شراء الاسهم. لكن الشائعة المثيرة التي انطلقت في تلك الفترة روّجت الى ان رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة هو من سيهتم، بتكليف قطري، في شراء حصة آل الحريري، ومن ثم تسلُّم ادارة المصرف، الامر الذي نفاه السنيورة بشدة وغضب.
في كل الأحوال، نجح آل الحريري في ترك بصماتهم الايجابية على نتائج البنك العربي، من خلال اختيار اللبناني نعمة الصباغ مديرا تنفيذيا للمصرف. وكان الصباغ يتولى منصب المدير التنفيذي للبنك البحر المتوسط في بيروت.
وانتقل الى البنك العربي، وحقق مع فريق العمل نجاحات لافتة، تمثلت في زيادة أرباح المصرف، ودعم رأسماله وتحسين كل أرقامه. وقد وصلت أرباح البنك العربي قبل حسم المخصصات والضرائب، عن العام 2013 الى حوالي المليار دولار. وبلغت الأرباح الصافية 501.9 مليون دولار، مقارنة بـ352.1 مليون دولار في نهاية عام 2012 وبنسبة نمو بلغت 43 في المائة.
هذه الارباح سمحت بتوزيع الأرباح على المساهمين والتي ارتفعت بدورها من 25 في المائة في عام 2011 إلى 30 في المائة في عام 2012 ومن ثم إلى 37 في المائة في نهاية 2013.
هذه النجاحات التي ساهم الصباغ مع آخرين في صناعتها، استحقت حصوله في العام 2014 على جائزة « الإسهامات البارزة في قطاع الخدمات المالية في الشرق الأوسط « التي قدمتها له المجلة المالية العالمية «يوروموني».
كما اختاره اتحاد المصارف العربية ليكون الشخصية المصرفية العربية في إجتماعه الذي عقد في عمّان بتاريخ 16/4/2014 وأقرّته الجمعية العمومية للإتحاد أيضا «بالإجماع في إجتماعها بتاريخ 17/4/2014. ومن المعلوم أن جائزة الشخصية المصرفية العربية هي أعلى جائزة يقدّمها إتحاد المصارف العربية للقيادات المصرفية العربية، خصوصا أن هذه الجائزة تفرض موافقة مجلس إدارة الإتحاد والمؤلف من 20 دولة عربية.
في النتيجة، يمتلك البنك العربي الذي لديه حاليا حوالي 600 فرع حول العالم، حصصا في مصارف عربية عدة، كما لديه مساهمات في شركات بعضها جزء منه لبناني. كما ان تركيز الاتهام الأميركي على الفروع اللبنانية، يحمّل السلطات اللبنانية بعض المسؤولية.
كما ان هناك مصارف اجنبية عالمية تواجه التهمة نفسها. اذ يواجه مصرف «كريديه اغريكول» الفرنسي و«ناشونال ويستمنستر» البريطاني و«ناتويست» و«بنك اوف تشاينا»، اتهامات مشابهة بتمويل «الارهاب» في الولايات المتحدة.
وعليه، تعلّق اوساط مصرفية اهمية كبيرة على نتائج محاكمة البنك العربي، لأنها قد تعطي نموذجا عن نتائج بقية المحاكمات. كما ان مصالح لبنانية كثيرة مربوطة بالحكم النهائي، الذي يقول مصرفيون متابعون انه ينبغي ان يكون البراءة، اذا لم تتدخل السياسة، لأن القضية مبنية على محاكمة نوايا، وليس على أدلة وحقائق، وبالتالي، أي حكم بالادانة سيؤدي الى اعاقة حركة الاموال في العالم، لأن المصارف لن تكون قادرة على الاستناد على القوانين الاميركية للاطمئنان الى التحويلات، بل ستصبح مهمتها التدقيق أبعد من اللوائح السوداء التي توزعها الولايات المتحدة، والتي تتضمّن اسماء الاشخاص والمنظمات المحظّر التعامل معها.