IMLebanon

لماذا يرفض الحزب التمديد..؟

 

يبدو أن «جُرعة» التوافق، التي وصلت من الخارج، وأَنتجت الحكومة السلامية الجامعة، وساعدت على إنجاح الخطط الأمنية، وإقفال ملف طرابلس، كما أفرجت عن التعيينات الإدارية المتعثرة منذ سنوات، لم تستطع اختراق الاستحقاق الرئاسي، فتوقفت عند الأبواب الخارجية لقصر بعبدا!

وبدا المشهد السياسي في المجلس النيابي، وكأن ثمة من يحاول اللعب في الوقت الضائع، بانتظار حلول ساعة الجدّ في الانتخابات، فتصل «كلمة السر»، ويحضر النصاب على عجل، وتجري العملية الانتخابية بمنتهى الهدوء والسلاسة!

ولكن ليس ثمة ما يُشير إلى أن «كلمة السر» ستصل ضمن المهلة الدستورية للانتخابات الرئاسية، أي قبل 25 أيار، مما يعني أن الفراغ واقع في الرئاسة الأولى، طالما بقيت الأطراف المحلية على مواقفها المتصلبة، والتي أظهرت عجزاً لبنانياً فادحاً عن صناعة الرئيس العتيد في المطبخ السياسي اللبناني، رغم كل الخطابات المُبجِّلة لشعار «صُنع في لبنان»!

ورغم أن تسمية «الرئيس التوافقي» أصبحت ستاراً لمرشحين من 14 و8 آذار، إلا أن الاستحقاق الرئاسي، ما زال يدور في دوّامة التأجيل والتسويف، لأن سياسة الفيتوات المتبادلة بين الأقطاب الموارنة، وعدم قدرة بكركي على توحيد الصف الماروني خلف مرشّح، أو حتى مرشحَين، رغم كل الاجتماعات القيادية التي جمعت الزعماء الموارنة في الصرح البطريركي، ورغم كل النداءات والتحذيرات التي يُطلقها البطريرك الراعي لتجنب حصول الفراغ في رئاسة الجمهورية!

 * * *

إزاء هذا العجز المتمادي في انتخاب رئيس جديد، وما يترتب عليه من تداعيات على معادلة التوازن الوطني في المؤسسات الدستورية، في حال شغور مركز رئيس الجمهورية، ثمة من يسعى إلى معالجات سريعة، توصل إلى حلول مؤقتة، تتيح فرصة لالتقاط الأنفاس الداخلية أولاً، وتساعد على استبعاد حصول الفراغ في بعبدا ثانياً… ورابعاً!

من الأفكار المتداولة في هذا السياق، العودة إلى مربّع التمديد للرئيس ميشال سليمان لفترة زمنية محددة، تتراوح بين السنة والثلاث سنوات، من المفترض في نهايتها أن تكون الأوضاع اللبنانية قد أصبحت أكثر وضوحاً، وأكثر استقراراً، على خلفية انقشاع غبار الحرب السورية، ونضوج التسويات أو الصفقات الإقليمية التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة، وتحديد مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، في حال استمرار المراوحة الحالية في المفاوضات المتعثرة!

ويستند أصحاب فكرة التمديد إلى جملة من المعطيات الواقعية، منها على سبيل المثال لا الحصر:

1 – إن الرئيس ميشال سليمان يعتبر توافقياً بامتياز، لأن انتخابه تمّ بالإجماع، من نواب 14 و8 آذار، وبمباركة عربية ودولية مشهودة، حيث حضر قادة ووزراء عرب وأجانب جلسة الانتخاب في مجلس النواب.

2 – إن التمديد يحفظ ماء وجه الدولة اللبنانية، ومعها القيادات السياسية، ويُغطي عجزها الفاضح عن التوافق على انتخاب رئيس جديد للبلاد!

3 – إن استمرار الرئيس سليمان في الرئاسة الأولى، يحول دون تكرار حصول الخلل الوطني في المؤسسات الدستورية، في حال وقوع الفراغ في الرئاسة الأولى، ويُعزّز قاعدة الفصل بين السلطات حيث يبقى رئيس الجمهورية ممارساً لصلاحياته الدستورية المعتادة، من دون اضطرار الحكومة للقيام بهذه الصلاحيات في حال انتهاء المهلة من دون انتخاب الرئيس العتيد!

4 – وفي مطلق الأحوال، يقول العاملون للتمديد، إن مثل هذه الخطوة تُلبّي إلحاح بكركي، ومعها شرائح كبيرة من المسيحيين، في رفض حصول الفراغ، ولو ليوم واحد، في رئاسة الجمهورية، على حدّ قول البطريرك الراعي في خطاباته الأخيرة.

 * * *

العالمون ببواطن الأمور، يُدركون أن التمديد للرئيس ميشال سليمان دونه عقبات، لعل أبرزها معارضة حزب الله، الذي يشن حملات شعواء على رئيس الجمهورية، بسبب مواقفه الأخيرة، وفي طليعتها معارضته لمشاركة الحزب في القتال بسوريا، فضلاً عن تمسكه ببنود إعلان بعبدا، الذي يُؤكّد على تحييد لبنان عن سياسة المَحاور العربية والإقليمية، إلى جانب سعيه الدائم للتوصل إلى وضع استراتيجية دفاعية، تُعيد للدولة قرار الحرب والسلم.

ويبدو أن معارضة الحزب تطال أيضاً الاقتراح المتداوَل بتعديل محدود للدستور يسمح ببقاء الرئيس سليمان في قصر بعبدا، ممارساً كامل صلاحياته، إلى حين انتخاب رئيس جديد، أي دون الالتزام بتحديد فترة زمنية معينة، وذلك بهدف تجنّب وقوع الرئاسة في الفراغ مرّة أخرى خلال ست سنوات!

ويخشى أصحاب هذا الاقتراح أن يكون وراء رفض الحزب لمخرج التمديد، والاستمرار في تعطيل جلسات الانتخاب، إصرار مبيّت على الوصول إلى الفراغ الرئاسي، وإفساح المجال أمام تداعيات دراماتيكية تبرّر الدعوة إلى «مؤتمر تأسيسي» جديد، يتجاوز بأهدافه مؤتمر الدوحة الذي أعقب حصول الفراغ الرئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود!

 * * *

ثمة بوادر لتحرّك عربي ودولي يهدف إلى تجنّب حصول الفراغ الرئاسي، وذلك عبر إعلان مواقف تحث القيادات اللبنانية على حسم أمرها وانتخاب رئيس جديد.. أو التوجه إلى التمديد كخيار قسري لا غنى عنه، حتى لا يشغر منصب الرئاسة الأولى، ولتفادي تعريض لبنان لخضات سياسية وأمنية تُهدّد الاستقرار الحالي.