IMLebanon

جنبلاط في باريس: شكراً ميشال عون

بلقائه النائب وليد جنبلاط، يكون الرئيس سعد الحريري قد توَّج استقبالات الحج الباريسية، بزائرٍ قلق، كان الى الأمس القريب يتحكَّم في لعبة التوازن الدقيق، التي نفَّذها بعد 7 أيار، عندما سارَ من دون تردّد في تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، تاركاً خلفه عهداً للحريري وللمملكة العربية السعودية لم يفِ به.

بعد هذه الزيارة، يستأهل العماد ميشال عون من الحريري «شكراً» كبيرة. فلولا هذه المناورة التي دخَل فيها عون على أمل أن تؤدي الى انتخابه رئيساً، لبقيَ جنبلاط «البيضة» التي تتحكّم بالجميع. لكنّ الحريري الذي استقبل عون، أثار الرعب في جنبلاط، وأفقده القدرة على اللعب بأوراق المناورة، وجعله يحجّ الى باريس مستفسراً، وطالباً الضمانات في آن. كان جنبلاط أوّل من تخوَّف من اتفاق بين عون والحريري. بدأ يروّج في مجالسه كلاماً يوحي بالرعب من هذا الخيار، وكاد في إحدى المرات أن يعلن مباركته لعون رئيساً. يُردِّد أحد الأقطاب المسيحيّين عن تلك المرحلة كلاماً كثيراً: ما باله وليد بك مرعوب الى هذه الدرجة من إمكان قبول الحريري بعون رئيساً؟ نحن مطمئنون وهو مرعوب.

 

أتى هذا الكلام بعدما تناهى إلى مسامعه عبر صديق مشترك أنّ جنبلاط قال في أحد المطاعم، على مسمع كثيرين، أنّ القصة انتهت، وأنّ عون سيُنتخب رئيساً. مناورة الحريري أقلقت جنبلاط، ومردّ القلق لا يعود الى الانتخابات الرئاسية فقط، بل الى ما سمعه عن ازدياد فرص حصول تحالف في الانتخابات النيابية، وهذا يعني تقزيم حضوره في الشوف الى الحدّ الأدنى. 

ساهم في هذا القلق، احتراف الحريري اللعب مع الجنرال. في بداية الانفتاح العوني – المستقبلي، خشي كثيرون حتى في تيار «المستقبل» (باستثناء الدائرة الضيقة)، من أن يتوّج هذا التفاهم باتفاق شامل رئاسي ونيابي. تعزَّزت هذه المخاوف بعدما اقتنع قريبون من الحريري بجدوى التفاهم مع عون، ليتبيّن فيما بعد أنّ الحريري نفسه كان رسم خطاً أحمر لعلاقته بعون، لم يتجاوزه. 

كسرت زيارة باريس الجليد بين الحريري وجنبلاط الذي نال على الأرجح ضماناتٍ بعدم تأييد ترشيح عون رئيساً، وبعدم وجود نيةٍ للتحالف معه في أيّ انتخابات نيابية مقبلة. عارض جنبلاط ترشيح قائد الجيش العماد جان قهوجي، لكنّ معارضته هذه بقيت في إطار «رفع السعر»، لعدم الموافقة بأيّ ثمن. 

في الدوائر القريبة مَن يردّد بأنّ كسر الجليد مع جنبلاط ليس نهاية المطاف. المطلوب منه حريرياً وسعودياً مواقف واضحة، وزيارته الى الرياض ولقاؤه الملك عبدالله بن عبد العزيز، لن تتم قبل أن يلتزم هذه المواقف. قرأ جنبلاط التحوّلات جيداً، ووجّه رسائل جديدة إلى «حزب الله» وإيران، واستمر على هجومه العنيف ضدّ النظام السوري، لكنّ كلّ ذلك لا يكفي لشطب تغطيته لحكومة ميقاتي، ولا يعطيه الفرصة لاستعادة «البيضة»، بعدما كادت أن تطيح بها مناورة الحريري مع عون، التي أزعجت حليف جنبلاط كذلك، الرئيس نبيه برّي الذي استاء من إعطاء «حزب الله» ضوءاً أخضر لعون بالتفاوض مع الحريري من دون أخذ موقفه في الحسبان. تعود العلاقة بين الحريري وجنبلاط الى شيء من تاريخها الحار، ولكن بقواعد جديدة. لا يبدو ممكناً بعد اليوم أن يفاوض جنبلاط «حزب الله» من موقع الممسك بورقة «المستقبل». ولا يمكن أن يخوض المعارك مع عون او أيّ طرف آخر بالواسطة، أيْ عبر الاختباء وراء «المستقبل». أما التطبيع الكامل، فينتظر المصالحة مع السعودية، التي لم تتم الى اليوم، لأنّ السعودية لم تنسَ بعد، كيف أُسقطت حكومة الحريري ودور جنبلاط في تلك الواقعة.