IMLebanon

«لا للكيماوي»

حاول جورج بوش (الأب طبعا) أن يدعم ميخائيل غورباتشوف في تخفيف انهيار الاتحاد السوفياتي. قال له غورباتشوف: صحيح أنكم انتصرتم في الحرب الباردة، ولكن ليس من مصلحتكم، ولا من مصلحة العالم، أن يتحول الاتحاد السوفياتي إلى حروب تفكك، مثل يوغوسلافيا. لقد قدمنا ما فيه الكفاية، وعلى الغرب أن يساعدنا ماديا لمواجهة المحنة المتزايدة.

تمنّع جورج بوش عن المساعدة المادية، لكنه عرض نوعا من الدعم المعنوي. أين تظنه قدم هذا العرض؟ أجل. أجل. في كييف! ذهب إلى أوكرانيا ليقنعها بخفض ثمن الانفصال. ووجد في المطار متظاهرين يرفعون يافطات بالإنجليزية تقول: «إذا كان البقاء جزءا من إمبراطورية عظيما إلى هذه الدرجة؛ فلماذا خرجت أميركا من الإمبراطورية البريطانية»؟

رد على ذلك مخاطبا الأوكرانيين بالقول: يجب أن تدركوا جيدا أن «الحرية ليست الاستقلال. والأميركيون لن يؤيدوا استبدال طغيان بعيد (موسكو) بطغيان محلي، ولن يساعدوا أولئك الباحثين عن قومية انتحارية قائمة على الكراهية الإثنية». بعد نحو ربع قرن، تدفع أوكرانيا (والعالم) ثمن الفرق بين الحرية والاستقلال.

أضعف الموقف الغربي مكانة غورباتشوف في بلاده، وتحرك ضده «الحرس القديم»، واعتقلوه (أيضا في القرم)، وانقلبوا عليه. وكان يقال إن الروس لا يقيمون انقلاباتهم إلا في الشتاء، حين لا زرع في الحقول سوى الملفوف والبطاطا، ولا ثمار على الشجر، والناس في المنازل كئيبة المزاج. هكذا كانت القاعدة أيام القيصر، ثم أيام الثورة. لكن هذه المرة لم ينتظر الجنرالات حلول الشتاء.

هذا ما أراد بوتين أن يتحاشاه في أوكرانيا هذا الشتاء. أي أن يبدو ضعيفا أمام جنرالاته، وليس أمام البيت الأبيض. أراد أن يقلب القاعدة المألوفة التي عبر عنها الشاعر يفغيني يفتوشنكو، في «رسالة إلى يسينين»، عندما قال: «لم ينقذ الآخرين أحد كما فعل الروس، ولم يدمر أحد ذاته كما يفعل الروس».

أسوأ ما يحدث في المواجهات الكبرى هو الاختلال؛ قبل ربع قرن كان في موسكو رئيس محاصر، وفي واشنطن رئيس مندفع. والآن هناك رئيس منكفئ في واشنطن وآخر عدائي في موسكو. وباراك أوباما غير قادر على السفر إلى أوكرانيا لكي يقول لأهلها إن الحرية ليست الاستقلال. والدليل أن رد بوتين على طلب الاستقلالية كان خطف القرم في عشرة أيام.

التاريخ سلسلة من النواقص والهفوات. كبرياء الغرب، وهو يرى الاتحاد السوفياتي ينهار، وعجرفة موسكو وهي ترى أوباما ينسحب من العراق وأفغانستان وليبيا، ويكتب تأملاته عن الخط الأحمر في سوريا، مكررا التحذير للمرة الألف: لا للكيماوي. ولا شأن لنا بغيره.