IMLebanon

تسوية منتصف الليل: إمتحانات بلا تصحيح ولا نتائج

تسوية منتصف الليل: إمتحانات بلا تصحيح ولا نتائج

تدخُّل «حزب الله» يُنقذ العلاقة بين بري وعون .. ويلجم إستقالة بوصعب

التعطيل هو عنوان المرحلة في لبنان، من مجلس النواب حيث تعطل نصاب الجلسة المخصصة لاستكمال مناقشة مواد سلسلة الرتب والرواتب وبالتالي اقرارها، الى وزارة التربية التي عاشت فصولاً تجمع بين «الدراما» و«الكوميديا» في مشهد غير مسبوق يتعلق بالامتحانات ومصير الشهادة اللبنانية ومصير التربية والتعليم وسمعة لبنان القائمة على اعتبار العنصر البشري اللبناني «نفط لبنان»، في وقت كان حاكم مصرف لبنان يكشف عن ان استضافة لبنان للاجئين السوريين تشكل عبئاً كبيراً على اقتصاده، قد اعلنها الحاكم بكلفة مباشرة تساوي مليار دولار وغير مباشرة ثلاثة مليارات ونصف المليار، استناداً الى دراسة للبنك الدولي (راجع ص 7).

ولم يستأثر تعطيل الجلسة باهتمام يعادل النتائج السياسية المترتبة على هذا التعطيل، بقدر ما تركزت المتابعة على مستويات مختلفة لانقاذ الموقف بين وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب وهيئة التنسيق النقابية بمكوناتها التربوية كافة، وبالتالي تقرير مصير الامتحانات الرسمية، بين اصرار الوزير على اجرائها بيي ثمن ورفض الهيئة ان تجري الامتحانات بمعزلها، بوضعها ورقة ضغط بيدها لتفرض بها على النواب اقرار سلسلة الرتب والرواتب.

بدت المواجهة اكبر من ان تكون مسألة نقابية مطلبية، واعادت الى الذاكرة المواجهة التي حصلت بين وزير التربية السابق نجيب ابو حيدر والاتحادات الطلابية يومذاك، قبل 40 عاماً.

وبين الطابق الارضي في مبنى الاونيسكو حيث يوجد مكتب دائرة الامتحانات و«بنك الاسئلة»، وهناك اعتصم الاساتذة والموظفون وباتوا ليلتهم فيه، ومكتب الوزير في الطبقة 15، حيث كانت تدور رحى مفاوضات بالغة الصعوبة طغى عليها العناد والتحدي، وبدت القضية شخصية اكثر منها قضية وطنية او مطالب محقة او استحقاقاً مدرسياً يتمثل بامتحانات يتوقف عليها مصير 108 آلاف طالب.

أصر الوزير ابو صعب على موقفه في اجراء الامتحانات غداً، واصرت هيئة التنسيق على اعتبار ان اجراء هذه الامتحانات من دونها اهانة للشهادة والمدرسة الرسمية، وتطرح الثقة بمستوى الشهادة اللبنانية ككل.

وبعد اتصالات جرت بين اطراف الصف الواحد، سعى «حزب الله» الى التوفيق والى محاولة التقريب بين المختلفين، ودخلت حركة «امل» على خط الوساطة، واوفد الرئيس نبيه بري النائب علي بزي ورئيس المكتب التربوي في الحركة العميد الدكتور حسن زين الدين، حيث توليا اقناع اعضاء هيئة التنسيق، لا سيما مع رئيس رابطة التعليم الثانوي حنا غريب ونقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض ورئيس رابطة التعليم الاساسي محمود ايوب بحلحلة والقبول بالاقتراح الذي يقضي بالمشاركة في اجراء الامتحانات وتعليق تصحيح الامتحانات، وبالتالي الغاء كل الاجراءات التي يمكن ان تترتب على الاصرار على التحدي، في وقت حرص فيه الوزير بوصعب على اجراء مفاوضات مباشرة مع ايوب المحسوب على حركة «امل» بعد التشنج الذي اصاب المفاوضات مع كل من غريب ومحفوض.

