لا يستطيع أحد أن ينكر احتمال وجود خطر أمني في لبنان، ربطاً بما يجري من تطورات درامية في المشهدين العراقي والسوري، خصوصاً بعدما تحوّلت ميادين النزاع في هذه الدول الثلاث إلى ساحة واحدة. لكنّ المبالغة في الخوف أو التخويف من انسحاب المشهد الداعشي على لبنان هي في غير محلّها لأسباب عدّة:
أوّلاً، إنّ المصلحة الدولية بالحفاظ على أمن لبنان واستقراره، والتي تجلّت في التفاهم الفرنسي السعودي الإيراني المشترك على تأليف الحكومة اللبنانية وتسليم الوزارات الأمنية من الداخلية إلى العدل والاتصالات إلى فريق 14 آذار، وضبط مناطق التوتّر من طرابلس إلى عرسال والقبض على زعماء الأحياء، هذه المصلحة ما زالت تدفع في اتّجاه الإمساك بالأمن ما أمكنَ وتحييده عن المجازر التي تُرتكَب في سوريا والعراق.
ثانياً، لا أحد من القوى الرئيسية في لبنان يريد المواجهة العسكرية والأمنية مع أحد، كما أن لا احد يريد تغطية من يمكن أن يتحمّس نتيجة الحرب المذهبية في الجوار للخربطة في الداخل.
ثالثاً، أظهرَ الجيش والقوى الأمنية استعداداً عالياً وحزماً قوياً في التعامل مع أيّ محاولة للمَسّ بالأمن، كما أثبتا كفاءةً في تنفيذ مهامّهما عند توافر القرار السياسي.
رابعاً، لا يمكن لداعش أن تحقّق مكتسبات كبيرة في لبنان، على غرار ما حقّقته في غزواتها في سوريا والعراق. لكنّها تستطيع أن تهدّد الاستقرار بعمليات إرهابية خاصة بعدما تخطّت إمكاناتها المادية الـ 495 مليون دولار من غنائمها الحربية، إضافةً إلى كمّيات هائلة من الأسلحة والعتاد ومواد التفجير.
خامساً، إنّ أجهزةَ المخابرات المتعدّدة التي تخوض حرب كَرّ وفَرّ في موازاة القتال الدائر في كلّ من سوريا والعراق لا تريد أن تنقل نزاعها إلى لبنان، وهي تتعاون مع الأمن اللبناني في مواجهة الإرهاب، ما من شأنه أن يخفّف من المخاطر والمخاوف.
إلّا أنّ كلّ هذه العوامل لا تعني أنّ التفجيرات أو العمليات الإرهابية انتهت، ولكنّ المبالغة في التخويف تؤذي اللبنانيين كثيراً، خصوصاً على أبواب موسم الصيف.
وإذا كان اللبنانيون يتطلّعون إلى تحصين بلدهم فإنّ فَكّ الربط بينه وبين الساحات الدامية في جواره يبدو شبه مستحيل أمنياً، نتيجة المشاركة اللبنانية في القتال هناك، وسياسياً نتيجة رهنِ الانتخابات الرئاسية بالتطورات العسكرية والسياسية في المنطقة.