IMLebanon

المسيحيون يرفضون التسلّح: الدولة مرجعيتنا والجيش يحمينا

مَن يُسلِّح المسيحيّين؟ هل هم فعلاً يتسحلّون مجدّداً؟ ما المصلحة من تسليحهم اليوم؟ هل الوضع الراهن يسمح بذلك؟ وهل تتشابه ظروف اليوم بالظروف التي استوجبَت تسليحَهم في الأمس؟

راجت في الآونة الأخيرة شائعات مفادُها أنّ المسيحيّين يتلقّون السلاح، من دون تحديد الجهة التي ارتأت وجوبَ تسليحهم.

في المقابل، لم تؤكّد التيارات المسيحية المعلومة، بل جزمَت في غالبيّتها بأنّ تسليح المسيحيين اليوم يُعرّضهم لمجزرة جديدة في ما بينهم، مشدّدةً على أنّه «لطالما كان أمن المسيحيين وأمانهم في عهدة جيشهم.

فإن أرادوا القتال أو الحماية أو التسلّح، فالمؤسسة العسكرية هي الأولى باحتضانهم بطرُق عدّة… ويبقى على المجتمع الغربي أو العربي الذي نادَى بوجوب تسليح الجيش اللبناني ووعَد بالمساعدة، الإسراع في تسليح الجيش وحدَه دون سواه.

وفي السياق، تقول أوساط سياسية متابعة إنّ طبيعة المرحلة الراهنة تختلف عن طبيعة المرحلة عامَي 1969 و1975، لأنّ طبيعة الانقسام في وقتها كانت طائفية بين مسيحي ومسلم، في ظلّ محاولات لتبنّي القضية الفلسطينية وإسقاط مبدأ تحييد لبنان عبر بوّابة اتفاقية الهدنة عام 1949.

في ذلك الوقت كان المسيحيّون وانطلاقاً من حضورهم القوي في مؤسّسات الدولة، يَعتبرون أنّهم مسؤولون عن احترام الدستور وتطبيقه. وبعد اتفاق القاهرة وتحوُّل جبهة التحرير الفلسطينية جيش المسلمين في لبنان، وعجز المؤسسات الرسمية عن مواجهة التمدّد الفلسطيني نتيجة موقف إسلامي صارم سمحَ لهذه المنظمات باستخدام لبنان قاعدةً لنضالها ومقاومتها، تمَّ الاتّجاه إلى تسليح حزب الكتائب و«الأحرار» وتدعيمِهما، وتأسيس ميليشيات مسيحية للدفاع عن القضية اللبنانية، ولولا هذا التسلّح لكان لبنان قد تحوَّل حُكماً دولةً فلسطينية.

الكتائب اللبنانية

نائب رئيس حزب الكتائب اللبنانية وزير العمل سجعان قزي، يؤكد لـ«الجمهورية» أنّ الحزب «ليس مع تسلّح المسيحيين»، موضحاً أنّ «الحزب لم يستخدم السلاح إلّا في الحالات الاضطرارية التي كان يتعرَّض فيها للإبادة، فيما كانت الدولة غائبة من العام 1975 حتى التسعينات».

قزي يصف التسلّح الذاتي بأنه «أخطر من مشروع الكانتونات المستقلّة، ويُجسّد حرباً أهلية تعلن وفاة الدولة وتنشر مراسيمها»، لافتاً إلى أنّ «مشروع المسيحيين منذ فخر الدين حتى اليوم، منذ إمارة الجبل حتى عهد لبنان الكبير، هو مشروع الدولة، وشعار ثورة الأرز هو الدولة، والدولة تعني سلاحاً وجيشاً وشرعية. أما اذا غابت الدولة وتلكأت، فمثلما كانت الكتائب لها في الماضي على حدّ تعبير قزي: «فنحن لها اليوم، وسنبقى في المستقبل».