ووفقاً لمعلومات «اللواء»، كادت المفاوضات أن تتعطل أكثر من مرّة، وقبل العودة الى الاجتماع قبيل منتصف الليل، عندما خرج النائب بزي من لقاء مع الوزير شديد الانفعال، واتصل بالرئيس برّي مبلغاً اياه أن الموقف تعقد، وان الوزير يتجه إلى إصدار إفادات مدرسية تسمح بالترفيع من المرحلة المتوسطة الى المرحلة الثانوية، وبالتالي عدم اجراء الامتحانات، الا أن هيئة التنسيق سارعت الى إبلاغ الوسيط النيابي بأنها على استعداد للمشاركة في اجراء الامتحانات مع تأجيل يوم واحد، وهو الاقتراح الذي قدمه بزي بعد العودة من عين التينة حيث كان استدعاه رئيس المجلس لتزويده بالتوجيهات التي كانت تنضج تباعاً في ضوء الاتصالات التي كانت تجري مع الرابية، ومع الحزب السوري القومي الاجتماعي لاقناع الوزير بوصعب بالسير في خطة التسوية، حرصاً على سلامة الامتحانات ومطالب الاساتذة وهيبة وزارة التربية.

ومع هذه النتيجة خرج الوزير بو صعب قرابة منتصف الليل ليعلن بنود التسوية التي تمّ الاتفاق عليها، والتي تقضي:

1 – اجراء الامتحانات يوم الجمعة، أي بتأخير يوم واحد للشهادة المتوسطة، والابقاء على جدول امتحانات الشهادة الثانوية والتعليم المهني، على ان تشارك هيئة التنسيق في هذه الامتحانات، مراقبة ورئاسة مراكز ووضع أسئلة.

2 – الامتناع عن وضع أسس التصحيح وتصحيح المسابقات الا بعد إقرار سلسلة الرواتب بما في ذلك التعليم المهني والتقني.

إنقاذ التحالف

على أن الأهم من الناحية السياسية هو إنقاذ التحالف بين مكونات 8 آذار، ولا سيما حركة أمل والتيار الوطني الحر.

وكان هذا التحالف قد تعرض إلى تصدع، منذ أن أعلن الرئيس برّي انتقاده من على منبر ساحة النجمة، قبل إعلان رفع جلسة السلسلة إلى 19 حزيران المقبل، لطريقة الوزير بوصعب في اجراء الامتحانات، ورد الوزير بأن لا أحد يملي عليه كيف يجري الامتحانات، وينتهي الاشتباك بإعلان بوصعب نفسه بشكر الرئيس برّي والنائب ميشال عون، ملمحاً بأنه كان في وارد الاقدام على خطوة ما لو لم يتم التوصّل الى تسوية وحرصاً على مصالح الطلاب.

وباجتياز هذا القطوع يمكن اعتبار ما حصل تمكن هيئة التنسيق من تسجيل نقاط على الوزير الذي كان يُصرّ على اجراء الامتحانات بموعدها، لكنها ستجري الجمعة، فضلاً عن تعليق نتائج هذه الامتحانات بانتظار إقرار السلسلة.

والاهم من وجهة نظر نائب في 8 آذار انه جرى إنقاذ التحالف السياسي القائم، حرصاً على عدم تصدعه عشية الاستعدادات الجارية لعقد جلسة جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية في 18 الجاري، وربما أيضاً خوض معركة إقرار السلسلة في المجلس في اليوم التالي، أي في 19 حزيران في جبهة واحدة.

ولعل من الدلائل التي أشارت الى إنقاذ التحالف بين الرئيس بري وما كان يسمى حليف الحليف، هو المؤتمر الصحافي الذي عقده أمين سر تكتل الاصلاح والتغيير النائب ابراهيم كنعان للرد على موقف كتلة «المستقبل» من سلسلة الرتب والرواتب، ومن ثم مقدمة النشرة الإخبارية لتلفزيون O.T.V التي استعادت فيه اقتباس نصوص من كتاب «الإبراء المستحيل»، مما يشير الى أن الحوار بين «المستقبل» و«التيار العوني» بلغ مرحلة متأزمة يشي بتدهور يفترض أن تظهر معالمه في الاستحقاق الرئاسي.

