IMLebanon

لا تسوية رئاسية «ولا من يحزنون»

«لا تسوية رئاسية ولا من يحزنون»… بهذه العبارة الشعبية التي تُلخّص الفراغ الرئاسي والآتيَ من أحداث، يُختصر المشهد بعد تكرار عشرات الجلسات الاستعراضية لمجلس النواب، التي باتت تدور على إيقاع واحد.

لم يجلس «حزب الله» إلى طاولة التفاوض، وهو يقف حتى إشعار آخر خلف العماد ميشال عون، والأخير يقف حتى إشعار آخر خلف آخر أحلامه الرئاسية. هذه الحقيقة أبلغَها الامين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله الى النائب وليد جنبلاط الذي زار الرابية محاولاً التوصّل بلا توقّعات كبرى الى تسوية مع عون، الذي يصرّ على أنه الرئيس العتيد تحت طائلة الفراغ، ولو استمرّ أسابيع وأشهراً، أو سنوات.

لبنان متروك لقدَره المستقر نسبياً، ولا مساحة له على طاولة الكبار، فجبل سنجار الذي يشهد أكبر مأساة إنسانية هو القضية، وسوريا هي أيضاً، وربّما مصر وليبيا، لكن بالنسبة الى لبنان فلا بأس في إبقاء الوضع على ما هو عليه طالما إنّ هناك حكومة ومؤسسات تعمل بالحَدّ الأدنى، وطالما إنّ الاستقرار النسبي مرشّح للاستدامة.

خلافاً لذلك لا يتوقع نزول الملف اللبناني الى سوق البيع والشراء، لا السعودية ولا أميركا، ولا المحاولات الفرنسية الخجولة، تصل حدّ جسّ نبض حقيقي للموقف الايراني لتبيان ما إذا كان تجّار السجّاد وصانعوه، يفكّرون في تسوية ما، لم يشترِ أحد من الايرانيين ثمن انتخاب رئيس، وهم غير مستعجلين للبيع بأثمان بخسة.

انطلاقاً من هذا الواقع الآني، لم تكن عودة الرئيس سعد الحريري خارج سياق هذا الانسداد الاقليمي. فالعودة لم تكن بمقدار الإشاعات المضخّمة التي رافقتها، والتي وصلت الى حدّ تصوّر وجود صفقة متكاملة لانتخاب رئيس، وتأليف حكومة جديدة، وإجراء الانتخابات النيابية، وهذا ما لم تكن عناصره متوافرة.

فالحريري لم يأتِ وفي جيبه تفاهم إقليمي على انتخاب رئيس تسوية، بل جاء في لحظة أراد فيها قطعَ الطريق على استدراج الطائفة السنّية إلى مكان آخر. تنبَّهت المملكة العربية السعودية الى خطورة أحداث عرسال، فقرّرت صرفَ مبلغ كبير لدعم الجيش اللبناني، وأوكلت الى الحريري طريقة صرفِه، فكان أن اتّخذ القرار بالعودة لقطعِ الطريق على مسلسل عرسال، ومَن خطَّط له.

على هامش العودة ستتّخذ خطوات كبيرة، أبرزُها الاتفاق على التمديد للمجلس النيابي، الذي أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق أوّل مؤشراته عندما قال من عين التينة إنّ الوضع الأمني لا يسمح بإجراء الانتخابات. لقد بدا هذا الكلام معبّراً عن أمر واقع سيكون أساساً للتمديد، بموافقة أطراف رئيسيّين، أبرزُهم «حزب الله» ورئيس مجلس النواب نبيه برّي وجنبلاط وتيار «المستقبل»، في حين ستُسجَّل معارضة مسيحية شاملة للتمديد، من «القوات اللبنانية» إلى التيار العوني وحزب الكتائب، وقد يخرق بعض المستقلين هذا الإجماع، بالتصويت للتمديد بمبرّر الوضع الأمني.

ستحلّ الحكومة مكان رئيس الجمهورية الى مدى لا يعرف أحد متى ينتهي. فقواعد اللعبة التي يعتمدها «حزب الله»، تقضي بدعم ترشيح عون في انتظار وصول ثمن أغلى من خسارة تأييده.

هذا التأييد مربح للحزب حتى إشعار آخر، أمّا البديل المتمثل بمحاولة ترتيب تفاهم مع الحريري، فهو غير متوافر إلّا من خلال حكومة ائتلاف بارد، مهمتها إدارة الخلاف، وهي غير قادرة أن تتحوّل منصّة لتفاهم أشمل، نظراً لاتّساع الفجوة مع الحزب، خصوصاً بعد قتاله في سوريا. لهذا فإنّ الفراغ الرئاسي سيطول، والحكومة ستبقى، وسيُمدّد للمجلس النيابي، كلّ ذلك وسط احتقان إقليمي، لا يؤمل منه، على رغم الثغرة التي سجّلت في العراق، أيّ انعكاس إيجابي على الوضع في لبنان.