IMLebanon

دمشق نحوَ قواعد لعبة سياسيّة جديدة

مع انطلاق الإقتراع في الإنتخابات الرئاسية السورية، تتقدّم دمشق نحو قواعد لعبة سياسية جديدة تبدأ عقب إعلان النتائج.

منذ إعلان دمشق نيتها إجراء الانتخابات الرئاسية، تعرضت لجملة ضغوط اميركية ـ اوروبية وعربية لعدم الشروع في هذه الانتخابات. وفي المقابل وردت الى القيادة السورية عروض عبر الروس والايرانيين تطلب واشنطن من خلالها أن يوافق الرئيس بشار الاسد على التمديد لنفسه سنتين مقابل «إمرار» هذا الاجراء بلا اعتراض غربي وعربي، وذلك بغيةَ ترك المشهد السوري على ما هو عليه وعدم خلق وقائع سياسية جديدة تؤثر بحسب واشنطن في «مسار الحل السياسي» بمقتضى الرؤية التي يعبّر عنها دائماً ما يسمّى «مؤتمر اصدقاء سوريا».

إستمعت القيادة السورية الى هذا العرض الغربي، وافضى التشاور مع الحلفاء الى قرارٍ برفضه، وإجراء انتخابات رئاسية من المتوقع ان تأتي مجدّداً بالأسد الى السلطة لسبع سنوات جديدة، مع امكانية تجديد الولاية استناداً الى الدستور السوري الذي تمّ الاستفتاء عليه عام 2011.

من وجهة نظر دمشق أنّ العرض الغربي بالتمديد للأسد سنتين، جاء بعد التحوّلات السياسية والعسكرية التي تحققها سوريا منذ اكثر من عام. وفي رأي المسؤولين السوريين انّ الغرب يريد من خلال «اقتراح التمديد» أن يتابع الاسد قيادة المعركة ضدّ الارهاب وتنظيف سوريا من المسلحين، و»تسليم سوريا» نظيفة من الارهاب لواشنطن وحلفائها من العرب!!

وعليه، كان الجواب بإحداث صدمةٍ إيجابية ضمن المجتمع السوري، وإجراء عمليةٍ انتخابية تعدّدية وفق الدستور الجديد وإدارة الظهر للرغبات الاميركية والعربية والاستمرار في «الإصلاحات» في موازاة الحرب على الارهاب وعدم ربط المسار السياسي الداخلي بالنزاع مع الخارج.

تستند سوريا في موقفها المتشدّد حيال كل الاطروحات الغربية تجاه الازمة السورية على الانجازات العسكرية على الارض، والتحوّلات في المجتمع السوري والمصالحات التي تجرى في اكثر من منطقة، ويجرى خلالها «نبذ» الغرباء والارهابيين واخراجهم من ايّ بيئة حاضنة داخل سوريا، ما اضطر كثيرين من هؤلاء للعودة الى الدول التي جاؤوا منها، وبدلاً من أن تكون «ورقة الارهاب» مسلطة على سوريا للاستنزاف والابتزاز، انقلب المشهد واصبح هؤلاء المسلحين عبئاً ومصدرَ قلق للغرب والدول التي رعتهم.

في دمشق ثمّة اطمئنان الى مسار الانتخابات الرئاسية، استناداً الى جملة عوامل سياسية داخلية وخارجية. في الشق الخارجي الغرب يحتاج الى دمشق اكثر ممّا تحتاجه في الحرب على الارهاب. أمّا في الشق الداخلي فهنالك رهان على جملة تطوّرات انعكست في مشهد المقترعين السوريّين في الخارج، الامر الذي تنظر اليه القيادة السورية على انه اقتراع لمصلحة الاستقرار وعودة الامن والاجهاز على ما تبقّى من المجموعات الارهابية، وهذا ما يفسّره البعض تغييراً جذرياً في «المزاج» الشعبي السوري الذي إختبر في السنوات الثلاث الماضية معنى الفوضى والنزوح والتهجير ومحاولات تدمير الدولة.

الغرب الذي ساند المعارضة بناءً على اطروحة التغيير والاصلاح والديموقراطية، بدا متناقضاً ومحرَجاً عبر منعه المواطنين السوريين من حق الاقتراع على اراضي بعض دوله. لا احد يتحدث عن الدول العربية والامارات والمشيخات والممالك، تلك دول لا يعوّل عليها في مسألة الديموقراطية، لكنّ واشنطن والدول الغربية وقفت ضدّ اول انتخابات تعدّدية تجرى في دمشق منذ نصف قرن.

هذا المكتسب السياسي يصبّ في مصلحة الشعب السوري، ووجود ثلاثة مرشحين في هذه الانتخابات يرسم مشهداً سورياً جديداً لم يكن السوريون قد اعتادوا عليه، ولكن من شأنه أن يؤسس للمستقبل ويخلق حيويةً سياسية داخلية يستفيد منها النظام في معركته مع الخارج ومع الارهابيّين. أمّا المعارضة الوطنية الداخلية فغداً سنراها في الحكومة السورية العتيدة بعد إعلان نتائج الانتخابات وفوز الأسد المتوقع.