«القوات»

«القوات اللبنانية»، تنفي على لسان نائبها أنطوان زهرا صحّة المعلومات التي تقول إنّها تتسلّح، مؤكّداً أنّ «رهان «القوات» هو على الدولة ومؤسساتها فقط، وأنّ حماية المسيحيين التي يُشاعُ عنها اليوم تأتي من فكرة الأقلّيات وفرَضية حمايتهم، ومصدرُها التخوينيّون وديكتاتوريّو المنطقة، مِثل بشّار الأسد والنظام الإيراني و«حزب الله»، ولن تنطليَ على المسيحيّين».

ويقول: «ما دام هناك جيش لبنانيّ وأمن عام وأمن دولة وأجهزة رسمية تابعة لها مسؤولة عن أمن جميع اللبنانيين، لن تتورّط «القوات» في أيّ شيء آخر، علماً أنّ القاصي والداني، والعدوّ والصديق، والخَصم والحليف، يعلم أنّه لا سمحَ الله، إذا عادت الظروف لتفرض على «القوات» الدفاعَ عن مجتمعها، فلن يكون هناك غيرُها جاهزاً للدفاع عنه من دون أن تتسلّح مسبقاً»، مضيفاً: «إذا كان صحيحاً أنّ بعض التيارات المسيحية الأخرى تتسلّح فتكون قد استسلمَت لخطّة «حزب الله» جَمع الأقلّيات تحت لوائه، على فرَضية أنّه والأسدَ يحميان الأقلّيات»، مذكّراً بأنّ «مسيحيّي لبنان لم يعانوا في تاريخِهم كما عانوا على يد أبرز أقلّيتين في المنطقة، وهما اليهود والعلويّون».

«الأحرار»

أمّا حزب «الوطنيين الأحرار»، فلم يتلقَّ، وفق رئيسه النائب دوري شمعون، أيَّ عرض من أيّ دولة أو جهة بتسليحه، وهو لا يملك معلومات عن أنّ بقيّة الفرَقاء المسيحيّين يتسلّحون. ويقول: «من الطبيعي أن يملك المواطن اللبناني في هذه الظروف قطعة سلاح يحتفظ فيها في بيته للحماية الذاتية، لكن لا حقيقة أنّنا نتسلّح مثل العام 1975»، مشدّداً على أنّه ليس ابنَ الأمس، وقد مرَّ عليه الكثير «والتسلّح» ليست كلمة سهلة اليوم، فالأمور قد تغيّرَت، والعدوّ بات يملك سلاحاً لا يمكننا استقدامه، وليس في متناول الجميع»، لافتاً إلى أنّ «داعش استولَت على نصف سلاح الجيش العراقي، وهو أمرٌ كافٍ لعدم قدرتِنا على المجابهة أو المواجهة».

أمّا الحلّ فيجده شمعون في الدعوة إلى إنشاء حرَس وطني للحماية الذاتية ومساندةِ الجيش وحماية المناطق، «لنتفادى أن يتسلّح كلّ من يحلو له التسلّح»، مستعجلاً الحكومة اتّخاذَ قرار إنشاء حرس وطني يضمّ قادة الجيش وكبار ضبّاطه وكبار ضبّاط الدرك المتقاعدين الذين يملكون خبرةً في التدريب والقتال والانضباط، على أن يكون تحت إشراف الجيش، إضافةً إلى تأمين حراسة وطنية للمناطق كافّة، ويُدرَّب الشبابُ الراغبون في التطوّع في خدمة الجيش. ويذكّر شمعون بالخدمة العسكرية الإلزامية، مؤكّداً ضرورةَ اعتمادها مجدّداً، «لأنّ هذا الأمر أفضل من أن يقضيَ شباب لبنان وقتهم في السهر».