بري

على أن اللافت في جلسة السلسلة التي لم يكتمل نصابها، بسبب حضور 55 نائباً فقط من كتل 8 آذار، وحرص النائب وليد جنبلاط على أن يكون حضور نوابه الجلسة متوازياً، إذ حضر أربعة نواب وغاب خمسة، من دون أن يكون ثمة حشد واضح، هو المطالعة التي قدمها الرئيس بري قبل رفع الجلسة، حيث وجه خلالها ثلاث رسائل، الأولى الى كتلة «المستقبل» والمعارضين لإقرار السلسلة، متهماً إياها بتعطيل النصاب لأنها لا تريد الموافقة على موضوع المصارف والضربة على الفائدة، لأنه في «الميدان ليس بالسهولة أن تأخذ اللقمة من قلب الحيتان» على حد تعبيره، موضحاً أنه سبق أن تعهد بأنه لا يمكن أن يوافق على سلسلة لا يكون فيها توازن دقيق على الليرة وعلى الدولار وعلى الدينار، ولا يكون هناك توافق بين النفقات وبين الواردات، مذكراً بأن الجلسة السابقة وافق المجلس على واردات تبلغ 1850.2 مليار ليرة، ولم يتبق سوى إمكانية لتأمين حوالى 350 أو 450 مليار ليرة يمكن توفيرها من خلال زيادة التعرفة على الكهرباء فوق الـ500 كيلوات.

والثانية الى مقاطعي جلسات التشريع، مؤكداً أن هدفه كان وسيبقى هو انتخاب رئيس الجمهورية، لكنه شدد على أن هذا الأمر لا يمر على جثث المؤسسات الأخرى بتعطيلها، لافتاً النظر الى أنه حتى لو كان النصاب مؤمناً فإنه حريص على المحافظة على الميثاقية، ولا أحد يعطيني دروساً فيها.

أما الرسالة الثالثة فقد وجهها الى وزير التربية الذي كان حاضراً الجلسة، قائلاً: «انتبهوا أنتم لا تستطيعون أن تجروا امتحانات بهذا الشكل، رجاء ألا نخرب البلد ونوصله الى نقطة اللارجوع».

وكان بري أجرى سلسلة مشاورات على هامش انتظار اكتمال النصاب مع الوزير بو صعب في حضور وزير المال علي حسن خليل، وثم انضمت الى الاجتماع النائب بهية الحريري التي حضرت بصفتها رئيسة لجنة التربية ورئيس الحكومة تمام سلام فالنائب ابراهيم كنعان والنائب محمد رعد قبل أن يجتمع مجدداً ومطولاً مع بو صعب وفي حضور خليل بعد رفع الجلسة، وبعد إصرار الأول على موعد الامتحانات رغم تحذير بري، فيما ظهر بوضوح حجم الانقسام أكان على مستوى نواب 14 آذار الذين عقدوا مؤتمراً صحافياً برروا خلاله أسباب المقاطعة قبيل رفع الجلسة، أو على مستوى الردود التي توالت من قبل نواب «تكتل التغيير والاصلاح» ووزير المال.

جلسة الحكومة

حكومياً، وفيما أكد الرئيس سلام ان جلسة مجلس الوزراء غداً الخميس لا تزال قائمة في موعدها، استبعد وزير الاعلام رمزي جريج في اتصال مع «اللــواء» أن يؤدي تعطيل جلسات مجلس النواب إلى تعطيل جلسات الحكومة.

وقال: لا اعتقد أن الأمور يجب أن تسير بردات فعل، فتتعطل جلسة لمجلس الوزراء بسبب عدم انعقاد جلسة لمجلس النواب، والا دخلنا في نزاعات السلطات الدستورية، وهذا أمر غير سليم.

ولفت إلى انه في ما خص مجلس النواب، هناك نص يتذرع به فريق والمقصود بذلك المادتين 74 و75 من الدستور واللتين نصتا على انه ينبغي انتخاب رئيس للجمهورية قبل الشروع في أي أمر آخر، وبالتالي ليس هناك من أي مجال للتشريع في ظل الشغور الرئاسي.

وأضاف: لكن الصحيح أيضا هو ان هناك نصاً ينطوي على استثناء في هذا المجال أي عندما يكون هناك موضوع عام يتصل بتكوين السلطة السياسية، مشدداً على ان الموضوع الملح يعالج بالتوافق، ومكرراً القول ان المادة 75 من الدستور نصت بوضوح ان المجلس الملتئم لإنتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة استراتيجية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أي أمر آخر.

وإذ أوضح أن الهاجس الأساسي يقوم على السعي لإنتخاب رئيس للجمهورية والإسراع في الإقدام على هذه الخطوة، أعلن انه في امكان الحكومة تسيير شؤون ومصالح الناس واتخاذ القرارات السياسية والأساسية باعتبار ان المادة 62 من الدستور أشارت بوضوح إلى انه في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء، وبالتالي فإن دورها يقوم على استمرار كل المؤسسات».