IMLebanon

غزة نحو جولة ثانية وأُفق سياسي مسدود

على رغم إعلان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ووزير الخارجية الأميركية جون كيري عن «تهدئةٍ انسانية»، وموافقةِ الفلسطينيين والاسرائيليين على الذهاب الى القاهرة للتفاوض على وقفِ اطلاقِ نارٍ دائم، إنهارت جهود وقف العدوان على غزة، وعادت الأمور الى المربّع الأول.

المنافسات والمزايدات الدولية والاقليمية في ملف الحرب على غزة، مسؤولة مباشرة عن إطالة عمر هذه الحرب والدماء الفلسطينية البريئة التي تسقط. هي حربُ الاطفال والعجرة والمسنّين، وليست حرب الأنفاق. هي حربُ جريمةٍ جماعية ترتكبها إسرائيل على الهواء مباشرة، وليس لها أيّ أفق سياسي او عسكري بالنسبة الى تل أبيب.

سقطت الهدنة، لأنّ ظروف الاتفاق السياسي الذي تريده إسرائيل لم تنضج بعد. وفي إسرائيل ثمّة مَن يظنّ أنّ «العملية العسكرية الواسعة» في إمكانها تحقيق ما عجزت عنه الطائرات وقذائف المدفعية والمدافع الرشاشة.

هذا عقلٌ مجرمٌ لا يأخذ في الاعتبار حجمَ الكارثة الإنسانية التي يتسبب بها العدوان الاسرائيلي، ولا يدرك أنّ هذا الموت الموزّع على الأرصفة والطرق وتحت ركام الأبنية سيزيد الناس التصاقاً بالمقاومة، ولن يكون سبباً لخلق حالٍ من الشرخ بين الشارع الفلسطيني المقتول والمكلوم وبين مقاومته التي تقدّم اداءً عسكرياً مشرّفاً في الميدان، وأداءً سياسياً ممتازاً في تأكيده الوحدة بين الفلسطينيين، وعلى شروط المقاومة للموافقة على وقف إطلاق النار.

تذرّعت تل أبيب بعمليةٍ عسكرية للمقاومة من أجل التهرّب من الذهاب الى القاهرة للتفاوض. وأيّ حلّ سياسي كان يمكن التوصل اليه سيكون لمصلحة المقاومة الفلسطينية، و«منطق المقاومة»، لأنّ إسرائيل خسرت منذ اللحظة الاولى التي لم تنجح فيها «القبّة الحديد» في اعتراض الصواريخ، ولم ينجح الجيش في التوغل براً وتحقيق «نصر» ولو محدود يساعد في حلّ سياسي مثلما تشتهي تل أبيب وحلفاؤها والمتعاطفون معها من الدول العربية والإقليمية.

ربما من المفيد توسيع دائرة الدول المدعوّة الى رعاية «اتفاقٍ سياسي» لإنهاء الحرب في غزة. الرباعية الاقليمية التي تتنازع مساعي الحلّ وتتنافس على الامساك بالورقة الفلسطينية، أصبحت عاجزة بفعل ظروف ذاتية وموضوعية عن أن تمثّل مصالح الشعب الفلسطيني وأهالي غزة على أيّ طاولة مفاوضات. بعض الخليج ومصر وتركيا جميعها دولٌ تلعب أدواراً في الإقليم وليست صاحبةَ مشروع، أو مبادرات لتحقيق الحلول.

والولايات المتحدة والأمم المتحدة تلقتا صفعةً سياسيةً قوية بزوال مفعول الدعوة التي وجهّتاها خلال 12 ساعة على الأكثر. هذا الامر يعكس الضعف الاميركي مجدّداً، ويطرح مسألة قدرات «الامم المتحدة» على حلّ النزاعات والأزمات.

لماذا لا تجرى دعوة دول مثل إيران وموسكو الى لعب دورٍ في الاتصالات لوقف الحرب؟ الجميع يعلم حضور هذه الدول وفعاليّتها في القضية الفلسطينية، وقدرتها على الدفع الى الحلّ السياسي «العادل» الى الأمام. هل كان المطلوب أن تُستفرَد المقاومة الفلسطينية في القاهرة؟

هل كان المطلوب ضمانات تقدمها المقاومة قبل الوصول الى القاهرة؟ هل المطلوب من الفلسطينيين تقديمَ ما كسبوه في الميدان على مذبح المصالح الإقليمية والدولية وأن يذهبوا بلا غطاءٍ أو سقفٍ سياسي وظهّير خلفي؟

الآن سنقف أمام جولة جديدة من القتل والعنف وسفك الدماء. والنتيجة ستكون العودة الى التفاوض، إلّا إذا قررت اسرائيل الانتقال من مرحلة الإحراج والأزمة والتورّط الى مرحلة «الانتحار» حسب ما عبّر الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله.

هذا خيارٌ له تداعياتُه وأثارُه على كلّ منطقة الشرق الاوسط وليس على فلسطين والقضية الفلسطينية وحسب، والحرب اذا طالت قد تتوسع ولن يقدِرَ احدٌ على التحكّم بمسارِها ونتائجها.