IMLebanon

المصالحة المسيحيّة… بكركي تعمل على النفوس والنصوص

إستنتجت بكركي بعد طول معاناة مع قادتها الموارنة أنّ الحقد والكره الموجودَين بين قادتها هما ما يعطّل الإتفاق على الملفات الحيوية الأساسية بالنسبة الى المسيحيين، وأبرزها قانون الإنتخاب ورئيس الجمهورية.

كانت بكركي محقّةً في توصيف الواقع القيادي المسيحي، لأنها تعرف المرض منذ مدّة طويلة وتحاول استئصاله، ونجحت في عقد لقاءات للقادة الموارنة الأربعة، وما كان يُعتبر معضلةً حصل، وهو مصالحة رئيس حزب «القوّات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية. لكن أبعد من الحقد بين القادة، هناك معضلة تقضّ مضاجع المسيحيين وهي الحقد بين الشعب الماروني الذي لم يكن موجوداً تاريخياً كما هو حاصل منذ الفترة الممتدة من عام 1988 حتّى وقتنا هذا، وعلى الرغم من كل المعارك الدمويّة التي وقعت بين المسيحيين في الحرب. فعلى سبيل المثال، لم يصل النزاع الدموي بين مناصري «القوات اللبنانية» و»المردة» الى درجة الحقد الموجود بين مناصري «القوات» و»التيار الوطني الحرّ»، حيث وصل الكره الى الألوان، فالعوني لا يرتدي اللون الزيتي والقواتي لا يرتدي البرتقالي، واذا قال القواتي إنّ المياه تجري من الأعلى الى الأسفل، يناقضه العوني بنظرية يشرح فيها أنّ المياه تجري صعوداً.

شهدت الساحة المسيحية تنافساً تاريخياً على السلطة وبين المحازبين، وانقسم الشارع بين «كتلة وطنية» و»كتلة دستورية»، وبين «كتلاوي» و»شهابي» (نسبةً الى الرئيس فؤاد شهاب)، وبين الكتائب وحزب «الوطنيين الأحرار»، وعلى رغم النزاع الشديد، لم يكن هناك كره أو حقد بين المسيحيين، مع أنّ رئاسة الجمهورية والحصّة المارونية في الدولة كانت وازنة في تلك الفترة، وليست «فتاتاً» مثل الآن.

يشبه الحقد بين المسيحيين موضوعَ الطائفية السياسيّة، إذ إنّ الجدل السائد هو في الغاء الطائفية من النصوص قبل النفوس أو النفوس قبل النصوص. ويرى الكثير من المراقبين للوضع المسيحي أنّ إلغاء الحقد من نفوس القادة، لا يلغي مآثر شعب حقد على بعضه بعض حنّى الإلغاء، وحروبها.

خرجت بكركي من مرحلة تلقّي الصدمات من قادة شعبها، الى العمل الجدّي لمحوِ الحقد بين الموارنة، وقبل الشروع بأيّ تحرّك جدّي، عليها استعادة الدراسات عن السيكولوجية المارونية، وتركيبتها. وتعرف بكركي جيداً أنّ طباع الماروني شرسة، لا يُهادن، ولا يقبل التسويات، يقاتل حتّى الرمق الأخير، لكن في مواجهة الأعداء، أمّا الآن، فقد استُعملت هذه المفاهيم لقتال بعضهم البعض. لذلك، ستعمل بكركي على مستويات ثلاثة:

المستوى الأوّل، محو الحقد والكره بين الممثلين الأقوى للمسيحيين، أي الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون، لينعكس ذلك على مناصريهم، وتسير الأمور بالشكل الطبيعي، ويتأقلمون مع كلّ الالوان، وتعود المياه الى مجراها الطبيعي.

المستوى الثاني: وهو مصالحة مارونية حقيقية، وهذه مهمّة سهلت نسبياً اذا نجحت محاولة جمع عون وجعجع، إذ إنّ الشمال المسيحي حيث التمركز الأكبر للقوات و»المردة» صالح نفسه بنفسه، كذلك، فإنّ علاقة آل الجميل بفرنجية تتقدّم بخطى ثابتة، ولا مشكلة في لقاء الكتائب مع عون.

أما المستوى الثالث، فهو اللقاء الوطني الشامل، حيث تؤكد بكركي أنّ هذا اللقاء لن يكون بمثابة مؤتمر تأسيسي، بل لقاء مصارحة وطنية، تُطرح فيه هواجس الطوائف والمكوّنات والاقليات، ويبحث في الصيغة الأنسب للخروج من الأزمات الوطنية المتلاحقة، والتي تتكرّر كل فترة.

تريد بكركي من خلال المؤتمر الوطني الذي سينطلق البحث فيه من مذكّرتها الوطنية، الإبتعاد عن كل كلام شعر أو أدبيات لم توصِل الى نتيجة. لكنّ عوائق كثيرة تعيق إتمام الإتفاق، فالعراقيل كبيرة، تبدأ من الزواريب المسيحيّة لتصل الى عواصم القرار، وترى أنها إذا نجحت في مصالحة المسيحيين يكون القطار قد سار على خطّه، وهذه المصالحة سينتج عنها انتخاب رئيس للجمهورية يعيد التوازن ويطرح ورقةَ عمل للمؤتمر الوطني، فيما هناك صعوبة في عقد مثل هكذا مؤتمر وسط غياب الممثّل الأوّل للمسيحيين عن السلطة، لذلك تحاول بكركي المبادرة في اتجاه حلّ الأزمة، والمحافظة على دور المسيحيين الوطني قبل الاداري – السياسي، لكي لا يشعروا بالتغييب عن السلطة، والتعويض عن الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، إذ أنّ بكركي تعتبر نفسها وصيّة على الأمانة الرئاسية ريثما يُنتخب الرئيس العتيد الذي ستظلله بمظلتها، ويكون أقرب اليها، لأنها هي من خاضت معركة انتخابه بشراسة وهذا سيسهل التعاون بين الصرح البطريركي وساكن قصر بعبدا.

ملفاتٌ كثيرة تنتظر البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، واذا كان القادة الموارنة يبدون مرونةً في التوجّه الى بكركي للجلوس معاً، إلاّ أنّ التجارب السابقة خيّبت آمال الموارنة وبطريركهم، مع معرفة سيّد الصرح أنّ من عطّل الاستحقاق هو مَن تمسّك بترشيحه تحت مقولة «أنا أو لا أحد».