IMLebanon

لماذا الحريري لا «يبقّ البحصة»؟

كان النائب ميشال عون محروقاً «من دون جميلة» «المحضر الماروني» الذي نشرته «الجمهورية». وبعده، إكتمل الحريق. ومع ذلك، إستمرّ اللغز: لا عون يئسَ من كلمةٍ يقولها الرئيس سعد الحريري «فتحيا بها نفسه»… ولا الحريري يئسَ من الصمت. فما قصة هذا اللغز؟

في أوساط مسيحيّي 14 آذار، ولا سيّما «القوات اللبنانية»، همسٌ كثير حول العلاقة بين الحريري وعون. ومع أنّ قيادات الصف الأول تتوخّى تأكيدَ الثقة في الحليف السنّي، فالتساؤلات كثيرة لدى الكوادر والقواعد. وهناك مَن يقول: «لا دخان بلا نار. ولولا وجود شيء «ملتبس»، لما كانت زيارة الدكتور سمير جعجع الطارئة لباريس، في الأيام الأخيرة من المهلة الدستورية. وفي أيّ حال، أكد جعجع أنّ الحريري طرَح عليه للنقاش المسألة الآتية: «هل يمكن أن يكون عون مرشحاً توافقياً»؟ وفي معزل عن نتيجة النقاش، فالطرحُ يوحي بأنّ الحريري مستعدٌ على الأقل لمناقشة الفكرة»!

ويأخذ البعض على «المستقبل» سلوكه الملتبس في ملف العلاقة مع عون.

فالأقنية مفتوحة معه سرّياً، في بيروت وعلى خطوط باريس وجدة.

والحلفاء لا يعرفون بها مسبقاً أو لاحقاً إلّا إذا سُرِّبت إلى الإعلام، ولا يطّلعون على نتائجها إلّا من الإعلام، أو بعد جهدٍ جهيد من «الإستنطاق».

ويتحدّث آخرون عن إغراءاتٍ عونية لـ»المستقبل» تتجاوز مكاسبَ الحكومة والإدارة وإمكانَ العودة إلى السراي، وتصل إلى الخيرات النفطية. ويستفسرون عن زيارات «المستقبل» الغامضة للرابية. وهنا، جاءت الإشكالية بين الوزير نهاد المشنوق ومعراب حول تبديل آمر فصيلة غزير، القريب من «القوات». ومع أنّ الخطوة أُلغيت، فإنها تركت آثارها.

يقولون: الحريري يثير غيرة شركائه في «الزواج الماروني»، على الأقل بالفكرة، عندما يتفاوض منفرداً، وبلا تنسيق، مع عون. و»الخيانة الزوجية» قد تتحوَّل علاقةً غير شرعية أو تبقى ملاطفةً بريئة… لكنها في أيّ حال تثير الشكوك.

ويزيد الوساوس صمتُ الحريري وإصرارُ عون على إنتظار دعمٍ منه، ولو متأخَّراً. فهما يوحيان بأنّ قراراً ما سيُعلَن في لحظةٍ ما. ويراهن عون على أنّ الحريري سيُقْنِع السعوديين بفوائد إنتخابه، أو أنّ السعوديين سيقتنعون أولاً ويطلبون من الحريري السيرَ بترشيحه.

وفي «المستقبل»، على رغم الأصوات الرافضة لعون (السنيورة، فتفت، علوش وآخرون)، تلتزم غالبية الكوادر الصيغةَ الآتية: «لن ندعم مرشحاً لا يوافق عليه الحلفاء». وهذه الصيغة «الرخوة» تعني أنّ الحريري لا يلتزم حصراً مرشحاً 14 آذارياً، ولو أنه بقي يعتمد جعجع «مرشحاً رسمياً» في جلسات اللّانصاب. وفي تعبيرٍ أكثرَ دقة، هذه الصيغة توحي بإمكان الموافقة على عون، إذا…

في كل ذلك، أين يكمن اللغزُ الحريري؟

يقول العارفون إنّ الحريري يستفيد اليوم من إيجابيات الحوار مع عون. ونجح، ولو شكلاً، في «تبريد» حماوة «الجنرال» ضدّ «المستقبل» والسعودية ولجم إنجرافه مع «حزب الله» نسبياً. فعون المُخدَّر بالوعود، لماذا إستثارته، خصوصاً وأنّ لا إنتخابات رئاسية في الأفق. وعند القرار الحاسم، ستأتي التسوية بكامل عدَّتها… ويقتنع عون تلقائياً بمصيره.

ويجزم هؤلاء بأنّ جعجع بات مطمئناً جداً إلى أنّ الحريري لن يدعم عون، والسعودية كذلك. لكنه ربما إقتنع بفوائد إستمرار «تخديره» حالياً.

وفي تقدير آخرين، يلعب الحريري مع عون لعبةَ الإحراق البطيء. وهو يدرك أنّ «حزب الله» يغطي مجيء عون إلى المفاوضات معه، وهو يهدف في ذلك إلى إحراقه لأنه ليس مرشحه الحقيقي. ولأنّ الحريري لا يستطيع إيصال جعجع، ولو أراد، فضَّل ملءَ الوقت بالمماطلات.

فالحريري لن يقول «لا» واضحةً لعون، ولن يحدِّد مهلةً لإنهاء التفاوض. ويتأكد اليوم نجاح مناورته. فعون بدأ يتململ ويحدِّد المهلَ بأسبوعين أو شهرين. و»حزب الله» سيضغط عليه ليحدِّد موعداً دقيقاً لنهاية المهلة. وفي النهاية، سيغادر المفاوضات من تلقاء نفسه.

عندئذٍ، كما قال علوش، سيَخرج في الثلثاء التالي، ويعلن جهاراً ما قاله همساً للمؤسسات المارونية عن السنَّة والشيعة والسعودية. سيعود «عون الأصلي». وعندئذٍ، لكلّ حادث حديث.