بقدرة قادر، تمكّن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، والمصطلح المعبِّر عنه «داعش» من جمع أضداد إقليميين وعرب، ودوليين وإقليميين، وجمع عكار إلى البقاع الشمالي، ليس من باب الحرمان، والمصالح المشتركة، والإهمال، والدعوة إلى التعايش، بل من باب التضامن بين أولياء الدم، آباء وعائلات الجنديين اللبنانيين: الرقيب علي أحمد السيّد، والجندي عباس علي مدلج (لاحظ الأسماء واحدة)، وهما العسكريان اللذان سقطا في مواجهة «الإرهاب»، وسقطا بسكين الغدر والإنتقام، وتحوَّل قتلة هذين الشهيدين، إلى مرتكبي كبائر، جزاؤهم النار خالدين فيها.
على أن تقدُّم الخطر «الداعشي» طرح أسئلة جمّة في ضوء قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما، تجريد حملة عسكرية جوية، عبر غارات جوية، وتدريب مقاتلين، وتسليح الجيش العراقي، والبشمركة الكردية، والجيش السوري الحرّ، لتتمكن في وقت من الأوقات من منازلة جيش «داعش» بقيادة «الخليفة» البغدادي، الذي انتقدت وعارضت، بل كفّرت تعيين نفسه بهذا المنصب، على خلاف رأي معظم فقهاء الأمة والعلماء والمشايخ الأجلاء.
تكبير خطر داعش، وتحرُّك ناظر الخارجية الأميركية جون كيري، في عواصم المنطقة، بدءاً من تركيا المستنكفة عن نصرة الائتلاف الدولي – العربي – الإقليمي بمواجهة خطر داعش «الإرهابي» الذي لم يقتصر على ذبح المدنيين الغربيين، من أميركيين وأوروبيين، بل تعمّد ذبح مسلمين، ومسيحيين، وأيزيديين، وغيرهم، إلى مصر التي تقدّم مطالب مشروعة في مواجهة المطالب الأميركية، وهي الدولة العربية العريقة بمواجهة «التطرّف الإسلامي» من أيام مؤسس حركة الإخوان المسلمين الإمام حسن البنّا، إلى ما بعد مقتل المفكِّر الأصولي، الراديكالي سيّد قطب في أيام الرئيس جمال عبد الناصر.
تتوزّع مطالب الدول، الراغبة دون أدنى شك، بالحدّ من نفوذ داعش، ليس على الأرض لجهة «كيانية الدولة» أو الخلافة، فهذه مسألة بالغة التعقيد، لترى النور في عالم اليوم، بل لجهة رؤى الجذب والتأثير، الذي يتركه «التنظيم» حتى ولو كان إرهابياً على قطاعات الرأي العام الإسلامي، المرتدّ بقوة إلى التشدّد والغلو بعد سنوات عصيبة من القهر، والإستعباد، والإستقواء والهيمنة، ليس من قsبل الدول الكبرى، في حقبات المدّ الاستعماري، بل أيضاً من أنظمة حكم، استبدّت، وطغت ونكّلت، وفشلت في نقل المجتمع من حقبة الهيمنة، إلى حقبة المساواة، أو بناء دولة القانون، أو حتى الدولة الإقليمية، التي اتخذت من الإسلام دين الدولة الرسمي، في عدد من دول الربيع العربي، لا سيّما العراق وسوريا..
بالتزامن مع خطاب أوباما، الذي كشف عن استراتيجية بلاده في ملاحقة داعش، واستئصال ما وصفه «بالخطر السرطاني»، عمّمت الـ CIA (وكالة الاستخبارات المركزية) معلومات عن أن عدد مقاتلي تنظيم داعش في سوريا والعراق، يتراوح بين 20 ألف و31 ألف و500، وهي تقديرات وصفتها الصحافة العالمية بأنها تزيد أضعاف عن تقديرات سابقة كانت تتحدث عن أن مقاتلي «الدولة» لا يربو عددهم عن 10 آلاف مقاتل.
في غضون أشهر قليلة، وبعد شهر حزيران، حيث سقطت الموصل وأجزاء واسعة من الشمال العراقي بأيدي مقاتلي داعش، عرف التنظيم تجنيداً غير مسبوق في صفوفه.. وهذا أمر لا يمكن تجاهله، أو القفز فوق واقعيته، المسألة هنا أن تكبير خطر «داعش» يأتي في سياق تكبير ثمن توجيه ضربة له، وفتح آفاق جديدة، تترتب على هذه الضربات، أو الإنتصارات المرتقبة، وهذا الثمن أو الأثمان يتعلق بمرحلة ما بعد طرد «داعش» من شمال العراق إلى سوريا، ثم ماذا يترتب من اعتبارات على صعيد مستقبل نظام الرئيس بشار الأسد، حيث أن الصوت الأعلى، يتردّد أن لا تهادن، ولا تفاوض، ولا تعاون في مكافحة الإرهاب مع
هذا النظام، من زاوية مراعاة مصالح الحلفاء المنخرطين في ائتلاف الدول المتوافقة على تنسيق الحرب الجوية والبرية ضد قواعد التنظيم «الإرهابي»..
إن الخيط الرفيع بين اعتبار نظام الأسد نظاماً فقد شرعيته، وبالتالي لا حاجة للتعاون معه في مكافحة داعش، واعتبار أن ثمة مصالح متقاطعة، ومترابطة، بين التنسيق أو اللاتنسيق، هو في واقع الحال، عدم تجيير نتائج الحرب المقبلة، بصرف النظر عن موعدها، وزخمها، وقوتها، وفعالية الضربات والعمليات البرية، بصرف النظر عن كل ذلك، المسألة تتعلق بمَن يقطف الثمار، هل دول الجوار، هل محور إيران – موسكو – دمشق – حزب الله وبعض العراق، أم دول الاعتدال العربي، المتمثلة بالدول المشاركة في الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية..
وما يتعلق بالموقف من النظام السوري، ينسحب على لبنان أيضاً، الذي شارك في مؤتمر جدة لمكافحة «داعش»، وفي الوقت نفسه، يواجه معركة من نوع مختلف مع إرهاب الجماعات المسلحة، الوافدة من سوريا، سواء أكانت على مستوى تنظيم «داعش» أو النصرة أو «جيش الإسلام»، أو أحرار الشام، إلى سائر التسميات..
لا حاجة إلى نقاش من النوع السياسي أو الدبلوماسي أو ما شاكل. القضية هنا، أن ما ينسحب على الأسد في سوريا، ينسحب على مستوى مختلف على «حزب الله» في لبنان، من زاوية الاكتفاء بالإلتقاء في الحكومة، وعدم الذهاب إلى أمكنة أخرى، لا في التنسيق، ولا في التعاون، ولا في التعويم. ثمّة خطر مشترك داهم، لا خلاف على ذلك، ولكن لينسحب «حزب الله» من سوريا أولاً، هكذا يقول فريق 14 آذار، وهنا بيت القصيد في الأزمة؟!