IMLebanon

رياح من الخليج

هبَّت رياح الخليج… زيارة واعدة لأمير الكويت إلى إيران، وأخرى لا تقلّ أهمّية لوزير الخارجيّة السعودي إلى موسكو، وثالثة يستعدّ لها وزير خارجيّة إيران إلى الرياض تلبيةً لدعوة «ودّية» كان قد تلقّاها من الفيصل، فيما يبقى المطبخ العماني مفتوحاً لتقديم الوجبات السريعة لمتذوّقي الحوارات السرّية الهادفة إلى تقريب المسافات ما بين طهران ودوَل الخليج.

تمتاز هذه الحركة بالاتّصال المباشر المتحرِّر من الوساطة الأميركيّة، وإنْ كانت واشنطن على دراية تامّة بأبعادها وخلفياتها، وأيضاً الإعتراف بدور موسكو في إدارة كثير من الملفات الشرق أوسطيّة، إنطلاقاً من سوريا، حيث استخدمت حقّ النقض «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي أربع مرات، وتمكّنت من تعطيل قرارات كانت ستصدر، وتخدم المصالح الغربيّة.

لا يمكن تجاهل المؤشرات الضاغطة التي حضّت وتحضّ على التحرّك، خطاب الرئيس باراك أوباما الأخير كان مخيّباً، ولم يلقَ ترحيب دول مجلس التعاون. تحدّث عن دعم المعارضة المعتدلة بالسلاح، هذا يعني أنّ مخطط التدمير مستمر، وخصَّص خمسة مليارات دولار لمكافحة الإرهاب، فيما الإستراتيجيّة المعتمدة من الخليجيّين أكثر قدرة ووضوحاً وفاعليّة. الرئيس فلاديمير بوتين تجاوز الفخّ الأوكراني، الأزمة أصبحت وراءَه، والتحالفات الإقتصادية لمواجهة العقوبات الأميركيّة – الأوروبّية أبصرت النور: صفقة الغاز الضخمة مع الصين، والإتفاقات الجديدة التي أبرَمها مع رؤساء الجمهوريات السوفياتية السابقة. أصبح بمقدوره الإنصراف بقوّة إلى الشرق الأوسط، وتحديداً إلى الملف السوري، حيث مربط خيل أسطوله في المتوسط، «الفيتو» الذي استخدمَه أخيراً في مجلس الأمن رسالة واضحة إلى الأميركيّين وحلفائهم، «نحن هنا، وأقوياء، والأزمة الأوكرانيّة لن تحملنا على الاستسلام؟!».

في المقابل، تشهد سوريا مبايعة جديدة للرئيس بشّار الأسد لولاية ثالثة بدعم إيراني – روسيّ واضح، ويشهد العراق «حياكة» حكومة جديدة بإبرة إيرانيّة ماهرة، فيما يشهد لبنان فراغاً مقلِقاً، إمّا رئيس وفق مواصفات «حزب الله»، أو الإسترسال في الفراغ إلى وقتٍ يصبح فيه النظام مطروحاً على طاولة البحث والتشريح. أمّا اليمن السعيد، فهو غير سعيد على الإطلاق في نظر الخليجييّن. الحوثيّون يشكّلون خطراً داهماً، تنظيم «القاعدة» يزرع الرعب في طول البلاد وعرضها، فيما المؤشّرات الميدانيّة تَشي بأهمّية الدور الإيراني، ومدى توغّله في الشؤون والشجون الداخليّة. في البحرين، لا تزال أصابع الاتّهام مرفوعة في وجه الإيرانيين، والمواقف الإعلاميّة غنيّة بمضابط الاتّهامات.

يحاصر النفوذ الإيراني دول مجلس التعاون من الجهات الأربع، في ظلّ تلكّؤ أميركي، أو غَضّ طرف. لم يعُد الهلال الشيعي الممتد من طهران إلى العراق إلى سوريا إلى مياه المتوسط في جنوب لبنان (كما أعلن يحيى رحيم صفوي)، هو الخبر. الخبر أصبح في سوريا، حيث التحدّي الكبير، هذا البركان المتفجّر بدأ يصيب بحممِه أرضَ الخليج. النزوح لم يعُد رقماً، بل قنابل موقوتة. محاربة الإرهاب لا تقتصر على «القاعدة»، و»جبهة النصرة»، والطفل السوري الجائع واليائس قد يتحوّل إلى ما هو أخطر من «داعش». المخطّط الأميركي – الغربي بات واضحاً: مزيد من السلاح، مزيد من القتال والتدمير والنزوح، وتعميم التداعيات على دول الجوار.

إتّخذ وزير الداخلية نهاد المشنوق تدبيراً يقضي بتقنين النزوح، إنّه تفصيل من استراتيجيّة المواجهة التي يبحثها الخليجيّون مع كلٍّ من الروس والإيرانيين للنظر في الملفّ السوري، وسُبل حقن الدماء، ومعالجة ظاهرة النزوح، وضبط الجبهات الداخليّة لكي لا تتحوّل سوريا أفغانستان جديدة في المنطقة، خصوصاً أنّ دول الجوار كلبنان والأردن، وحتى تركيا تشكّل أرضاً خصبة في ظلّ تنامي الغرائز والحساسيات المذهبيّة، والفئوية، والقوميّة.