IMLebanon

رسائل كيري: الاستقرار والاستحقاق والطائف

تحمل زيارة وزير الخارجية الاميركي جون كيري للبنان، تزامناً مع الشغور الرئاسي والانتخابات السورية، رسائل بعدم العبث بالاستقرار وتسريع إجراء الانتخابات والتمسك بصيغة الطائف

هيام القصيفي

تعطي زيارة وزير الخارجية الاميركي جون كيري لبيروت بعداً آخر للحركة الديبلوماسية الغربية التي تتكثف في شكل تصاعدي، على وقع الشغور الرئاسي في لبنان. وتكتسب الزيارة أهمية في توقيتها، بعدما قطع جولته الأوروبية التي يرافق فيها الرئيس باراك أوباما من بولندا الى باريس لحضور احتفالات ذكرى إنزال النورماندي.

وبحسب مطلعين على أهداف الزيارة، فإن المجيء الى بيروت يتعدى الضغط لإجراء الانتخابات الرئاسية، وهو موقف سبق أن أعلنه الوزير الاميركي في اتصاله بالرئيس السابق ميشال سليمان قبل أيام.

تريد واشنطن، بحسب هؤلاء، إبراز رفع مستوى اهتمامها بلبنان، في وقت تتركز فيه الأنظار على الحوار الاميركي ــــ الايراني وترتيب العلاقات الايرانية مع دول الخليج، وفي مقدمها السعودية. وتحمل الزيارة، تزامناً مع الشغور الرئاسي، جملة رسائل يريد كيري من خلالها طمأنة اللبنانيين عموماً، والمسيحيين خصوصاً، إلى حرص واشنطن على موقع رئاسة الجمهورية، وإلى أنها لن توفر جهدها من أجل إنجاز الاستحقاق في أسرع وقت. كذلك فإنه يوجه رسائل الى كل الدول المعنية بالملف اللبناني بأن الوضع في لبنان محكوم بتسوية تاريخية، ممنوع المس بها، اسمها اتفاق الطائف، علماً بأن الخارجية الاميركية أصدرت قبل أشهر قليلة بياناً أكدت فيه تمسكها بهذا الاتفاق، كما أنها تحرص، في هذه المرحلة الحساسة، وعلى وقع الأحداث والتطورات في الجولان، على التشديد على أهمية الاستقرار في الجنوب حيث الحدود اللبنانية محكومة بالقرار الدولي 1701.

لا تريد واشنطن في هذه المرحلة الحساسة أن يتحوّل لبنان ساحة متفلتة أمنياً

أما العنوان الثالث للزيارة التي تأتي تزامناً مع الانتخابات السورية، فهو، بحسب المصادر نفسها، توجيه رسالة من بيروت، وعلى بعد كيلومترات من دمشق، الى من رعى دولياً وإقليمياً الانتخابات فيها، مفادها أن التنصل من جوهر اتفاق جنيف بإجراء الانتخابات السورية، وردّ الغرب باستقبال رئيس «الائتلاف الوطني السوري» أحمد الجربا، لا يشملان لبنان ولا يدخلانه ضمن السياق الجديد للأزمة السورية، ولا يجعلان منه تالياً ساحة للرسائل.

من هنا، فإن التمسك الاميركي بضرورة ملء الشغور الرئاسي، عطفاً على المسلّمات المذكورة أعلاه، يأتي متلازماً مع تأكيد ثلاث ثوابت:

أولاً، لا تريد واشنطن في هذه المرحلة الحساسة أن يتحوّل لبنان ساحة متفلتة أمنياً. ما يعنيها هو عدم المس بالاستقرار الامني تحت أي ذريعة. وفي هذا المجال، لا يكاد يمر يوم من دون أن تؤكد الدوائر الاميركية المعنية، ديبلوماسياً وعسكرياً، حرصها على دعم الجيش وإبداء الاستعداد لتقديم أي خبرات ومساعدة لوجيستية وتقنية أو استخبارية لضبط الامن وعدم السماح بتفجير الوضع، ومكافحة الارهاب بكل أشكاله. ولا تشكّل هذه المسلّمة لازمة تتكرر دورياً، بل هي خط أحمر يتجلى على أكثر من مستوى في حرص واشنطن على الامن والاستقرار في لبنان.

ثانياً، بقدر اهتمامها بالاستحقاق الرئاسي، تحاول الديبلوماسية الاميركية تحييد نفسها عن أي مشاريع رئاسية أو ترتيبات يقوم بها أطراف محليون. حتى الآن، لا تتداول واشنطن علناً أسماء معينة لمرشحين. ما يحصل هو مراقبة حثيثة واستفسارات وأسئلة عن المواصفات المطلوبة لهذه المرحلة، ورصد للحوارات اللبنانية الدائرة بين بيروت وباريس والسعودية. ما يهم واشنطن تحديداً عدم ذهاب أي فريق في مغامرات سياسية مجهولة المصير يمكن أي فريق أن يقوم بها للدفع في اتجاهات معينة لمصلحة هذا الطرف أو ذاك.

ثالثاً، إذا كان الحوار الاميركي مع السعودية التي تشهد تغييرات كان لواشنطن دور فيها، انعكس لبنانياً من خلال تشكيل الحكومة، فإن الحديث مع إيران يتركز أيضاً في شكل أساسي على استمرار الاستقرار جنوباً، وضبط الوضع تحت مظلة الـ1701، علماً بأنه لم يتسرب أي كلام عن احتمال بحث واشنطن مع طهران موضوع مشاركة حزب الله في الحرب في سوريا.

وفي كلا الحوارين، مع إيران ومع السعودية، تحرص واشنطن على التأكيد أن لبنان ليس موجوداً على ملف التفاوض لبحث مصيره كما هي حال سوريا حيث الحرب دائرة والحراك مستمر والبحث يدور حول مصير نظامها، أو كما هي حال العراق حيث إدارة الصراع بين العراقيين صعبة ولم تصل بعد الى أي نتيجة. فالمصير اللبناني بات واضحاً ومحسوماً عندما تيقن الجميع أن اتفاق الطائف والنظام القائم عليه ثابتان، وأي بحث يتعلق بلبنان إنما يبحث في أمور عالقة من نوع ضبط الامن ومراقبة الوضع الاقتصادي وتشكيل الحكومة، وحالياً ملء الشغور الرئاسي.

والملف اللبناني، بهذا المعنى، لا يقتضي تفاهماً إيرانياً ــــ سعودياً على مستوى واسع، بل يقتضي ترتيباً صغيراً منعزلاً عن مسار المفاوضات على مستويات كبيرة من أمن الخليج الى مصير سوريا، لأن السقف المرسوم للحفاظ على لبنان بات واضحاً، ما دامت عواصم القرار، حين تريد في اللحظات الحاسمة التفتيش عن تسويات لدول المنطقة، ترسم نماذج تشبه التسوية اللبنانية.