IMLebanon

تساؤلات عربية مشروعة  برسم «الحليف الأميركي»..

موجة الارتياح التي أثارها التحالف العربي – الدولي لمحاربة تنظيم «داعش»، ما زال يشوبها بعض الترقب والحذر، في الأجواء العربية، بانتظار ظهور معالم المرحلة الدقيقة كاملة، وبكافة تفاصيلها، وتداعياتها المختلفة، على أوضاع المنطقة برمتها.

ومما يزيد من مشاعر الحذر والقلق لدى شرائح واسعة من المجتمعات العربية، أن الولايات المتحدة «استنفرت» فجأة لصياغة هذا التحالف الدولي ضد الإرهاب، بعد سنوات من معاناة المنطقة من الممارسات الإرهابية، اختلط خلالها الصمت المريب مع التردّد الفاضح للإدارة الأميركية، في القيام بالخطوات اللازمة للحدّ من تفشي التصرّفات الإرهابية، سواء من بعض الحكومات والأنظمة، أو من تلك الصادرة عن الجماعات المسلحة.

ولأن واشنطن هي الراعية الأولى لهذا التحالف، تتركز الأنظار دائماً على المواقف والتصريحات التي يُطلقها المسؤولون الأميركيون، وخاصة سيّد البيت الأبيض باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري، لأن الأطراف العربية المنضوية بهذا التحالف، تكتفي بالبيانات الرسمية الصادرة عن الاجتماعات الموسعة، من دون أن تكلف نفسها عناء تقديم أي شرح، أو أي معالجة لآلية عمل التحالف الجديد، والأهداف التي سيسعى لتحقيقها، ولعل الأهم، توضيح الحدود التي ستقف عندها الحرب، وما هي التداعيات المتوقعة لها، سواء بالنسبة لمجتمعاتنا العربية، أم بالنسبة لواقع الإقليم، الذي يتعرّض لاهتزازات سياسية وأمنية، هي الأخطر منذ انهيار نفوذ السلطة العثمانية في المشرق العربي!

 * * *

لا بدّ من الاعتراف بأن الشكوك العربية، المتداولة في أوساط النخب وأهل الفكر والرأي، تبدو مبررة، قياساً على التجارب العربية المريرة مع «الحليف الأميركي»، الذي غالباً ما يدّعي بأنه يسعى لتحقيق أهداف مشتركة، ولكنه في واقع الأمر يكتفي بتحقيق مصالحه، ويخوض الحروب للدفاع عنها، أما «الأهداف المشتركة»، وأما القضايا العربية العالقة في المحافل الدولية، فتبقى تدور في حلقة مفرغة من الوعود الفارغة، تتوارثها الإدارات الأميركية، الديمقراطية والجمهورية على السواء، وتتحمل أوزارها الأجيال العربية، جيلاً بعد جيل!

بعد هجمات 11 أيلول 2001 المشؤومة، أعلنت واشنطن الحرب على الإرهاب، واعتُبر تنظيم «القاعدة»، الذي ظهر أساساً برعاية أميركية سافرة، العدو الأوّل، مع حليفه الأفغاني «طالبان».

فماذا كانت نتيجة الحرب الأميركية – الأطلسية على أفغانستان؟

 فشل ذريع في اقتلاع جذور «طالبان» التي اتخذت من الوجود الأميركي مبرراً لتعزيز وجودها السياسي والأمني والعقيدي في مختلف المناطق الأفغانية، فضلاً عن فشل الإدارة الأميركية في تركيب سلطة بديلة عن «طالبان»، قادرة ومتماسكة لقيادة البلاد إلى بر الأمان بعد الانسحاب الأميركي الوشيك من أفغانستان.

في هذه الأثناء، تمدّد النفوذ الإيراني نحو الجار الأفغاني، وأمسكت طهران بطرفي الصراع في ذلك البلد المنكوب، وفتحت أبوابها لكوادر «القاعدة» و«طالبان»، ولم يحرّك الأميركيون ساكناً!

وما حصل في بلاد الرافدين، ليس بعيداً عن المشهد الأميركي في أفغانستان. الحرب المفتعلة لإسقاط نظام صدام حسين لم تنهِ مأساة الشعب العراقي، بل زادتها آلاماً، عبر تسلّل التنظيمات المتطرفة إلى أراضيه من جهة، وازدياد النفوذ الإيراني الذي تجاوز مسألة تأسيس الميليشيات المسلحة، إلى فرض صيغة حكم الحزب الواحد، واللون المذهبي الواحد على البلاد، الأمر الذي أدّى الى تفاقم الصراعات العراقية، وإلى اشتعال الفتن المذهبية بين السنّة والشيعة، فضلاً عن بروز شبح التقسيم، بعد قيام الدويلة الكردية في شمال البلاد، وانتفاضة عشائر الأنبار في الوسط ، وتفرّد حلفاء طهران في إدارة المحافظات الجنوبية من النجف إلى البصرة.

 * * *

وكذلك كان حال التدخل الأميركي في بقية الأقطار العربية، من ليبيا اليوم، إلى لبنان والسودان والصومال بالأمس، وصولاً إلى اليمن المهدّد حالياً بوحدة أرضه، وتقسيم دولته، وتحارب شعبه!

أما مأساة الشعب الفلسطيني مع السياسة الأميركية الخرقاء، والدعم الأعمى للدولة الصهيونية، فهي ملحمة تاريخية لم تنتهِ فصولاً بعد، حيث تفرض الإدارات الأميركية الشروط والمطالب على الجانب الفلسطيني، فيما تدّعي العجز عن الضغط على الطرف الإسرائيلي!!

لا ندري إذا كان مؤتمر باريس اليوم، قادراً على تقديم بعض الأجوبة على تساؤلات عربية مشروعة ومبررة:

 { ما هي حدود المسرح الجغرافي الذي ستدور عليه الحرب المقبلة: الأراضي العراقية فقط ، أم ستشمل الوجود الداعشي في سوريا أيضاً؟

{ كم هي الفترة الزمنية المتوقعة لإنهاء تنظيم «داعش»، أو على الأقل «كسر شوكته»، وتحجيمه عدداً وعدّة؟

{ هل المجتمعات العربية قادرة على تحمّل تداعيات حرب جديدة في المنطقة، يتوقع الرئيس الأميركي نفسه أن تستمر ثلاث سنوات؟

{ هل الحرب على الإرهاب ستقتصر على تنظيم «داعش» فقط ، وماذا عن «دواعش» الدول والمذاهب وأجهزة الاستخبارات الأخرى، التي تساهم، كل من موقعها، في تأجيج الصراعات الدموية، واللجوء إلى القوة والعنف لتحقيق أغراضها السياسية والفئوية؟

 تساؤلات… وغيرها كثير، وكلها تصب في دائرة الترقب والحذر التي تشغل الرأي العام العربي هذه الأيام، تحسباً مما ستحمله رياح الحرب المقبلة، في حال لم تستفد الأطراف العربية من دروس التجارب المريرة مع «الحليف الأميركي»!