نبيل خليفة

المؤرّخ نبيل خليفة يقول لـ«الجمهورية»: «إذا كان المسيحيّون يتسلّحون فعلاً، فهذا يعني أنّهم يحضّرون لمجرزة جديدة لهم، وقبل أن نلجأ إلى التسلّح علينا فهم الوضع الداخلي والإقليمي»، مراهناً على أنّ «المسيحيين لا يفهمون شيئاً منه، وإلّا لَما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من صغيرهم إلى كبيرهم»، معتبراً أنّ «داعش هو اختراع مقصود».

ويشدّد على وجوب أن يتسلّح المسيحيّون بالفكر والوعي والثقافة والرؤية المستقبلية، لأنّ هذه العناصر هي سلاحهم الحقيقي والأوّل، وهي دورُهم في التاريخ، مذكّراً بأنّ الذين حمَلوا سلاحاً في الماضي حمَلوا جغرافيا لبنانية وارتكزوا عليها.

فؤاد أبو ناضر

بدوره، يعتبر القائد السابق لـ«القوات اللبنانية» فؤاد أبو ناضر أنّ المسيحيين أوجَدوا لبنان، لذلك هم مسؤولون اليوم عن إيجاد حلّ لأزمته، وإنهاء نزاع الطوائف على السلطة، ولخَلق عَقد شراكة جديد بين اللبنانيين»، مُعتبراً أنّ المسيحيّين وحدَهم كفيلون بإيجاد الحلّ «والكفّ عن البقاء «ملحَقاً» للشيعة أو للسُنّة.

وقد حان الوقت ليعودَ المسيحيّون اللبنانيون ويفكّروا في المصلحة العامة للمسيحيين، وليس في المصلحة الصغيرة الضيّقة. ويدعو أبو ناضر المسيحيين إلى «الوقوف بجانب الجيش لأقصى الحدود، والإفساح في المجال لتطويع أنصار له في مناطقهم ليحرسوها ويساندوه».

ويَرفض أبو ناضر تسليحَ الأحزاب مبرّراً بـ«أنّه سيكون مشروعَ حرب أهلية مسيحية»، مؤكّداً في المقابل وجودَ سلاح مع المسيحيّين يحتفظون به من المرحلة الماضية وقد عادوا لإظهاره اليوم، وأنّ المسيحيين اشتروا السلاح اليوم لكن بكمّيات ضئيلة وليس بالحجم المؤثّر، وذلك بهدف الحماية الشخصية».

وفي وقتٍ يؤكّد أبو ناضر وجوبَ تفهّم حاجة القرى المهدّدة إلى السلاح، مثل بعلبك وجديدة الفاكهة والقاع، وهي قرى مسيحية لديها مقوّمات ضئيلة للعيش بعدالة وسلام». كما يكشف أنّ «مسيحيّي القاع وشبابها يتناوبون على حراستها بالتنسيق مع الجيش اللبناني، ولا يقومون بأيّ شيء بلا موافقة المؤسسة العسكرية، لأنّ هذه القرى متاخمة على خطوط ناريّة».

ويضيف: «يبلغ عدد سكّان مشاريع القاع 3000 مواطن، فيما وصلَ عدد النازحين السوريين الى 8000 نازح، وهم مسلّحون ويشكّلون خطراً على أبناء البلدة ويحتلّون أراضيها، ويحفرون فيها آباراً ارتوازية ولا يستطيع أحدٌ منعَهم خوفاً من عددهم وسلاحهم، فيما شباب القاع اللبنانيون، وخصوصاً المسيحيين، إذا فكّروا بالحَفر تأتي الدولة وتمنعُهم، فيما تسمح بذلك للنازحين!».

ويستغرب أبو ناضر كيف تقوم الدولة بواجباتها تجاه كلّ القرى الشيعية ومعهم زعماء الطائفة الشيعية، وكذلك المناطق السنّية، مثل عرسال التي صرَف الرئيس سعد الحريري لها ملايين الدولارات، بالإضافة الى إنشاء مستشفى فيها، فيما القرى المسيحية الموجودة على خطوط النار لا ينظر إليها أحد من المعنيين أو المسؤولين المسيحيين، فيما الدولة اللبنانية ترى بأمّ العين كيف يتصرّف النازحون بأرض هؤلاء الشباب، وكأنّها ملكهم، لكنّها تقف مكتوفة!». وانطلاقاً من هذا الواقع، يشدّد أبو ناضر على أنّه لا يمكننا أن نلوم أبناء تلك المناطق المسيحية، إذا تدبّروا أمرهم ولجأوا إلى التسلّح».

