IMLebanon

لبنان في البند السابع

مرّة جديدة تتذوّق اسرائيل طعم الهزيمة العسكرية. فالإجتياح البري الواسع لا يمثل حلاً للمأزق العسكري الإسرائيلي، كونه جُرّب سابقاً في لبنان، وحتى في غزة نفسها، ولم يؤدِّ النتائج المرجوة لاستحالة بقاء القوات العسكرية آمنة في المناطق التي تصل اليها. أضف الى ذلك أن القرار الدولي يمنع إسرائيل من توسيع المواجهة في غزة الى حدود الحرب المفتوحة.

أما الضربات الجوية والتي تتفوّق فيها إسرائيل تكنولوجياً، فإنها كشفت مرة جديدة العجز الإستخباري ما جعل القوة الجوية الإسرائيلية عمياء وغير قادرة على إصابة الهدف.

في المقابل وجّهت حركة حماس رسائلها النارية في كل اتجاه. رسائل حملت توقيع «حزب الله» في العديد منها. قوة نارية صاروخية كبيرة ونوعية وحديثة، واستهداف العمق الإسرائيلي ما بين ديمونة وتل أبيب ومطار بن غوريون، لا بل أكثر، وتنفيذ عمليات كوماندوس برية على طريقة «حزب الله» تهدف في الأساس لكسر حاجز الخوف وعقدة «الدونية» التي لازمت الجيوش العربية لغاية حرب تموز 2006.

ولم يكن التزامن بين اندلاع حرب غزة وذكرى حرب تموز 2006 هو الرابط الوحيد بينهما، لا بل إن بصمات «حزب الله» التي كانت ظاهرة في العمليات العسكرية التي نفّذتها «حماس» أعادت الذاكرة الى التحذيرات التي كان قد أطلقها في مراحل سابقة أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله بأن تل أبيب هي مقابل بيروت، وأن موانئ إسرائيل البحرية والجوية لم تعد آمنة.

وتقرأ العواصم الغربية في كل ذلك رداً إيرانياً على محاولة خنق مشروعها إنطلاقاً من المستجدات العراقية.

صحيح أن واشنطن مستهدفة بطريقة أو بأخرى من خلال صواريخ غزة، إلّا أن العارفين يقولون بأن الديبلوماسية الأميركية التي اعتادت على «ركب الموجة» لتحقيق مصالحها، قد تكون ترى فيما يحصل عاملاً مساعداً لترويض المتطرفين الإسرائيليين الرافضين للتسوية السلمية مع الفلسطينيين.

لكن في انتظار ذلك، تبدو واشنطن ماضية في لعبة «عض الأصابع» مع إيران، وهو ما يفسر التعقيدات التي ظهرت في المفاوضات حول الملف النووي الإيراني.

وصحيح أن الوضع في غزة هو تحت المراقبة الأميركية الكاملة والدقيقة، إلّا أن هنالك مَن يعتقد أن نار «داعش» في العراق تبقى أكثر وجعاً من صواريخ غزة.

ففي إسرائيل مواجهات ورسائل صاروخية لكنها محكومة بمكانها وبزمان لا يمكن أن يكون مفتوحاً. فالمخازن التي تحوي هذه الصواريخ ستنضب في النهاية، والمجتمع الفلسطيني رغم قدرته على تحمّل «فاتورة الدماء» في المرحلة الأولى، إلّا أنه يبقى غير قادر على الإستمرار كذلك طويلاً، وانه كلما تقدّم الوقت، كلما أصبح المتشدّدون الإسرائيليون أكثر ليونة لصالح القبول بالتسوية السلمية مع الفلسطينيين من خلال السلطة الفلسطينية. وإن قطر قادرة عندما يحين الوقت لإعادة إحتواء حركة حماس.

أمّا في العراق، فإن ما يحصل هو مختلف. فهو واقع يبشر بمرحلة طويلة، وهو واقع يضرب المشروع الإيراني في المنطقة، لا بل إنه يفتح احتمالات حصول تداعيات أكبر. وتبدو واشنطن التي تراقب بدقة تضارب القراءة السياسية ما بين المحافظين والإصلاحيين داخل إيران، تراهن على تحولات في اللحظة الأخيرة.

وكان صريحاً ذلك الديبلوماسي الأميركي البارز الذي قال لسياسي لبناني كبير بأن بلاده منشغلة بأمور كثيرة ومهمة في الشرق الأوسط، ما يضع لبنان في المرتبة السابعة وفق الترتيب التالي:

أولاً المفاوضات الأميركية – الإيرانية، ثانياً العراق، ثالثاً الوضع في إسرائيل والمفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، رابعاً سوريا، خامساً اليمن، سادساً ليبيا وسابعاً لبنان.

وأرفق الديبلوماسي الأميركي كلامه بنصيحة «ثمينة» كما وصفها: حافظوا على الإستقرار الحكومي لأنه السبيل الوحيد لتمرير هذه المرحلة، في ظل انشغالنا بالملفات الخطيرة في المنطقة.

وتحت هذا العنوان يجول السفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل على الفرقاء السياسيين ليبلغهم تمسّك بلاده بالحد الأدنى من الإستقرار الحكومي، طالباً منهم إيجاد مخارج لأزمة الإستحقاق الرئاسي، ونُقل عنه قوله إن بلاده لم تتدخّل في تفاصيل الإستحقاق الرئاسي كي لا تفتح أبواب التدخل للقوى الخارجية الأخرى. إلّا ان واشنطن تبارك أي مسعى لبناني داخلي لإنهاء مرحلة الشغور الرئاسي وهي مستعدة لحماية أي توافق لبناني داخلي في هذا الإطار.

لكن بعض المسؤولين السياسيين سمعوا أن تحرّكاً أميركياً من الممكن أن يبدأ في هذا الإطار بدءاً من شهر أيلول المقبل. لكن في انتظار ذلك، لا بد من حماية الإستقرار الأمني واستمرار الحكومة.

وربما لذلك قد لا تؤدي أزمة ملف الجامعة اللبنانية الى ضرب الحكومة ولو أنها ستؤدي في حال استمرارها الى شل قدرة الحكومة على إصدار قراراتها. ولكن لذلك قصة أخرى. فوليد جنبلاط والذي يجري تنسيقاً كاملاً وشاملاً مع الرئيس نبيه بري، أراد أن يقدّم هدية تساعد في إعادة فتح أبواب مجلس النواب، ففي موازاة فتح قنوات التواصل بين بري وتيار المستقبل، وضع عقدة في ملف الجامعة اللبنانية تؤدي الى خلاف مع التيار الوطني الحر، وبالتالي الى نسف الملف ودفع وزراء التيار الى المعاملة بالمثل وتجميد الملفات الأخرى.

طبعاً، فإن الهدف هو حشر «المستقبل» والحل يكون بإعادة التفاهم لفتح أبواب المجلس النيابي، عندها يتخلّى جنبلاط عن مطلبه – العقدة، وتعود الأمور لتتحرك على مستوى أعمال مجلس الوزراء. «خناقات» لبنانية صغيرة بالقرب من حمم البركان المشتعل.