IMLebanon

غياب «البيئة الحاضنة» وجهود الأجهزة الأمنية أفشل العمليات الإنتحارية

غياب «البيئة الحاضنة» وجهود الأجهزة الأمنية أفشل العمليات الإنتحارية

الحل لعناوين الأزمة في لبنان سياسي وليس أمنياً فقط

بعد فشل الحل الأمني في سوريا والعراق على اللبنانيين أن يسلكوا نهجاً سياسياً لمعالجة الخلل القائم في المسار السياسي

عادت التفجيرات الأمنية مجددا لتضرب في لبنان، بعد فترة هدوء استمرت لأشهر، اعتقد كثيرون وحزب الله في مقدمتهم أن هذه التفجيرات باتت من الماضي الى حد كبير، واعتقد البعض أن سيطرة النظام السوري وحزب الله على مدن وبلدات وقرى القلمون السوري قد قطع الطريق على مرور السيارات المفخخة.

إن هذه الرؤية تنمّ عن بساطة وسطحية في التفكير، وفي معالجة القضايا الكبرى.

فالتفجيرات التي تطال أمن اللبنانيين الآمنين أعمال إرهابية بامتياز، التعامل معها والحد منها أو إنهائها لا يمكن حصره بقطع بعض الطرقات (الجبلية)، هذا مع العلم أن الطرقات الفرعية غير الشرعية بين لبنان وسوريا تعدّ بمئات المعابر، من الصعب السيطرة عليها من قبل حزب أو جهاز أمني بعينه، فالحدود اللبنانية – السورية يبلغ طولها حوالى 200 كلم يتخللها مئات المعابر غير الشرعية، ومفتوحة على عشرات البلدات والقرى السورية، ومراقبتها وضبطها يتطلّب جهودا كبيرة غير متوفرة لدى جهة واحدة بعينها حتى وإن كانت هذه حزب الله الذي يملك قدرات هامة وكبيرة على الصعيد الأمني والعسكري، خاصة وأن قدرات الحزب في هذه المرحلة موزعة ولديها مهام عديدة في لبنان وسوريا..

ومن جهة أخرى فإن العمليات الانتحارية تأتي في إطار الحرب المفتوحة بين المنظمات الإسلامية المتطرفة وبين حزب الله تحديداً، وهذه التنظيمات وفي مقدمها «كتائب عبد الله عزام» التابعة لتنظيم «القاعدة»، وبيانات كتائب عبد الله عزام أعلنت هذا أكثر من مرة وتحديداً بعد محطتين:

الأولى: بعد إرسال حزب الله قواته العسكرية للقتال في سوريا الى جانب النظام السوري، فمنذ سنتين وفروع القاعدة في سوريا تعلن حربها المضادة لحزب الله، وتتوعّد بالرد، كما أعلنت أنها ستنقل حربها ضد حزب الله الى الأراضي اللبنانية.

الثانية: بعد أحداث عبرا العام الماضي بين الجيش اللبناني وجماعة الشيخ احمد الاسير، التي انتهت بإنهاء هذه الحركة، في شقها العلني، ويذكر ان جماعة الاسير اصدرت اكثر من موقف اكدت فيها مشاركة قوات حزب الله في احداث عبرا، واتهام جماعة الاسير للحزب بالمشاركة بأحداث عبرا قرنته بالتهديد والوعيد للحزب، ويبدو من خلال العمليات الانتحارية التي جرت على الاراضي اللبنانية، ومن خلال معرفة هوية بعض من نفذ هذه العمليات ان جماعة الاسير انضوت في صفوف كتائب عبد الله عزام المتطرفة، والتي يرعاها تنظيم القاعدة، فهي إحدى اذرع التنظيم «كجبهة النصرة» و«داعش» (داعش مؤخراً تمردت على تنظيم القاعدة الذي يقوده الطبيب المصري ايمن الظواهري).

والملفت للانتباه ان العمليات الانتحارية نفذها بعض الشباب اللبناني، واخري نفذها شباب عرب من سوريا ومن جنسيات اخرى.

وفشل اغلب العمليات الانتحارية يعود لسببين رئيسيين:

الاول: ان منفذي العمليات الانتحارية لم يجدوا في لبنان بيئة حاضنة، لا يمكن تجاهل ما هو قائم وموجود من «حساسيات» و«خلافات في التوجهات السياسية»، بين المكونيين «السني» و«الشيعي» (غالبية المكونين..) ولكن ما هو قائم لم يوفر البيئة الحاضنة في صفوف المسلمين السنة اللبنانيين لهؤلاء القتلة، الذين يستهدفون بأعمالهم الاجرامية اخوانهم الشيعة اللبنانيين، وما يطلق احياناً عن عمليات باسم «احرار السنة – بعلبك» لا علاقة لهذه الاعمال الاجرامية لا بالسنة ولا ببعلبك، حيث الروابط بين الطائفتين في بعلبك روابط اجتماعية وأسرية (زواج مختلط) وتاريخية ومصيرية منذ مئات السنين، كما ان هذه البيانات التي تصدر باسم «احرار السنة – بعلبك» لم تجد اي قبول لدى البعلبكيين السنة والشيعة بصورة مطلقة وشاملة، كما ان شيعة وسنة بعلبك يعتقدون بأن ما يعلن ما هو سوى صنيعة مخابراتية، حيث يتم استخدام هذا الاسم الوهمي..

الثاني: يعود لفعالية عمل الاجهزة الامنية اللبنانية، فهذه الاجهزة التي استطاعت خلال السنوات الماضية كشف عشرات شبكات التجسس الاسرائيلية، وهي الاكثر خبرة وتنظيماً من التنظيمات المتطرفة، استطاعت بعمليات «الضغط» المكثف ان تحبط العديد من العمليات الانتحارية.

رأى مصدر سياسي «انه من الاهمية الاشارة الى ان هذه العمليات الانتحارية تؤكد من جانب آخر ان الحل يبدو اولاً بوضع سياسات جادة لمعالجة بعض ظواهر «الخلل» القائم في البلد، فـظاهرة الشيخ الاسير كانت سياسية، وكان يجب ان تعالج سياسياً، وليس بالأمن، فالعلاج الامني لا يمكن ان يشكل حلاً، خاصة اذا كانت المطالب تدخل في عمق العملية السياسية، والعمل الامني يمكن ان ينتج عنه عملاً، خاصة وان كل ما يجري في سوريا من معالجة امنية قد فشل فشلاً ذريعاً، ونتيجة المعالجة الامنية التي سلكها النظام منذ ثلاث سنوات ادت الى تدمير سوريا دولة ومؤسسات وتشريد الملايين، كما ان المعالجة الامنية للمطالب السياسية للمكون السني العراقي في الانبار وغيرها تكاد تقضي على وحدة العراق، وما يحصل في العراق اليوم هو نتيجة طبيعية لفشل السياسات المتبعة من حكومة نوري المالكي السياسية والامنية.

على العموم انقاذ البلد اليوم بعد هذه العودة للعمليات الانتحارية يتطلب توحيد كافة الجهود السياسية لوضع حلول سياسية للعديد من عناوين الازمة اللبنانية، كما يتطلب وقوف جميع القوى السياسية والطائفية وقفة واحدة دائمة لمؤسسات الدولة العسكرية والامنية.