خليل الحلو

أمّا العميد المتقاعد خليل الحلو، فيوضح: «عندما نعلن أنّنا ضدّ أيّ سلاح خارج إطار الدولة تحت أيّ عنوان، أكان مقاومة إسرائيل أو التكفيريين، لا يمكننا القبول أو السماح بتسليح المسيحيين. فإمّا هناك دولة أو لا. ونحن في حركة لبنان الرسالة نرفض فكرة التسليح كمبدأ طالما لا تزال مؤسسات الدولة موجودة وفعّالة، وقد اجتازت امتحانات عدّة في نهر البارد وصيدا، واليوم نمرّ في امتحان ثالث في عرسال، وقد أثبتَت أنّها قادرة».

ويعتبر أنّ «المسيحي الخائف على نفسه، أمامه حلّان: إمّا الانخراط في الدولة عبر المؤسسة العسكرية، وإمّا الهجرة إذا كان لا يثق بجيشه ولا تهمُّه القضية». ويقول: «لينخرط الشبّان المسيحيّون في ألوية الجيش، الذي يستطيع بدوره إنشاءَ «ألوية أنصار الجيش اللبناني»، واستقبال الشبّان الذين تهمّهم القضية».

ويُحذّر حلو من أنّ «الخطر، كلّ الخطر، سيعمّ إذا تسلّح المسيحيّون لأنّهم سيقتلون بعضُهم بعضاً، فيما خطر «داعش» لن يعترضَهم، بل سيواجهون خطرَ مواجهة بعضهم، لأنّ العقول والنفوس ما زالت محقونة، وإذا حمل المسيحيون السكاكين فقط، وليس السلاح، سيُنسوننا «داعش» ويذبحون بعضَهم».

وتشير أوساط سياسية مطّلعة إلى أنّ الذين ليس من مصلحتهم تسليح المسيحيين، فليس لسوء نيّة أو لحسن نيّة! موضحة أنّ «الغرب لا يريد تسليح المسيحيّين لأنّه يفضل تسليح الجيش وهو يفعل ذلك.

وبعض الجهات العربية لا تهوى تسليح المسيحيين، أمّا الذي يريد تسليح المسيحيين فلن يسلّحَهم ضدّ «داعش» لأنّه يعلم أنّهم يتّكلون على الجيش، ولأنّه يعلم أنّ الأسلحة الموجودة في منازل الشباب المسيحي ستكون لمساندة الجيش إذا ما دقَّ ناقوس الخطر. لكنّ أيّ تسليح للمسيحيين اليوم سيكون من أجل أن يتقاتلوا في ما بينهم».

ويبقى القول إنّ الاختلاف اليوم، هو بين السُنّة والشيعة وليس بين المسلمين والمسيحيين، إضافةً إلى أنّ فريقاً واسعاً من اللبنانيين اتَّعظ من تجربة الحرب الأهلية ولا يريد تكرارها، وبالتالي في ظلّ وجود ميليشيا واحدة هي «حزب الله»، وفي غياب أيّ قرار مسيحي، سُنّي أو درزي، بتأسيس ميليشيات طائفية، هناك استبعاد للعودة إلى حرب أهلية، مع وجود اقتناع راسخ لدى كلّ الأطراف، بمن فيهم «حزب الله»، بأنّ الحرب إنْ وقعَت فلن تقدّم أو تؤخّر في مجريات أحداث المنطقة، لأنّ من يحكم لبنان ليس من ينتصر في هذه الحرب الأهلية بل الذي ينتصر في المعركة الإقليمية.